تمكّن ثالوث العائلة الرئاسية والجنرالات ورجال الأعمال، بقيادة سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري، من إدارة شؤون السلطة تدريجيًا في الجزائر، بحسب مقال نشرته صحيفة “نوفال أوبسرفاتور” الفرنسية.
وترى الكاتبة سيلين لوساتو في مقالها أن “أمراء النظام” الجزائري يتابعون بقلق الانتفاضة المتواصلة، إذ يعلمون جيدا أن مظاهرات الجزائريين لا تستهدف الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فحسب، بل كل الأطراف التي تقف خلفه وتحرّكه.
ويشير المختص في العلوم السياسية محمد هناد إلى أن أهم الأسئلة التي يجب طرحها في الجزائر الآن هي من يدير البلاد من خلف الكواليس؟ ويرى أن النظام الجزائري في الواقع “صندوق أسود” يحوي أعضاء من عائلة بوتفليقة وضباطا رفيعين وسياسيين ورجال أعمال بلا رحمة، يشكلون معا “دوائر متشابكة وأحادية المركز”.
الأسرة أولا
أشارت الكاتبة إلى أنه بعد وفاة الرئيس هواري بومدين في ديسمبر/كانون الأول 1978، اعتقد عبد العزيز بوتفليقة أنه سيخلفه مباشرة في السلطة، لكنه تعلّم خلال السنوات العشرين التي قضاها في المنفى أن يثق فقط في أسرته.
وقد تكفل أشقاء “الرئيس” الثلاثة بإدارة الأعمال. ويحتل عبد الرحيم المعروف أكثر باسم ناصر -الذي يشغل منصب الأمين العام لوزارة التكوين المهني- مكانة “الأخ كاتم الأسرار” بالنسبة لعبد العزيز. أما الشقيق الثاني فهو عبد الغني، الذي تشوهت سمعته خلال السنوات الأخيرة، وتقاعد بسبب معاناته من المرض. وقد ذُكر اسمه في “قضية خليفة” المدوية، وهي فضيحة مالية تعود إلى سنة 2000 جمعت بين الفساد واختلاس الممتلكات العامة.
ويظل سعيد بوتفليقة الأقوى من بين الأشقاء الثلاثة، بما أنه يشغل مكان الرئيس. ويدير سعيد -المعروف بـ”السيد الأخ”- شؤون البلاد اليومية في قصر زرالدة. لكن إلى أي حدّ؟ في هذا الإطار، ووفقا للمختص في العلوم السياسية حسني عبيدي، تحوّل “سعيد بوتفليقة إلى الصوت الوحيد للرئاسة” أو بالأحرى “الشخص الذي يتحدث باسم الرئيس”، وذلك عقب إصابة عبد العزيز بوتفليقة بسكتة دماغية سنة 2013، فضلا عن ذلك، فهو من يستشيره ضيوف الجزائر من رؤساء دول وحكومات أجنبية.
وتقول الكاتبة إن القطب الثاني في حكم الجزائر هو الجيش، حيث يلتفّ العسكريون حول من يتمتع بالنفوذ الأكبر، وهو رئيس هيئة الأركان أو رئيس جهاز المخابرات العسكرية (دائرة الاستعلام والأمن). ووفقا لحسني عبيدي، “في الوضع الحالي، يعد رئيس الأركان الجنرال أحمد قايد صالح الشخص الذي وضع أسس هذا الحلف مع الرئيس بوتفليقة”، حيث لا يُفوت أي فرصة لمهاجمة خصوم بوتفليقة.
صراعات داخلية
وتشتد الصراعات الداخلية في صلب المؤسسة العسكرية. فمنذ أشهر عدة، أطيح برؤوس كبيرة كان يحتمل أن تخلف بوتفليقة. ومن أبرز هؤلاء الجنرال عبد الغني هامل الذي أزيح في قضية مخدرات في يونيو/حزيران الماضي.
كما تتباين الآراء بشأن الدور الذي تلعبه “دائرة الاستعلام والأمن” الشديدة السرية. ويؤكد كثيرون أن دورها السياسي قد تقلص منذ إحالة الجنرال محمد مدين، المعروف باسم “توفيق” والذي ترأس هذا الجهاز على امتداد ربع قرن، على التقاعد في 2015. وهو “إعدام سياسي” اعتبرته الصحافة المحلية آنذاك “ضربة معلم” من المجموعة المحسوبة على بوتفليقة.
في المقابل، يرفض البعض على غرار المختص في العلوم السياسية محمد هشماوي تصديق “هذه القصة الوهمية”. ويؤكد أن “الدولة العميقة عززت أكثر من أي وقت مضى سيطرتها على صلاحيات أخذ القرار والتنفيذ في الدولة”. وأضاف المختص أن “هذه الصورة الزائفة حول تدمير الدولة العميقة شكلت أكثر الطرق أمانا للتحضير لمرحلة ما بعد بوتفليقة”.
تحالف المصالح
أضافت الكاتبة أن القطب الثالث، وفقا لحسني عبيدي، يتمثل في “مجموعات المصالح”. فبسبب سوء إدارة عبد العزيز بوتفليقة، ازدهر بعض رجال الأعمال. و”لا يخفي العديد من أصحاب الشركات اليوم علاقاتهم بالنظام، وهو ما ينطبق على رئيس منتدى رؤساء المؤسسات الجزائريين علي حداد، الذي اعترف بشكل صريح بصداقته مع سعيد بوتفليقة “وبعض المسؤولين المدنيين والعسكريين الآخرين”.
علاوة على ذلك، يمثل رضا كونيناف أحد أبرز وجوه النظام الجزائري. ويتصدر هذا الرجل، البالغ من العمر 40 سنة، قائمة أهم أثرياء الجزائر. وقد راجت بعض الشائعات التي تفيد بأن كونيناف مستعد لتمويل حملة عبد العزيز بوتفليقة الرئاسية المقبلة، وحملة سعيد بوتفليقة إذا قرر خلافة شقيقه.
من جهته، أشار محمد هناد إلى أن “العلاقات في مجال الأعمال التي توحّد هؤلاء الرجال هي من تحكم الجزائر اليوم، قبل أي اعتبار آخر”.
وبسبب العقود العمومية المثمرة والتدفقات النقدية خارج البلاد والتسهيلات الإدارية، باتت الجزائر من بين أكثر الدول فسادًا في التصنيف العالمي لمنظمة الشفافية الدولية، حيث تحتل المرتبة 105 من جملة 180 دولة إلى جانب كل من مصر وسلفادور. ويبين هذا الأمر أن الجزائر يديرها نظام فاسد قائم على اختلاس أموال النفط والغاز.
المصدر : الصحافة الفرنسية