سياسة الجولان قد تدفع باليمين الإسرائيلي إلى ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية. ومن شأن ذلك أن ينبئ بكارثة.

سياسة الجولان قد تدفع باليمين الإسرائيلي إلى ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية. ومن شأن ذلك أن ينبئ بكارثة.

لقي قرار الرئيس ترامب بالاعتراف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان ترحيباً عبر الطيف السياسي في إسرائيل. وفي حين واجه القرار انتقادات على الصعيد الدولي، بما في ذلك من قبل الزعماء العرب، إلّا أن الإسرائيليين اعتبروه بمثابة إقرار بحقيقة مهمة وهي: أنه لا يمكن إعادة هذه الهضبة الاستراتيجية إلى سوريا، لا سيما في ضوء الحرب الكارثية التي لقي فيها حوالي 500 ألف شخص مصرعهم، وإلقاء بشار الأسد قنابل الغاز على شعبه، واغتنام إيران الفرصة لترسيخ وجودها ووجود الميليشيات الشيعية في البلاد.

أما المنتمون إلى اليمين الإسرائيلي فقللوا من شأن القرار بالنسبة لقيمته الأمنية، في حين منحوه أهميةً أكبر للسابقة التي يشكّلها، إذ يتيح ضمّ جزء كبير من الضفة الغربية. وقد تقدّم الزعيم القومي نفتالي بينيت بالشكر إلى الرئيس ترامب على قراره هذا، مدعياً أن الجولان أصبح الآن تابع لإسرائيل إلى الأبد، ثم أضاف قائلاً:”إن أرض إسرائيل مُلك لشعب إسرائيل”. وبالطبع أن الجولان لم يكن جزءاً من أراضي فلسطين أو إسرائيل التاريخية، لكن الضفة الغربية هي حتماً كذلك – وهذا ما كان يشير إليه بينيت.

وربما لأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يتنافس لنيل أصوات جناح اليمين، تشير تصريحاته ضمناً إلى أنه يتحرك في اتجاه مماثل. وحتى الآن، تصدّى نتنياهو لخطوات معسكر اليمين الرامية إلى تمرير تشريعات لضمّ أراضٍ من الضفة الغربية، ولكن عند عودته إلى إسرائيل بعد لقائه ترامب، صرّح نتنياهو: “يقول الجميع أنه لا يمكنك الاحتفاظ بأرض محتلة، لكن هذا يثبت أن باستطاعتك القيام بذلك. فإذا تمّ احتلالها خلال حرب دفاعية، فإذاً إنها لنا”.

وإذا أُعيد انتخابه، هل سيسعى نتنياهو إلى ضمّ أراضٍ من الضفة الغربية؟ الوقت كفيل بالإجابة على هذا السؤال. في هذه المرحلة، من الصعب التنبؤ بنتيجة التصويت المقرر إجراؤه في 9 نيسان/أبريل. غير أنه ثمة سيناريو واحد من المرجح أن يبقى فيه نتنياهو رئيساً للوزراء، وهو أن يكون رئيساً لحكومة يمينية ضيقة للغاية.

وتجدر الملاحظة أنه سبق لبيني غانتس والقادة الآخرين في حزب “أزرق أبيض” أن صرّحوا بأنهم لن ينضموا إلى حكومة يرأسها نتنياهو، لأن المدّعي العام أفيشاي ماندلبليت أعلن عن عزمه على إصدار قرار اتهام بحق نتنياهو.

أما المشاركون المحتملون من معسكر اليمين في مثل هذه الحكومة الضيقة، ويشمل ذلك الآن خلف حزب مئير كاهانا العنصري بصراحة، فلا تراودهم هواجس مماثلة. فأيديولوجيتهم أهم بكثير من محاكمة ماندلبليت المحتملة. في الواقع، يدركون أن ذلك يعزز نفوذهم على نتنياهو لأنه إذا عجز عن تلبية مطالبهم السياسية، فبإمكانهم إسقاط الحكومة وتركه يواجه المدعي العام – دون أن يكون رئيساً للوزراء مرة إضافية.

وعلى هذا النحو، فإن قيام حكومة برئاسة نتنياهو لا تحظى سوى بأغلبية ضئيلة للغاية ستتسبب بمشاكل لخطة السلام التي يعمل عليها ترامب، حتى داخل إسرائيل. وللمفارقة، يبدو أن الإدارة الأمريكية التي منحت نتنياهو دعماً سياسياً في تصريحها بشأن الجولان، كانت تتصرف بناءً على الافتراض التالي: أن يفوز نتنياهو ويشكّل حكومةً تمثّل شريحةً واسعة من المجموعات السياسية، وبالتالي يتمكن من الموافقة على خطتها. ولو لم يكن نتنياهو يواجه احتمال صدور قرار اتهامي بحقه، لكانت هذه النتيجة الأكثر ترجيحاً للانتخابات. لكن لائحة الاتهام التي تلوح في الأفق واندماج حزبين تحت اسم حزب “أزرق أبيض” يترأسه ثلاثة رؤساء أركان جيش سابقين إلى جانب الوزير السابق يائير لابيد، قد غيرا الحسابات الانتخابية.

ورغم أن حسابات الانتخابات قد لا تكون دقيقةً في الوقت الراهن، إلّا أن ما يمكن التنبؤ به هو أن السبيل الوحيد المتاح أمام نتنياهو ليبقى رئيساً للوزراء يتوقف على تزعمه حكومة يمينية ضيقة. وفي مثل هذه الحكومة، من غير المحتمل أن يتمكن نتنياهو من عرقلة تشريع يسعى أساساً إلى تمريره معسكر اليمين ويقضي بضمّ أجزاء من الضفة الغربية.

ومن شأن ضمّ أي أراضٍ من الضفة الغربية أن يقضي على خطة ترامب ليس بالنسبة للفلسطينيين – الذين هم على استعداد أساساً لرفضها – ولكن مع الزعماء العرب أيضاً. فلا يمكنهم وضع أنفسهم في موقف يتنازلون فيه عما يعتبرونه (مع جماهيرهم الناخبة) أرضاً فلسطينيةً من خلال اتخاذ إسرائيل خطوات أحادية الجانب.

وناهيك عن تداعيات ذلك على خطة ترامب، فإنّ عمليات الضم الإسرائيلية التي يخطط لها اليمين مصممة بحيث لا تكون جزءاً من كتل محددة تتسق مع حل الدولتين. وفي المقابل، وفور بدء عمليات الضم هذه، سيتم تنفيذها بشكل تدريجي على المزيد من أراضي الضفة الغربية، مما يزيد من صعوبة فصل الإسرائيليين عن الفلسطينيين. وصحيحٌ أنه لا يمكن تحقيق حل الدولتين قريباً، لكن الانفصال يمكنه على الأقل أن يبقيه متاحاً في المستقبل.

لكن تشكيل حكومة يمينية يُسمح لها السعي لتنفيذ أجندتها سيقضي على هذا الاحتمال من خلال الجمع بين ضم الأراضي والبناء السريع خارج الكتل الاستيطانية – وهو مزيج سيجعل الفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين مستحيلاً في الضفة الغربية. وعندما يحصل ذلك، سيكون الخيار المتاح الوحيد هو دولة واحدة لشعبين، الإسرائيليين والفلسطينيين. ومن المؤكد أن يجعل الفلسطينيون عبارة “الصوت الواحد للناخب الواحد” شعارهم، وعاجلاً أو آجلاً، سيتردد صداها في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى.

ربما لا تفكر إدارة ترامب بهذه الطريقة. لكن إذا أرادت أن يكون لخطتها أي فرصة للنجاح، فعليها أن تعلن قريباً، بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، أنها ستعارض أي خطوات إسرائيلية أحادية الجانب لضمّ أراضٍ من الضفة الغربية. وهذا فقط من شأنه أن يمكّن نتنياهو من الوقوف في وجه اليمين والقول أنه لا يمكننا أن نُنفر إدارة ترامب بعد كل ما فعلته من أجلنا.

لقد فعل ترامب الكثير من أجل إسرائيل – وقد حان الوقت لكي يفعل شيئاً للحفاظ على مستقبل إسرائيل كدولة يهودية ديمقراطية.

معهد واشنطن