في السادس والسابع من آذار/ مارس الحالي، وبمشاركة برهم صالح رئيس جمهورية العراق وحضور 400 شخصية سياسية واقتصادية رفيعة من داخل العراق وخارجه، انطلقت فعاليات ملتقى السليمانية السادس، تحت شعار «العراق ودول الجوار، نحو نظام اقليمي جديد»، بمشاركة العديد من الشخصيات العالمية والعراقية، الذي نظمه مركز البحوث الاقليمية والدولية بالجامعة الامريكية في السليمانية. ويعتبر ملتقى السليمانية فرصة مهمة لتبادل وجهات النظر وتلاقح الافكار من خلال المشاركة في الندوات الحوارية التي حضرها كبار الشخصيات المحلية والدولية المتخصصة بالمجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وتكمن أهميته الشخصيات المشاركة فيه من قادة وزعماء دول عربية وإقليمية وعراقية بالإضافة إلى ممثل رئيس هيئة الأمم المتحدة وممثل عن رئاسة الاتحاد الاوربي ورؤساء مراكز دراسات بحثية دولية وإقليمية وعربية وعراقية.
وتضمن الملتقى جلسات حوارية شارك بها رئيس جمهورية العراق برهم صالح،ففي كلمته التي ألقاها خلال افتتاح اعمال الملتقى، أكد الرئيس، أن العراق قدم تحضيات كبيرة للقضاء على تنظيم داعش الارهابي، وهناك تفاؤل كبير بتحسن الاوضاع فيه.واضاف ، ان النصر على تنظيم داعش الارهابي نصر ميداني وتم القضاء على الخلافة المزعومة وتحرير الساحة العراقية من التواجد العسكري للارهابيين، لافتا الا انه يجب الا نستخف ببقايا الارهاب، لانه لم يتم استئصال داعش بشكل نهائي وهناك بقايا منتشرة على الحدود العراقية السورية، وربما تسنح لهم الفرصة لاعادة تنظيم صفوفهم.واضاف رئيس الجمهورية ان القضاء على دعش يتم باستمرار الجهد الاستخباراتي وترتيب الاوضاع السياسية وخاصة في المناطق المحررة وتمكين اهلنا في تلك المناطق من العودة الى ديارهم واعادة الاعمار بالاضافة، مبيناً «ان العراق كان في مقدمة الحرب ضد الارهابيين، وقدم تضحيات كبيرة في سببل القضاء على مخاطر الارهاب بقواته العسكرية من الجيش والبيشمركة والحشد الشعبي، بدعم ومساندة من التحالف الدولي». وتابع برهم صالح، ان العراق يمر بظروف عصيبة، ومن حق اهلنا في المناطق المحررة انتقاد عمل الحكومة، والحكومة ورئيس الوزراء مصر على اعادة اعمار المناطق المحررة وتقديم افضل الخدمات للمواطنين هناك.
وحول الجهود المبذولة لمكافحة الفساد، قال صالح ان الفساد في العراق وبعض الدول مشكلة كبيرة تعرقل عملية بناء الدولة وسيادة القانون والوئام الاجتماعي، واذا لم نتمكن من انهاء الفساد فلن نتمكن من القضاء على دوامة العنف في العراق. وأن الفساد تحول الى ما يشبه الدولة العميقة، وهو الاقتصاد السياسي للعنف، ومعرقل لبناء الدولة. وحول التواج الامريكي في العراق، قال رئيس الجمهورية برهم صالح، ان القوات الامريكية الموجودة في العراق موجودة بالاتفاق مع الحكومة الاتحادية وهي لاغراض التدريب والاستشارة في الحرب ضد الارهاب،وانه لاتوجد هناك قوات قتالية وحربية والقوات الموجودة هي لمحاربة الارهاب فقط واي غرض اخر هو مرفوض من قبل الحكومة العراقية.وفيما يتعلق بالسياسة الامريكية تجاه ايران والتوترات الاقليمية، قال صالح «نحن نعمل على تخفيف التوترات ولانريد من العراق ان يكون طرفا في هذه السجالات». ولفت صالح، إلى أن “ثقة متنامية تولدت لدى الشعب بعد حرب داعش، وادركوا ان النجاح ضروري وممكن، فالمواطن الشيعي بدأ ينتقد القيادات الشيعية من خلال محافظات الجنوب منها البصرة والمواطن السني في الموصل والانبار بدأ بانتقاد القيادات السنية، المواطن الكردي بدا كذلك في السليمانية فهم يشتركون في التطلع الى توفير الخدمات عبر حكومة جيدة تقدم الخدمات لمواطنيها”.
وفيما يتعلق بالاقتصاد وفرص العمل، أشار صالح، إلى أن “العراق يملك 38 مليون نسمة، ويشكل الشباب منه نحو 70% من نفوسه اي هم دون الـ30 عاماً”، مستطرداً بالقول “هناك بطالة خطيرة تتطلب تحدياً كبيراً في توفير فرص العمل خصوصاً وان العراق يملك الموارد الكبيرة والموقع الجغرافي، فضلاً عن انه البلاد مقبلة على تحولات اقتصادية كبيرة، وان خلق فرص العمل لا يتحقق بين ليلة وضحاها”.وبخصوص الوضع السياسي الدولي في المنطقة شدد صالح، على “اهمية الحوار بين الفرقاء لحل الخلافات السياسية”، ماضياً بالقول إن “الخلافات موجود بين ايران ودول الخليج وتركيا، ويجب على الجميع ان يشترك بعدم السماح بانهيار العراق”. واختتم قوله، ان “الوضع في سوريا ما زال السجال مستمر فيه ولا خيار لهم الا بالحل السياسي والحوار، وما حدث فيها كان كارثة كبيرة، صرفت عليها مليارات الدولارات بوضع عبثي وانتهت باسوء مما بدأت به التنازع والعراق معني بما يجري في سوريا”.
أما عن كلمات الشخصيات السياسية في الملتقى سنتناولها بشيء من التفصيل. قال رئيس تحالف الاصلاح والاعمار في العراق السيد عمار الحكيم، أن العراق يجدد الدعوة للحوار مع تركيا وايران ومصر وسوريا والسعودية، مؤكداً ايجاد قوة عسكرية اجنبية لمراقبة دولة جارة يعتبر امر يرفضه الدستور وجميع القوى السياسية. ونوه إلى “أن واحدة من أهم المتغيرات في العراق الجديد هو التفهم الاقليمي للشأن العراقي وهناك دول متصارعة اقليميا لكنها حريصة على ايجاد علاقات جيدة معه.
وأكد السيد الحكيم، أن العراق له دور محوري واساسي كونه في قلب الامم الاربعة الفارسية والعربية والتركية والكردية، واستقراره يعني استقرار المنطقة، مضيفاً “يجب ان يكون للعراق دولة مستقلة في قرارها ومؤثرة في المنطقة، نجدد الدعوة للحوار بين العراق وتركيا وايران ومصر وسوريا والسعودية “.وأضاف، “كل التحديات في البلد تمثل اولوية لدى تحالف الاصلاح من اجل ايجاد حلول لجميع المشاكل”، مؤكداً أنه ” يجب ان تكون المنظومة الامنية موحدة خاضعة لقرار مركزي تحت امرة القيادة العامة للقوات المسلحة”.وأشار السيد الحكيم، إلى “أن انجاز استكمال الحكومة سيكون في غضون اسابيع من الفصل التشريعي المقبل، قائلا، “إن القوى السياسية التقليدية كانت غير قادرة على تلبية تطلعات الجيل الشبابي الجديد، وشكلنا تيار شبابي من اجل ان نخطو خطوات استراتيجية”.وأكد “أن العراق انفتح على دول العالم والاقليم وتفاعلت معه في الحرب ضد الارهاب”، لافتاً إلى أنه “بإمكان العراق ان يكون حمامة السلام في المنطقة ويجمع المختلفين والمتخاصمين”.وأضاف السيد الحكيم، كل القوى السياسية متفقة على ان حاجة العراق الى التحالف الدولي تحدده الحكومة العراقية، مؤكدا ان ايجاد قوة عسكرية اجنبية لمراقبة دولة جارة هذا امر يرفضه الدستور وجميع القوى السياسية.
أما زعيم ائتلاف الوطنية اياد علاوي، الذي شارك الى جانب رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة وامين عام الجامعة العربية السابق عمر موسى في ندوة حوارية، أكد على ضرورة اجراء المحادثات بين جميع الاطراف السياسية لحل المشاكل. وقال علاوي، من الضروري اجراء محادثات بين جميع الاطراف السياسية لحل المشاكل والمسائل، مشيرا الى ان تنظيم داعش الارهابي هزم عسكريا، الا ان فكر التنظيم ما زال موجودا ولم يتم القضاء عليه بعد. بدوره قال رئيس الوزراء اللبناني السابق فؤاد السنيورة ان العراق غني بموقعه ودوره وثرواته، ما يمنحه الحق في ان يكون له دور اقليمي رائد بالتعاون مع اشقائه في المنطقة. واضاف ان عدم قدرة العراق على لعب دوره المرجو، جاء نتيجة للمشاكل الداخلية والتدخلات الخارجية والارهاب الذي ضرب العراق والمنطقة، منعه بالتقدم باتجاه بناء الدولة الوطنية التي تحتوي مكوناتها ويستاوى الجميع فيها بالحقوق والواجبات، واحترام الدولة ضد من يحاول ان ينتهك سيادتها واكتساب ثقة المواطنين بالحياد بين جميع المكونات والمساواة فيما بينهم.واشار السنيورة الى ان الفساد ليس كامنا بمن يقبض رشوة او يتربح، وانما الفساد هو فساد سياسي تغذيه المحاصصة وتسخير الاجهزة الحكومية لصالح فئات على حساب فئات اخرى من المواطنين.
من جانبه قال امين عام الجامعة العربية السابق عمر موسى ان العراق دولة مهمة في المنطقة والعالم وانه لم يفقد الثقة ابدا بعودة العراق للعب دوره الريادي التاريخي في المنطقة.وبينما اشار موسى الى عدم قدرة اية جهة او طرف دولي على مصادره قرار العراق ودوره الريادي والسياسي ووضعه في خانة ما على حساب اية جهة كانت، اكد انه لايمكن الحديث عن العالم العربي والمنطقة دون الاشارة الى اهمية اقليم كردستان.وقال موسى» انه لابد لنا ونحن في القرن الحادي والعشرين ان نقر بضرورة وجود ترتيب جديد للتعايش المشترك في المنطقة، وتحديدا في العراق باعتباره احد الاعمدة الرئيسية للمنطقة والشرق الاوسط. أما رئيس الجمهورية لبنان الأسبق أمين الجميل، فقد لفت إلى أنّ “ما يعاني منه العراق، يعاني منه لبنان ودول عدّة، ونحن نعتبر العراق بيتنا، وأنا اختبرت ذلك خلال زياراتي إلى العراق”.وشدّد في كلمة له خلال ملتقى السليمانية السادس، تحت شعار “العراق ودول الجوار نحو نظام إقليمي جديد”، على “وجوب أن يكون التنوّع خلّاقًا وبناءً”، مؤكّدًا أنّ “قضية النأي بالنفس مهمّة جدًّا، ويجب استخدام العلاقات الخارجية بشكل إيجابي، وتثميره باتجاه علاقات خارجية أفضل”.وركّز الجميل على أنّ “الحوكمة الرشيدة، هي أساس لبناء الوطن والمواطن، ولا نموّ وتطوّرًا من دونها، وهي شرط أساسي لنمو البلد واستقلاله”. وأوضح “أنّنا شعرنا أنّ هناك نقلة نوعية في العراق مؤخّرًا لتحقيق هذه الأهداف، وبقدر ما العراق استقرّ وعاد إلى دوره الطبيعي، بقدر ما المنطقة العربية استقرّت”.وبيّن “أنّنا بحاجة إلى عراق موحّد وقوي ومتعافى”.
فمنذ اختيار برهم صالح رئيسًا لجمهورية العراق في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الفائت، وانتهاجه سلوك سياسي منفتح على الداخل والخارج العراقي، حيث منح لمنصب رئيس جمهورية العراق حيوية ملفتة كانت غائبة تمامًا مع رؤساء العراق السابقين. فقد استطاع برهم صالح بما له من وزن عربي وإقليمي ودولي أن يجمع في ملتقى السليمانية السادس شخصيات سياسية عربية وإقليمية ودولية تتناقض مصالحها في الشرق الأوسط، وهذا الأمر نابع من قناعاته السياسية التي يؤمن بها وهي: أن العراق يسعى الى بناء أفضل العلاقات مع عمقه العربي والخليجي والإقليمي والدولي، والتعاون مع اشقائه في إرساء قواعد حسن الجوار والتكامل الاقتصادي والنهوض الثقافي المشترك، كما تجمع بين العراق والجمهورية الاسلامية الايرانية روابط علاقات متينة، نطمح الى تنميتها وتقوية أسسها لتكون بدورها مثالاً للتعاون من أجل نماء واستقرار المنطقة، وان علاقات متميزة تربط العراق بتركيا تحمل بدورها آفاقاً مفتوحة للتطور، وهذا ما يعزّز فرص سلام ناجز تستحقه المنطقة وشعوبها. إنه سلام لن يظلّ مجردَ وعدٍ لعموم المنطقة، إذا ما تحقق الاستقرار الأمني التام في العراق الديموقراطي الاتحادي، وفي سورية، بتفاهم وطني مخلص بين الأشقاء السوريين، وبما يصون سلام سورية وأمن شعبها، وفي اليمن، بما ينهي معاناة شعبها ويرسي عوامل سلامها وحقوق مواطنيها.
“إنني أعدكم بحماية وحدة العراق وسلامته”. هذا ما أعلن عنه برهم صالح عند أداؤه لليمين الدستوري رئيسًا لجمهورية العراق. في حينها استقبلت الطبقة السياسية العراقية والجماعة الدولية خبر انتخاب مجلس النواب العراقي برهم صالح رئيسًا لجمهورية العراق بالترحيب الكبير، فقد كانت بداية واعدة -وهي كذلك- لرئيس قادم من الطبقة التكنوقراطية يستند على نهج تصالحي. فما يُميز الرئيس الحالي للعراق عن باقي الشخصيات السياسية في العراق صراحته ووضوح موقفه. فقد تأثر برهم صالح بالمفاهيم الديمقراطية وقواعدها في الدول الغربية ونهل من تجربتها وآمن بأهدافها النبيلة محاولا أن ينقل تلك المفاهيم إلى العراق بعد عام 2003م إلا إن نظام المحاصصة الطائفية والعرقية حالت دون ذلك. في جميع محطاته السياسية كان -ولايزال- برهم صالح في نظر الجميع ذلك السياسي الأكثر انفتاحاً وعقلانية، والأكثر تحررًا وترفّعًا عن المشاحنات الجزئية، والأكثر قدرة على التواصل مع جميع المتخاصمين، المتسامي على التناحرات الطائفية والقومية في بلده العراق. والأهم، في نظره هو، أنه الأكثر قبولاً وحظوة لدى الدوائر السياسية ومراكز القرار العالمي، الأميركي والأوروبي.
أن حضور برهم صالح رئيس جمهورية العراق ملتقى السليمانية السادس ومشاركته الفعاله به، ما هو إلا تأكيد على حرصه على مستقبل العراق المبتلى بالأزمات والفواجع، فالرئيس مع علاقات حسن جوار مع إيران وتركيا، والجوار والعمق العربي، ويرى ضرورة عدم تكرار مآسي الماضي والانجرار نحو متاهات الشعارات الزائفة ويرفض أن يكون العراق ساحة تصفية حسابات الآخرين، ويرى أن مصلحة العراق وإقليم كردستان تكمن في علاقات متوازنة مع الجيران. فالعراق وفقٌا لرؤيته الثاقبة أحوج إلى تفاهم داخلي جدي وتوافق إقليمي لاستئصال هذا الورم الخبيث المتمثل بداعش وأخواتها، وهذا يتطلب حلا جذريا لمشكلات العراق الذي ينتقل من أزمة إلى أزمة أخطر. فالمرء أمام رئيس عراقي استثنائي.
وحدة الدراسات العراقية
مركزالروابط للبحوث والدراسات الإستراتيجية