أسرع مصطفى للاختباء مع عائلته المكونة من خمسة أفراد في الملجأ المجهز أسفل منزله بعد تحذير مفاجئ للمراصد من تحليق طائرة حربية نوع “ميغ 23″، قادمة من مطار حماة العسكري ومحملة بصواريخ وقنابل في أجواء خان شيخون بريف إدلب الجنوبي.
هي المرة الأولى التي تشن فيها مقاتلات النظام الحربية غارات على مناطق في إدلب منذ إعلان موسكو وأنقرة في سبتمبر/أيلول 2018 تثبيت وقف إطلاق النار وإخلاء مناطق التماس بين المعارضة المسلحة وقوات النظام السوري من السلاح الثقيل وإقامة منطقة منزوعة السلاح بعمق 20 كيلو مترا، تنفيذا لتفاهمات قمة سوتشي.
يقول مصطفى سرماني -وهو أحد سكان خان شيخون للجزيرة نت- “فوجئنا بعودة الطيران الحربي لقصف مدن وبلدات إدلب وحماة بعد مرور ساعات فقط على تسيير نقاط المراقبة التركية دوريات عسكرية على طريق دمشق حلب الدولي، إذ اقتصر القصف قبل ذلك على الصواريخ والقذائف”.
وأوضح سرماني أن ضعف إمكانياته المادية كان سببا ببقائه إلى جانب مئتي عائلة في خان شيخون رغم شدة القصف واستمراره، فرحلة النزوح إلى الشمال والإقامة في منطقة حدودية تكلفه نحو 150 ألف ليرة سورية شهريا (الدولار الواحد يساوي 500 ليرة)، معربا عن أمله بأن تفي أنقرة بوعودها ويتحقق الاستقرار قريبا.
يغص طريق دمشق حلب الدولي بمئات السيارات والدراجات النارية التي تقل العوائل النازحة من المناطق المستهدفة في إدلب وحماة باتجاه الشمال أو القرى القريبة من تمركز نقاط المراقبة التركية، خصوصا مع تعمد النظام السوري تدمير المرافق الحيوية وإخراجها عن الخدمة كالأفران والمشافي ومقرات الدفاع المدني.
بقاء المضطر
على جانب الطريق الدولي توقف سعد الأحمد لتبديل إطار سيارته المثقوب بشظية قذيفة سقطت على سطح منزله بقرية التح جنوبي إدلب، أخبرنا الرجل الخمسيني أنه نجى مع عائلته قبل ساعات من موت محقق بعد سقوط عشرات الصواريخ والقذائف على قريته.
مسح الغبار الأبيض عن وجهه وقال بصوت متعب “رفضت فكرة النزوح في البداية على أمل أن يتوقف القصف، ولم نخرج إلا بعد أن سقط فوقنا سقف المنزل، لا تناسبني الحياة في المخيمات لكن تبقى أفضل من أن أرى أطفالي أشلاء”.
وترى آلاء قطيني -الممرضة في مستوصف السلام بخان شيخون- أن النظام يسعى أكثر من أي وقت مضى لإفراغ المدن الكبرى مثل معرة النعمان وسراقب وكفر نبل وخان شيخون من السكان، مشيرة إلى أن شدة القصف وتوسع دائرته أدى لتوقف معظم النقاط الطبية جنوبي إدلب عن استقبال الجرحى، ويجري تحويلهم إلى مستشفيات تقع في مناطق آمنة.
ووفقا للإعلامي في منظمة الخوذ البيضاء خالد خطيب، فإن اثنين من المسعفين التابعين للدفاع المدني قتلا وأصيب آخرون بقصف جوي مزدوج أثناء إسعاف جرحى مدنيين في بلدتي المنطار ومورك خلال اليومين الماضيين، لافتا إلى أن عددا من مراكز الدفاع المدني خرجت عن الخدمة بشكل كامل، عقب استهداف جوي مباشر من قبل سلاح الجو السوري.
عمليات للمعارضة
من جانبه، كشف أبو يوسف -وهو قائد ميداني في هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا)- عن عمليات عسكرية وصفها بالنوعية تشنها المعارضة المسلحة على مواقع قوات النظام في ريف حماة تعتمد عنصر المباغتة، كرد على خروق وقف إطلاق النار، مشيرا إلى أن روسيا تسعى للسيطرة على المنطقة الجنوبية من إدلب وتهجير الآلاف إلى الشمال.
وأضاف أن المعارضة قادرة على مواجهة أي تحرك عسكري بري تقوده روسيا وإيران للتقدم في محافظة إدلب، شرط أن تتوحد الفصائل جميعها في غرفة عمليات مركزية.
ويرى الصحفي منهل باريش أن تصعيد القصف في إدلب يعكس مدى الخلاف بين موسكو وأنقرة، بسبب عدم تنفيذ جميع مقررات مؤتمر سوتشي، خاصة البنود المتعلقة بفتح الطرق الدولية، حلب-دمشق وحلب-حماة، التي كان من المقرر أن تفتح قبل حلول 2019 بحسب ما نصت عليه وثيقة التفاهم بين الأطراف الضامنة.
ورجّح باريش -في حديث للجزيرة نت- أن يستمر التسخين في منطقة خفض التصعيد الرابعة إلى أن تنهي تركيا حل ملف التنظيمات الراديكالية الذي يعتبر أولوية لا تقبل التأجيل بالنسبة لموسكو، وهو ما سيمهد الطريق الآمن لتسيير دوريات روسية تركية مشتركة في المنطقة منزوعة السلاح في عمق سيطرة المعارضة المسلحة بمحافظة إدلب.
وقالت مصادر طبية في إدلب للجزيرة نت إن أكثر من خمسين شخصا على الأقل قتلوا وأصيب العشرات منذ بدء حملة القصف التي تشنها قوات النظام على مناطق جنوبي إدلب.
كما تسبب القصف الجوي والمدفعي والصاروخي بدمار واسع بالمنازل والمشافي ودور العبادة، وخلّف كذلك موجة نزوح جماعية لعشرات الآلاف من الأهالي باتجاه المخيمات على الشريط الحدودي مع تركيا، وسط ظروف إنسانية قاسية وقلة في المساعدات.
المصدر : الجزيرة