المخبر في مصر.. عصفور يستدرجك إلى القفص

المخبر في مصر.. عصفور يستدرجك إلى القفص

“عشان خاطر لك معزّة خاصة عيّناك معانا مخبر.. عايز كام في الشهر يا عصفور عشان تخدم بلدك”، جملة في مسلسل مصري عرض بعد الانقلاب العسكري بأيام، ضمن حوار بين أحد القيادات الأمنية ومواطن، أصبح فيما بعد أبرز المشاهد المتداولة بشكل ساخر للتعبير عن واقع تجنيد مواطنين لصالح النظام.

ورغم أن دور “المخبر” لم يكن حاضرا في المسلسل، فإن المشهد أظهر أسلوبا ساخرا ومؤلما لكيفية تجنيد المخبرين (وهو لفظ يطلق على عيون السلطة، سواء كانوا من الشرطة السرية أو المواطنين المتعاونين)، وما تضمنه من إرهاب في التفاوض على المقابل وعزف على نغمة الوطنية وترديد لشعارات الولاء والانتماء.

وقد أدت هذه العوامل إلى اشتهار المشهد بشكل مستقل، مما جعله يحضر بشكل دائم في سياقات تناول أسلوب تجنيد “العصافير”، وهو وصف يطلقه بعض المصريين أيضا على المخبرين.

مشهد “عصفور” هو واحد من عشرات المشاهد التي تناولت شخصية المخبر في السينما والدراما المصرية عبر تاريخها الطويل، والتي تنوعت بين السخرية والنقد في بعض الأحيان، والمديح وادعاء المثالية في البعض الآخر، كما أنها تطورت بتطور دور المخبر وحضوره في حياة المصريين.

وبينما لا يرى المواطن المصري أحمد سعودي أثرا كبيرا في هذه المرحلة لنمط المخبر النظامي الذي يعمل بشكل رسمي لدى أجهزة الأمن، فإنه يبدي سخطه من عمل مواطنين ومدنيين لصالح الأمن عبر الوشاية بجيرانهم وزملائهم في العمل، طمعا في منفعة مادية أو معنوية، وهم الفئة التي بات يطلق عليها “المواطنون الشرفاء”، وهو وصف يطلقه أتباع السلطة بجدية بينما يقصد به المعارضون التندر والسخرية.

وفي حديث للجزيرة نت، يرى سعودي الذي يعمل تاجرا أن الخطاب الإعلامي للسلطة والاستقطاب الحاد الحاصل في هذه المرحلة وتأجيج الصراع بين الفرقاء السياسيين و”الأعمال الإرهابية المفتعلة”، تحمل مسؤولية ما يراه من تزايد عدد المتعاونين مع الأمن ووجود تصور بأن هذا العمل وطني ومشروع وداعم للاستقرار.

عميل أم وطني؟
وفي المقابل، فإن مواطنا آخر هو حسين أبو سمرة لا يرى أن التعاون مع الدولة وأجهزتها من أنماط التخابر أو الوشاية السلبية، وإنما هو واجب تقتضيه المرحلة من الجميع لصالح الوطن ومستقبله.

لكن أبو سمرة يشترط أن تكون المعلومات المقدمة دقيقة وصحيحة، وتتوفر فيها الأسباب اللازمة لتقديمها للجهات الأمنية، كأن يصدر من الطرف المشكو منه ما يثير الريبة والشك في تصرفاته وأفعاله، على حد قوله.

الصورة النمطية للمخبر التي رسمتها السينما المصرية بمكوناتها المعروفة في مخرجاتها القديمة من معطف وعصا وطاقية وصحيفة يومية بها ثقب يراقب منه ما يجري، يراها الناقد والسيناريست إمام الليثي مرتبطة بفترة الأربعينيات وما تلاها حتى ستينيات القرن الماضي، حيث كان المخبر يعمل رسميا ضمن دوائر الشرطة المصرية.

لكن نظام “العصافير” الذي مر بمراحل مختلفة، بدأ -بحسب حديث إمام للجزيرة نت- بعد انقلاب الضباط الأحرار الذي حمل رسميا اسم ثورة يوليو عام 1952، من خلال التنظيم الطليعي الذي تمدد بعناصره داخل كل الهيئات الحكومية في عهد الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ثم ظهور تنظيمات أخرى في حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك مثل “حورس” و”شباب المستقبل”، كما استفحل دور جهاز أمن الدولة في هذا السياق.

ويشير إلى أنه خلال فعاليات ثورة يناير/كانون الثاني 2011 وبعد مهاجمة مقرات أمن الدولة، وقع الثوار على قوائم لأسماء مخبرين و”عصافير” في مجالات مختلفة، أبرزها الإعلام والفن، وكانت لهم أسماء حركية عرفوا بها فيما بعد كـ”أبو لمونة” و”شخشيخة” وغيرها.

وفي الآونة الأخيرة ومنذ الانقلاب العسكري الذي قاده الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عندما كان وزيرا للدفاع في يوليو/تموز 2013، يرى إمام أن نظام “العصافير” في مصر تمدد بشكل واسع في فضاء الإنترنت، وبات هناك المخبر الإلكتروني الذي تعددت مهامه من الهجوم على المعارضين وقنواتهم وإقامة صفحات مؤيدة ومعارضة للنظام، بغرض التجسس على جميع النشطاء في مواقع التواصل الاجتماعي.

انتشار شامل
بينما يرى الناقد والمنتج الفني أيمن عبد الرازق أن وظيفة “العصفور” باتت منتشرة مؤخرا في جميع قطاعات المجتمع المصري، ومرجع ذلك -بحسب رأيه- تعاظم تأثير دور أصحابها، فلن تعدم نماذج منهم في الأوساط العمالية ومؤسسات الدولة والطلبة وأساتذة الجامعة وحتى الجيش، فضلا عن المناطق السكنية والأحياء.

ويلفت في حديثه للجزيرة نت إلى أن مما طرأ على عملية تجنيد العصافير، قيامها سابقا على السرية التامة باعتبارها مهمة “مشينة” تستجلب العار، لكنها في ظل النظام القائم باتت علنية، حيث يتفاخر من وقع عليه الاختيار لأدائها، كما لم تعد عملية التجنيد حكرا على الأمن بل بات لكل مسؤول عصافيره.

لكنه مع ذلك يرى أن موقف الشارع المصري تجاه هذه الفئة لم يتغير، بل جنح أكثر إلى جانب البغض والرفض وإن لم يظهر ذلك بشكل علني جراء الأوضاع الأمنية، لما لهم من دور رئيسي في تصدر جانب النظام في مواجهة غضب الشارع تجاه فساده وتغوله.

دولة داخل الدولة
تغير الصورة النمطية للمخبر النظامي، مرتبط -بحسب رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام مصطفى خضري- بتدشين معاهد أمناء ومندوبي الشرطة، حيث أصبح رواد هذه المعاهد أفضل حالا ومظهرا من مخبري الأمن القدامى.

وفي حديثه للجزيرة نت، يذهب خضري إلى أن هذه المظاهر كان لها سلبياتها، حيث إنه مع تدني دخول المخبرين الرسمية عملوا على ابتزاز أموال المواطنين، لافتا إلى أن بحوثا ميدانية للمركز المصري خلصت إلى تحول أمناء ومندوبي المباحث (المخبرين) إلى تجار وأصحاب عقارات وشركات جراء هذا الابتزاز.

وبحسب تلك البحوث، فإن المصريين ينظرون إلى هذه الفئة باعتبارها دولة داخل الدولة، فهم الحلقة الفاصلة والواصلة بين النظام الأمني القمعي في مصر وبين المواطنين؛ وبعد الانقلاب العسكري، تحولت هذه الفئة إلى سيف مسلط بيد النظام، لافتا إلى أن مجرد الخصومة مع فرد من هذه الفئة يمكن أن تورد صاحبها المهالك.

المصدر : الجزيرة