ترشيد استخدام الثروة النفطية في الخليج العربي: إنجازات وتحديات

ترشيد استخدام الثروة النفطية في الخليج العربي: إنجازات وتحديات

hhhhhh-page-001

الملخص التنفيذي عن تقرير المعهد الملكي للشؤون الدولية (تشاتام هاوس)

يؤدي الهدر المنتظم للموارد الطبيعية في منطقة الخليج العربي إلى تقويض قدرة اقتصاداتها على مجابهة الصدمات الاقتصادية، ويزيد المخاطر الامنية. فكميات الطاقة الاولية التي تستهلكها دول مجلس التعاون الخليجي الست تفوق إجمالي ما تستهلكه القارة الافريقية بأكملها، والتي يفوق تعداد سكانها بعشرين مرة عدد سكان هذه الدول الست. يضاف إلى ذلك أن نسبة 100%  تقريباً من الطاقة المستهلكة في هذه البلدان ينتج من النفط والغاز، بدون اتخاذ الخطوات اللازمة للحد من انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون. وإذا ظلت معدلات زيادة الطلب على الوقود في المنطقة عند المستوى نفسه الذي سجلته على مدار العقد الماضي، فإن هذا الطلب سوف يتضاعف بحلول عام 2024 . ويعد هذا الاحتمال غير مرغوب بالمرة، سواء من منظور اعتبارات الامن الوطني لكل دولة من دول المنطقة على حدة، أو بالنسبة للبيئة العالمية. يضاف إلى كل ما تقدم الفجوة الكبيرة القائمة بين كميات الطاقة المستهلكة، والمخرجات الاقتصادية المنتجة منها، حيث تعد كثافة الطاقة، والتي تقاس بعدد وحدات الطاقة لكل وحدة من الناتج المحلي الاجمالي، مرتفعة في المنطقة، وتزداد ارتفاعاً بسبب النقص الهيكلي في كفاءة استغلال الطاقة، وذلك على النقيض من التوجه السائد في المناطق الصناعية الاخرى حول العالم.

وهذا الوضع يهدد الاستدامة على عدة مستويات، وتتفاقم عواقبه بسبب استنزاف المياه الجوفية والاعتماد المتزايد على تحلية المياه باستعمال الطاقة المستمدة من النفط والغاز. بين عامي 2011 و2013، عمل المعهد الملكي للشؤون الدولية تشاتام هاوس مع عدة مؤسسات شريكة وهيئات صناعة السياسات والخبراء التقنيين في السياسات والخبراء التقنيين في المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة وسلطنة عمان وقطر والكويت، بغرض تدعيم الاستراتيجيات العملية الرامية إلى الحد من كثافة استهالك الطاقة.

ويستند هذا التقرير إلى خالصة المناقشات التي جرت في إطار 6 ورش عمل ضمت ممثلين عن أكثر من 60 مؤسسة وهيئة خليجية معنية بشؤون الطاقة في بلدانها ، وهو سباق في تقديم توصيات عملية لمعالجة التحديات الرئيسية المتمثلة في الحوكمة والدعم السياسي المؤكد وحوافز السوق من منظور يغطي منطقة مجلس التعاون الخليجي بأكملها. ويتضح التقدم الملحوظ الذي تم تحقيقه في المنطقة إذا نظرنا إلى أهداف الطاقة النظيفة واستراتيجيات الكفاءة، التي ظهرت في مختلف بلدانها المنطقة منذ عام 2009.

وكانت الحكومات الخليجية، إقراراً منها بالمخاطر التي تجلبها المنظومة الراهنة والفرص التي تنطوي عليها الامكانات الاقتصادية المتوفرة في القطاعات الاقتصادية الجديدة، قد قامت بالتوسع الكبير في الخطط التي تؤكد على ضرورة التحول إلى “الطاقة المستدامة.” وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، يعد تأمين قدرتها المستقبلية على تصدير الهيدروكربونات أولوية مهمة، وتشترك جميع حكومات المنطقة في أنها مدفوعة بضرورة البقاء في طليعة صناعة الطاقة، تواكبها ضرورة الاستعداد لمجابهة الضغوطات المتعددة على مواردها والتقلبات في األسعار. يضاف إلى ذلك أن تضخم تكاليف الدعم، واستيراد الغاز في حالة دولة الامارات العربية المتحدة والكويت، يطرح مبرراً مالياً واضحاً للتدخل الحكومي في السوق سعياً لالرتقاء بكفاءة استهالك الطاقة، إذ تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى أن أعباء دعم أسعار الطاقة التي تتحملها كل حكومات المنطقة تراوحت في عام 2011 ما بين 9% و28% من قيمة إجمالي الايرادات الحكومية، وهي معدالات تتجاوز ما تنفقه على الصحة أو التعليم، وتؤكد على تفويت فرصة الانفاق لتحسين مستويات المعيشة لمن هم في أشد الحاجة إليه.

وضعت دول مجلس التعاون الخليجي كافة خططاً أو أهداف خاصة بالطاقة النظيفة، ولديها عدة أمثلة الفتة على اتخاذ خطوات ملموسة باتجاه حفظ الطاقة، منها خطة المملكة العربية السعودية الشاملة الجديدة لتحقيق كفاءة الطاقة، وخطة التبريد الشاملة

ابوظبي، وتحقيق تكامل استراتيجية الطاقة في دبي، والابتكار في معايير المباني الخضراء في دولة الامارات العربية المتحدة وقطر، وجهود سلطنة عمان ودبي نحو تسعير إمدادات المرافق العامة بما يعكس تكلفتها الفعلية. يضاف إلى كل ذلك ظهور استراتيجيات التنمية الشاملة تهدف إلى إيجاد “مسار تجاه انخفاض الكربون” أو “النمو الاخضر” في قطر والامارات العربية المتحدة، ولكن فعالية هذه الخطط في جميع الدول المعنية تظل أمراً غير محسوم، وذلك في المقام الاول بسبب التحديات في مجال الحوكمة، وغياب حوافز السوق، والدعم السياسي غير المؤكد.

وفي حين تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي ككل ميزة تتفوق بها على العديد من البلدان الاخرى، وهي قدرتها على تمويل جهود كفاءة الطاقة وإدخال الطاقة المتجددة، وما يلزم لهما من بنية تحتية وتكنولوجيا الاتصالات، فإن تحقيق ذلك يستدعي إجراء تحوالت كبيرة في طرق تدخل الحكومات في قطاع الطاقة وتنظيمه. دول مجلس التعاون الخليجي في وضع يمكنها من الاستفادة من تجارب الدول الاخرى، ولكن خصائصها الفريدة، المتمثلة في المناخ والاقتصاد السياسي والارث الاداري، تتطلب توخي العناية في تصميم هيكل الحوكمة في هذا القطاع.

ومن أهم التحديات المحورية في هذا الاتجاه أن صالحيات تنظيم قطاع الطاقة مجزأة بين عدة جهات في جميع دول مجلس التعاون الخليجي، فالمسؤوليات والقدرة على اتخاذ التدابير الفعالة داخل القطاع تتوزع على عدة وزارات وهيئات إقليمية متنوعة. وقد بدأت القيادات الحكومية بتفويض بعض سلطاتها إلى مؤسسات جديدة أو قائمة لاجراء الدراسات، ووضع الخطط اللازمة للقطاع. ويمكن القول إن التنسيق في جانب إمدادات الكهرباء قد أحرز تقدماً أفضل، علماً بأنه كثيراً ما كان مدفوعاً بوقع أزمات الكهرباء.

فقد أسست أبوظبي والمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان ودبي هيئات تنظيمية مستقلة لقطاع الكهرباء، تولت الدور الابرز حشد الجهود تجاه الارتقاء بمستويات الحفاظ على الطاقة. وكذلك سعت الترتيبات الجديدة في مجال حوكمة القطاع أيضاً، إلى التغلب على المعوقات التي تعيق العمل في القطاع.

وتعد المملكة العربية السعودية رائدة في تأسيس هيئة تنسيقية لكفاءة الطاقة، وهيئة مختصة بوضع السياسات في مجال الطاقة المتجددة والذرية، ذلك بينما طورت قطر التنسيق بين الوزارات بشأن سياسة المناخ على أرفع المستويات، وكانت دبي أول حكومة تنشئ هيئة مختصة بتحقيق التكامل في سياسات الطاقة.

ويعد توفير الطاقة عبر تحقيق الكفاءة مطلباً عاجلاً وعملياً، كما أنه سيفتح الباب أمام نشر استخدام الطاقة المتجددة. ولا شك أن تنفيذ الاستراتيجيات الطموحة في مجال النمو الاخضر والطاقة النظيفة سوف يستغرق وقتاً طويلاً، وفي غضون ذلك، سيبقى معدل استخدام الكهرباء والمياه تحدياً من الواجب معالجته كأولوية مهمة في مختلف بلدان المنطقة. وفي الواقع، يعد ترشيد الطلب على الكهرباء والماء أمراً حيوياً من أجل تحقيق إمكانات دول مجلس التعاون الخليجي الهائلة في مجال الطاقة المتجددة.

ومن دون هذا الترشيد، سيؤدي نمو الطلب المتوقع على الكهرباء بمعدل يفوق 7% سنوياً إلى إلغاء المكاسب المترتبة على نشر استخدام الطاقة الشمسية خلال العقد المقبل.

لترشيد الطلب منافع هائلة، إذ تظهر حساباتنا أن إدخال الطاقة النظيفة المخطط لها في المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع التدابير السياسية الرامية إلى تحقيق كفاءة الطاقة، يمكن أن يكبح نمو الطلب على النفط والغاز من مستوى التوقعات

المحافظة الراهنة، والتي تبلغ 4%، إلى مستوى 2.8% سنوياً في المتوسط من اآلن حتى عام 2025، وهذا من شأنه أن يحقق وفورات قدرها ما بين 1.5 مليون و2 مليون برميل مكافئ نفطي يومياً، وهي كمية تناهز تقريباً الكمية التي تحتاجها المملكة  للحفاظ على قدرتها الاحتياطية على إنتاج النفط الخام، والتي تعد ضرورة حرجة للغاية ألسواق النفط العالمية.

تمثل التعديلات على نظم البناء الوطنية ومعايير أجهزة تكييف الهواء، أكبر المجالات المتاحة لتحقيق الوفورات في استهلاك الكهرباء. وتفيد البرامج التجريبية والممارسة العملية بإمكانية تحقيق وفورات تصل إلى 60% من الطلب على الطاقة من إدخال التعديلات على المباني القائمة، وبنسبة 70% في المباني الجديدة، مقارنة بمستويات الطلب المتوسط الحالية. يضاف إلى ذلك ضرورة الاهتمام العاجل بتخطيط شبكات النقل والمواصلات، ومعالجة “التسرب” في دعم الوقود من جراء التهريب عبر الحدود.

إن نجاح دول مجلس التعاون الخليجي أو فشلها في تحقيق أهداف الطاقة المستدامة ستترتب عليه آثار عالمية، إذ لن يؤثر فقط على اقتصاد، وبالتالي السياسة، في هذه الدول، بل ستمتد عواقبه لتشمل توفر النفط والغاز للتصدير، ومكانة دول مجلس التعاون الخليجي في المفاوضات الدولية المعنية بتغير المناخ، كما يمكن أن يؤثر على سياسات بلدان أخرى في المنطقة أو البلدان التي لديها موارد وظروف مناخية مشابهة. على سبيل المثال، أكدت الوكالة الدولية للطاقة في أحدث تقرير لها على الارتفاع الكبير في الطلب على تكييف الهواء، الذي سيحدث في جميع أنحاء أفريقيا ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، بمواكبة الارتفاعات المتوقعة في كل من الدخل ودرجات حرارة المناخ.

وفي منطقة الخليج، حيث كثيراً ما تستهلك معدات تكييف الهواء ضعف معدلات الطاقة المستهلكة في الاجهزة الكهربائية التي تستخدم أفضل التكنولوجيات المتاحة، سوف يفضي اعتماد معايير وابتكارات كفاءة الطاقة إلى نتائج مهمة لبقية العالم.  بالمثل، فإن العديد من البلدان تصارع تحديات تسعير الطاقة والمياه بكفاءة، أو إيجاد أسواق للطاقة المتجددة، وخدمات الطاقة بينما أسعار الوقود الاحفوري لا تعكس التكلفة الفعلية.

وإذا تم التغلب على هذه التحديات في بلدان يعادل فيها سعر ملء خزان البنزين ثمن فنجانين من القهوة، وتتدنى فيها فواتير الكهرباء إلى مستويات بخسة، فإن هذا النجاح سيكون قدوة تحتذى حول العالم.

ونظراً لتطلعاتها المشتركة، وكذلك تقاسمها ظروف المناخ والطاقة والسوق المتشابهة، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تحقيق المزيد من خلال التعاون المتبادل بينها: فمن شأن التناسق والدعم على المستوى الاقليمي أن يسهل عملية تطبيق المعايير اللازمة على المباني والسيارات والاجهزة الكهربائية، فضلاً عن إدخال اصلاحات على أسعار الوقود، حيث يمكن لهذه التدابير أن تمنع التجارة العابرة الحدود من تقويض أنظمة الكفاءة الوطنية، كما يمكنها الاستفادة من وفورات الحجم في خفض تكاليف المنشورات، وغيرها من المواد التعليمية المطلوبة وتعزيز بناء القدرات.

يضاف إلى كل ذلك توفر إمكانات غنية للتعاون بشأن أفضل سبل إدخال مصادر الطاقة والتكنولوجيات الجديدة إلى المنطقة، لا سيما في ظل اشتراكها في الظروف المناخية، وتحديات سوق العمل، والتنمية الحضرية والصناعية السريعة المتوقع تحقيقها في جميع دول مجلس التعاون الخليجي على مدى العقد المقبل، ناهيك عن الاستفادة من التعاون في مجال الطاقة كمنصة تسهم في تعزيز مسيرة التكامل اإلقليمي بين هذه الدول والارتقاء بمكانتها وتأثيرها على المسرح الدولي، إذ أن تنسيق المبادرات والاهداف الحالية والموسعة، سيضع بين أيدي بلدان مجلس  التعاون الخليجي سلاحاً مؤثراً يتجاوز قدرة كل بلد منها على التأثير مفردها، ويتمثل في اعتماد أهداف مشتركة لتخفيض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

  التوصيات

فيما يلي التوصيات الرئيسية للتعاون على المستوى الاقليمي أو بين دول مجلس التعاون الخليجي:

إنشاء مصدر موارد موحد للقائمين على التخطيط بكل دولة

  • مطالبة كل دولة بتقديم استراتيجية تفصيلية للطاقة المستدامة إلى أمانة مجلس التعاون الخليجي لتمكين إعداد نهج إقليمي مناسب.
  • توفير بيانات الطاقة لكل دولة في موقع إنترنت موحد مفتوح للجميع، ويمكن إدارة الموقع بواسطة طاقم مختص يستمد أعضاؤه من جميع دول المجلس ويتبع أمانة المجلس.
  • المشاركة في الدراسات والمنهجيات التي تحدد إجمالي الطاقة المستخدمة في دورة المياه الكاملة، وتكاليف موارد الطاقة، وأعباء هدر الطاقة المترتبة على كاهل الاقتصاد والبيئة وصحة الانسان.
  • المشاركة في تفاصيل نماذج التحليلات المالية التي تسمح بنشر الطاقة المتجددة، بأسلوب مجدي تجارياً في ظل ظروف تدني أسعار الوقود الراهنة وضع معايير مشتركة ودعم إنفاذها الفعال
  • إعداد وتطبيق معايير مشتركة لكفاءة األجهزة الكهربائية، مع الاولوية لاجهزة تكييف الهواء.
  • وضع متوسط مشترك لكفاءة وقود السيارات، مع الارتقاء به تدريجياً.
  • إنشاء نظام موحد للبناء ومعايير مشتركة لمواد البناء بما يحقق نقلات نوعية في كفاءة استخدام الطاقة والمياه.
  • إنشاء برنامج يضع بشكل متواصل المعايير القياسية المقارنة للكفاءة الصناعية في قطاع الصناعات كثيفة الطاقة في المنطقة.
  • تنظيم برامج تدريب مشتركة في مجال تنظيم وتنفيذ خدمات الطاقة.

     وضع آليات السعر والبنية التحتية بهدف التغلب على حواجز التجارة العابرة للحدود     

  • ضمان أن شبكة الكهرباء على مستوى دول المجلس، تتمتع بالمرونة اللازمة لتمكين تبادل الكهرباء بين البلدان، وربما بين الاقاليم.
  • تقييم إمكانية العمل على توحيد أسعار الوقود.
  • تطوير الصيغة الالزمة لتحقيق سعر موحد لتداول الطاقة الكهربائية.

   تعزيز التعاون في مجال البحوث والتنمية والتخطيط الفني بهدف الاسراع في  بناء القدرات الوطنية

  • مضاعفة الجهود المشتركة الرامية إلى تطوير وتجريب وتقييم، أساليب تحلية المياه منخفضة الكربون.
  • وضع مقاربات مشتركة للنمذجة التحليلية، والتخطيط في مجال الطاقة.

غاليدا الن – بول ستيفنز – فيليكس بريستون

 ترجمة

http://www.chathamhouse.org/sites/files/chathamhouse/field/field_document/20130800SavingOilGasArabic.pdf