في الثالث والعشرين من الشهر المنصرم ، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” سيطرتها على آخر جيب لتنظيم داعش الإرهابي في الباغوز شرقي سوريا ، ما يعني نهاية دولة “الخلافة” المزعومة التي أعلنها التنظيم الإرهابي بعد أعوام من القتال ، لكن هذا الفوز لم يكن سوى بداية لمرحلة جديدة في الحرب ضد تنظيم داعش باعتبار الخطر الذي تشكله خلاياه النائمة ، وقال المدير الإعلامي لـ”قسد” مصطفى بالي ، في تغريدة له على تويتر “الباغوز تحررت والنصر العسكري ضد داعش تحقق”، مضيفا “نهدي هذا النصر لكل عوائل الشهداء وجرحانا ، أولئك الأبطال الذين لولا تضحياتهم لما تحقق هذا النصر”.
وتابع: “بعد سنوات من التضحيات الكبرى نبشر العالم بزوال دولة الخلافة المزعومة ، ونجدد العهد على مواصلة الحرب وملاحقة فلول الإرهابيين حتى القضاء التام عليهم”.
وقال القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية مظلوم كوباني ، خلال مؤتمر صحفي في حقل العمر النفطي ، “نعلن للرأي العام العالمي عن بدء مرحلة جديدة في محاربة إرهابيي داعش بهدف القضاء الكامل على الوجود العسكري السرّي للتنظيم المتمثّل في خلاياه النائمة ، والتي لا تزال تشكّل خطرا كبيرا على منطقتنا والعالم بأسره”.
من جانبه ، اعتبر نائب المبعوث الأميركي الخاص لدى التحالف الدولي وليام روباك في كلمة ألقاها خلال المؤتمر الصحفي لقوات سوريا الديمقراطية ، اعتبر أن انتهاء “الخلافة المزعومة” يشكل حدثا “حاسما” في المعركة ضد تنظيم داعش الإرهابي ، وتابع “لم تنته الحملة بعد .. ويبقى داعش تهديدا كبيرا”.
وقال “سنواصل دعم عمليات التحالف في سوريا ، لضمان هذه الهزيمة الدائمة”.
وبعد دحر داعش الإرهابي نظّمت قوات “قسد” استعراضا عسكريا لقواتها ، إذ أرسلت “قسد” من خلاله رسائل داخلية إلى ” الحكم السوري” ، وخارجية إلى دول الجوار وخاصة تركيا وإيران.
والسؤال الذي يطرح في هذا السياق ، من هي “قسد” ، وكيف تحالفت مع الولايات المتحدة الاميريكية ؟!
تم الإعلان عن تأسيس قوات سوريا الديمقراطية في مدينة القامشلي ، شمالي سوريا في 10 اكتوبر/ تشرين الأول 2015 ، واصدرت هذه القوات بياناً للتعريف بنفسها جاء فيه “إنها قوة عسكرية وطنية موحدة لكل السوريين تجمع العرب والكرد والسريان وكافة المكونات الأخرى”.
جاء هذا الإعلان عن تشكيل هذه القوات في أعقاب إعلان الولايات المتحدة نيتها تقديم اسلحة لمجموعة مختارة من قوى مسلحة بغرض محاربة تنظيم داعش الإرهابي ، وجاء في البيان: ان هذه القوات تضم القوى العسكرية: “التحالف العربي السوري ، وجيش الثوار ، وغرفة عمليات بركان الفرات ، وقوات الصناديد ، وتجمع ألوية الجزيرة ، والمجلس العسكري السرياني ، ووحدات حماية الشعب الكردية ، ووحدات حماية المرأة الكردية”.
وتشكل “وحدات حماية الشعب الكردية” التي تعد عمودها الفقري و”وحدات حماية المرأة” ، وهي قوى مسلحة تابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي ، العمود الفقري لقوات سوريا الديمقراطية التي تعرف اختصارا باسم “قسد”.
كانت الأحداث تتسارع في شمالي سوريا وتتعدّد أدوار مجموعة من اللاعبين أبرزهم المقاتلين الأكراد والولايات المتحدة وتركيا وروسيا والنظام السوري ، فالولايات المتحدة كانت بحاجة إلى حليف في شمالي سوريا لتعزيز نفوذها هناك ، لمواجهة “داعش” من جهة ، وللرفع من ضغوطها على نظام بشار الأسد ، وكذا لمواجهة التمدد الروسي – الإيراني ، فوقع الاختيار على المقاتلين الأكراد الذين رأوا في واشنطن قوة عسكرية تساعدهم في التصدّي لخصومهم ، ورأوا فيها كذلك حليفا سياسياً يتيح لهم دوراً أكبر في مستقبل سوريا ، سواء إن استمر نظام بشار الأسد الذي وقع بينه وبين المقاتلين الأكراد نوع من التقارب في مواجهة “داعش” ، أو إن لم يستمر هذا النظام ، بما أن المجلس الوطني الكردي المكون من عدة أحزاب كردية ، يوجد ضمن الائتلاف السوري المعارض.
وقدّمت الولايات المتحدة الأميركية كميات كبيرة جداً من السلاح والعتاد والدعم العسكري اللوجستي لقوات سوريا الديمقراطية ، شملت على صواريخ مضادة للدبابات ، وقذائف هاون من عيارات مختلفة ، وأسلحة خفيفة ومتوسطة ، وعربات همر مصفحة.
لذلك لم يكن غريباً أن تنتشر صور لجنود أميركيين منذ شهر آيار/ مايو 2016 ، يحملون شعار وحدات حماية الشعب ، في إطار عملية عسكرية مع قوات سوريا الديمقراطية ، إذ كانت واشنطن راضية عن تشكيل هذه القوات بشكل أساسي من المقاتلين الأكراد ، فيما غضت الطرف عن الروابط بين حزب الاتحاد الديمقراطي وبين PKK ، بما أن إقرارها بهذه الروابط قد يجعلها متهمة بدعم كيان ينسق مع تنظيم إرهابي ، وقد استعانت في ذلك بمحاولة الطرف الأول ادعاء استقلاليته عن الثاني ، رغم أن المتتبعين يدركون عمق العلاقات التاريخية بين الجانبين.
فالأميركيون كانوا يشكلون في ظل الحرب شريان الحياة لـ”قسد”، “باعتبار أنهم الجهة الأساسية التي تمدهم بالسلاح ، وتسمح بأن ينبض حلمهم بأن يكون لهم كيان ما ، وإن كان داخل سورية ، وهذا لم يكن موجوداً منذ زمن طويل” ، وأنهم – أي الأميركيون – واضحين في تحالفاتهم ، فهي تعطي الأكراد السلاح ، وتقدمهم من جهة أخرى للعالم بأنهم من قضى على داعش بدعم التحالف الدولي” ، وأشار إلى أن “الأكراد موجودون في بيئة معادية لهم ، محلياً وإقليميّا”.
ويرى متابعون للعلاقات الأميركية الكردية ، أن العلاقات بين الأكراد السوريين وحلفائهم تطوّرت أكثر وصارت أكثر وضوحاً ، ولا يعدّ الدعم العسكري الأميركي الأخير مفاجئاً ، خاصة وأن الدعم الاميركي للأكراد كان النموذج الوحيد الناجح بين كل مشاريع الدعم التي قدمتها واشنطن لأطراف سورية ، فهذه المشاريع فشلت ، في وقت أبان الأكراد ، حسب تعبير المتحدث ، عن بسالة في محاربة “داعش”.
ويتابعون ، أن واشنطن ترغب أن تكون منطقة شمالي سوريا نموذجا لباقي التراب السوري ، خاصة وأن المنطقة ممتدة على ما يقارب (40000) كيلو متر مربع ، وتملك أهمية استراتيجية لواشنطن ، فضلاً عن أن هذه الأخيرة تعي أن هناك تحديا في مرحلة ما بعد “داعش” ، تستدعي استمرار الدعم العسكري ، خصوصا عودة النازحين واستمرار جيوب “داعش” ، وكذا مواجهة مطامح النظامين السوري والإيراني في الاستيلاء على مناطق الأكراد ، لذلك فالتهديدات التركية ستوتر أكثر علاقة أنقرة بواشنطن ، خاصة وأن هذه الأخيرة تدرك أن المقاتلين الأكراد سيرّدون على أيّ هجوم تركي يطالهم في المستقبل.
ويوّضح تحليل لمعهد واشنطن لسياسة شرق الأدنى ، بعنوان “إدارة التحوّل في العلاقات بين الولايات المتحدة وأكراد سوريا”، أن أهمية الحفاظ على علاقة الطرفين تنبع من رغبة واشنطن بممارسة نفوذ في سوريا ، ومن احتمال نشوب صراعات عرقية في البلد بعد مرحلة “داعش” ، ومن مواجهة الهيمنة الإيرانية التي تهدّد الهدف الإقليمي للولايات المتحدة ، غير أن الدعم الأميركي لأكراد سوريا ، يضيف التحليل ، يجب أن يكون مشروطا بأن يحكمون بشكل ديمقراطي ، عبر تفادي التضييق على المكوّنات غير الكردية بشمال سوريا ، فضلاً عن الابتعاد عن حزب PKK ، وتفادي “استفزازات رمزية” كما حدث عندما رُفعت صور عبد الله أوجلان في الرقة بعد تحريرها.
وبعد هذا الانتصار ، تطرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل هذه القوات التي تواجه الكثير من التحدّيات ، أبرزها التهديدات التركيّة المستمرة ، ففي هذا السياق حذر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو خلال لقائه مؤخرًا في واشنطن نظيره التركي مولود جاويش أوغلو ، حذر من “التداعيات المدمرة المحتملة” لأية عملية عسكرية تركية أحادية في شمال شرقي سوريا ، وقالت وزارة الخارجية الأميركية في بيان ، إن “الوزير بومبيو أعرب عن دعمه للمفاوضات الجارية حول شمال شرقي سوريا ، محذرا في الوقت نفسه من التداعيات المدمرة المحتملة لأي عمل عسكري تركي أحادي الجانب في المنطقة”.
وجاءت التصريحات الأميركية على خلفية التهديدات التركية المتواصلة بشنّ هجوم لإبعاد الفصائل الكردية عن حدودها ، بالإضافة إلى رغبة الحكومة السوريّة في استعادة السيطرة على كامل أراضيها.
في هذا الإطار ، كانت لافتة الرسائل التي وجّهتها “قسد”، مباشرة بعد إعلان الانتصار العسكري على “داعش”، إلى كل من أنقرة ودمشق معاً ، حيث دعت الأولى إلى الخروج من كامل الأراضي السوريّة ، ودعت الثانية إلى الاعتراف بالإدارة التي أقامتها في مناطق خاضعة لسيطرتها.
وفي هذا السيّاق ، كان التحدّي الأبرز الذي واجهته هذه القوات ، في الفترة السابقة ، الإعلان الأميركي عن الرغبة في سحب القوات العسكريّة من سوريا ، قبل أن تعود واشنطن للتراجع عن هذه الخطوة لاحقاً ، حيث تم الإعلان عن إبقاء مجموعات صغيرة ، بهدف تشجيع باقي أعضاء التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب على اتخاذ خطوات مماثلة ، الأمر الذي أراح الأكراد ، نظراً إلى أن الانسحاب الأميركي كان من الممكن أن يكون مقدمة تدخل تركي للمناطق التي تسيطر عليها “قسد”.
ويرى المتابعون للشأن الإقليمي ، أن أكراد سوريا يدركون جيداً أن لا مستقبل لمشروعهم السياسي من دون الدعم الأميركي ، نظراً إلى أن ما يحمله يتناقض مع توجهات العديد من القوى الإقليميّة الفاعلة في الأحداث السوريّة ، أبرزها تركيا وإيران ، ومع عودة القلق الكردي عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن سحب قواته من سورية ، حاولت “قسد” إحياء المفاوضات مع الروس والنظام السوري ، قبل أن يأتي الرد الأميركي سريعاً على لسان قائد قوات التحالف الدولي بول لاكاميرا ، الذي هدد بأن واشنطن ستضطر لوقف مساعداتها العسكرية إلى “قوات سورية الديموقراطية” في حال تحالف مقاتلوها مع النظام السوري أو روسيا ، الأمر الذي فرمل كل تحركات “قسد” وعطل أي حراك سياسي للأكراد في هذا المجال.
لكن الرئيس المشترك لـ”مجلس سورية الديمقراطية” (قسد) رياض درار ، صرّح قائلاً ” إن الأميركيين لم يتدخلوا في المفاوضات مع الحكومة السورية ، ونحن نفاوض وفق مسار جنيف ، ولكن بشكل مباشر ، ومن أجل وحدة سورية ، ونفي تهم التقسيم” ، ولفت إلى أن “القرار العسكري مشترك ، وغايته مواجهة الإرهاب وحماية المنطقة من أي تهديد شمالي أو جنوبي” ، وأضاف أن النظام والمعارضة “لا يأخذوننا في الحسبان ، وهما يعيشان على الدعم من الآخرين”.
وتابع درار: “نحن نعمل في إطار شراكة حقيقية أعطت نتائج وطنية ، ولم نبع الأرض إلى أجنبي غريب ، لأن تحالفنا مع الأميركيين يهدف للوصول إلى حل سوري حقيقي ، وتغيير ديمقراطي ، وتعديل دستوري ومشاركة وتعددية .. ونحن نستمع للاتهامات ولكن لا نعطيها قيمة”.
وكان وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم ، قد اتهم الأميركيين بتخريب المفاوضات التي جرت العام الماضي بين الأكراد والنظام ، والتي طالب الأكراد خلالها بـ”اللامركزية الديمقراطية” وتعميمها كشكل للحكم في سورية.
وقال المعلم في لقاء تلفزيوني الشهر الماضي ، إن واشنطن خربت المحادثات بين دمشق و”مجلس سورية الديمقراطية”، وقدمت دعماً عسكرياً له .
وهو اتهام يرى كثيرون أنه صحيح إلى حد بعيد ، إذ عاد الأكراد حينها لربط الحل السياسي في سورية بأولويات أميركا التي أعلنتها ، وهي القضاء على تنظيم “داعش” وإخراج إيران ، ومن ثم طرح الحل السياسي.
كما أن رياض درار نفسه كتب في مقال نشر في إحدى وسائل الإعلام المحلية الكردية ، أنه “لا مكان لأستانة ولا سوتشي، والحل لن يسير إلا في العربة الأميركية”.
مما لاشك فيه ، شكّل إعلان قسد ، القضاء على تنظيم “داعش” الإرهابي في منطقة شرقي الفرات حدثاً مفصلياً لن يكون مصير هذه القوات بمنأى عنه ، وكان من اللافت تضمن بيان النصر على تنظيم “داعش” دعوة “قوات سورية الديمقراطية” النظام السوري إلى الاعتراف بـ”الإدارة الذاتية” التي أنشئت في مناطق سيطرتها ، في إشارة واضحة إلى إدراكها لحجم المخاطر التي تنتظرها واستعدادها لمحاورة النظام والتفاوض معه .
وفيما لا تزال “قسد” تملك أوراق قوة ، ربما تسمح لها بلعب دور جديد في الصراع المحتدم على سورية ، فالطابع العام لـ”قوات سورية الديمقراطية” كردي محض .
وبعد أكثر من ثلاث سنوات ، بات لدى “قسد” عشرات آلاف المقاتلين المدربين الذين يملكون أسلحة متوسطة وثقيلة قدمها التحالف الدولي لهم ، ما يجعل منهم قوة يحسب لها حساب في أي صراع قد يندلع ، خصوصاً مع قوات النظام السوري ، أو الجيش التركي ، في حال رفعت الولايات المتحدة الأميركية غطاء الحماية عن هذه القوات.
ومن المتوقع أن يبقى الدعم الغربي ، الذي تحظى به “قسد”، مستمر في المدى المنظور ، طالما أن هناك خطراً من عودة “داعش” مرة أخرى ، وهو ما يفسر إصرار القادة الأكراد في هذه القوات على تذكير العالم بأن خطر التنظيم لم ينته بعد.
وظهر هذا الأمر مع وصول مساعدات عسكرية أميركية إلى “قسد” في الحسكة ، قادمة من إقليم كردستان العراق ، ولدى هذه القوات أوراق قوة يمكن أن تطيل عمرها أكثر ، منها مصير آلاف المسلحين المستسلمين من تنظيم “داعش”، إذ من المتوقع أن يمر زمن طويل قبل إغلاق هذا الملف الشائك.
وحاولت هذه القوات استثمار التوتر الحاصل بين الجانب التركي ودول عربية ، بينها السعودية والإمارات ، من خلال تسهيل وجود عسكري لهذه الدول في شمال شرقي سورية ، يضمن للأكراد دعماً عربياً يتيح لهم الدخول بقوة في أية تسوية سياسية مقبلة ، يأمل الأكراد أن تضمن لهم حقوقاً سياسية وثقافية ثابتة تجنبهم انتقاماً مستقبلياً ربما يضمره النظام الحالي.
إن “قوات سورية الديمقراطية” ، بدأت تستعد لمرحلة ما بعد داعش ، آخذة بالاعتبار جملة من المعطيات السياسية في مشهد سوري شديد التعقيد يتجه إلى مزيد من التأزيم ، فبينما كانت “قوات سورية الديمقراطية” تشكّل رأس الحربة في المعارك ضد “داعش” الإرهابي ، وقدّمت ثمناً باهظاً حتى أتمت تحرير أكثر من ثلث مساحة سورية من التنظيم المتطرف ، مؤكدة مقتل (11000) من مقاتليها منذ بدء عملية مواجهة “داعش” في أواخر عام 2015 ، فإنها تدرك جيداً خطورة المرحلة المقبلة ، أكان ما يتعلق بمصيرها أو القضايا العالقة في مرحلة ما بعد نهاية سيطرة التنظيم.
وتحت عنوان “تحديات بعد القضاء على داعش”، كتب مظلوم عبدي، قائد قوات سوريا الديموقراطية (قسد) التي حاربت التنظيم في شمال شرق سوريا بدعم أمريكي كبير أنه رغم هزيمة التنظيم ميدانياً، ما يزال داعش يمثل تهديداً لاستقرار سوريا. وقال في موقع “ديفنس بوست” إنه مع تحرير بلدة الباغوز من سيطرة التنظيم الإرهابي، أغلق بنجاح الفصل الأخير من حكاية داعش. وبعد إخراج عدد كبير من المدنيين من بلدة الباغوز، واستسلام مئات من المتطرفين، شددت قوات سوريا الديمقراطية، بمشاركة من التحالف الدولي لدحر داعش، وتيرة قتالها ضد فلول التنظيم الإرهابي، وأعلنت للعالم تدمير ما يسمى بالخلافة. وبرأي كاتب المقال، لا شك في أن القضاء على التنظيم الإرهابي كان نتاج جهود وتضحيات كبيرة قدمتها قوات سوريا الديمقراطية والتحالف. وسوف يؤدي تنسيق رفيع المستوى بين الأطراف المعنية مع ارتباطاتهم القوية، إلى إنهاء كابوس خيم على العالم أجمع، وحوّل المنطقة إلى بؤرة للإرهاب. وحسب عبدي، من خلال اتخاذ قرارات مشتركة بين قسد وقوات التحالف، حررت مدن، الواحدة بعد الأخرى، فضلاً عن تجنب وقوع ضحايا من المدنيين عبر استخدام تكتيكات عسكرية دقيقة ومحكمة.
ويقول عبدي إن قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القاضي بإبقاء بعض من القوات الأمريكية في سوريا شديد الأهمية بالنسبة للمرحلة التالية من القتال ضد داعش، والذي يشمل استئصال جذوره الفكرية والعقائدية، والتي تتطلب عملاً متواصلاً وطويل الأمد.
وتتفق القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية، فضلاً عن أعضاء في الكونغرس الأمريكي، على أن التهديد الذي يمثله داعش لم ينته تماماً. وعبر إبقاء قوات أمريكية في المنطقة، وإعادة ترتيب الاستراتيجية الأمريكية، ستسهم المرحلة المقبلة من الحرب على داعش، في مساعدة قسد على الاحتفاظ بالمكاسب التي حققتها.وقال عبدي: “نود التركيز على دور وزارة الدفاع الأمريكية، وبخاصة قائد القيادة الأمريكية الوسطى(سينتكوم) الجنرال جوزيف فوتيل، في تحقيق الانتصار الميداني على داعش، وفي ضمان أمن واستقرار المناطق التي تم تحريرها من الظلامية. ونحن نشكر له قيادته ونقدر الدور الهام الذي لعبه في تحقيق هذا الإنجاز التاريخي”.
واعترف عبدي بالدور الهام الذي قام به المبعوث الرئاسي السابق إلى قوات التحالف لمحاربة داعش، بريت ماكغورك، لتحقيق النصر على داعش، ولكنه يلفت إلى أنه رغم انتهاء هيكلية داعش، ثمة تحديات كبرى تنتظر المنطقة، وتتمثل في خلايا نائمة زرعها التنظيم الإرهابي، فضلاً عن خطر ناجم عن قدرة داعش على إعادة تنظيم نفسه بواسطة استخدام تكتيكات لعمليات ينفذها إرهابيون منفردون كتفجيرات واغتيالات. إلى ذلك، يُخشى استغلال بعض الأطراف الإقليميين والدوليين لفراغ السلطة الذي خلفه داعش. وبرأي عبدي، هناك أيضاً حاجة كبيرة لإعادة لحمة إلى المجتمع، ولإعادة تنظيم وعودة السكان إلى بيوتهم. فقد تدمرت مناطق احتلها الإرهابيون، ولا بد من إحيائها. وتتطلب عملية الترميم والإصلاح دعماً متواصلاً وإعادة تأهيل على جميع المستويات بحيث يتمكن المواطنون من استعادة حياتهم الطبيعية.وبموجب قرارات الأمم المتحدة، سوف يساهم التعاون بين قسد وقوات التحالف لمحاربة داعش، بقيادة الولايات المتحدة، في إنهاء الأزمة السورية. ويختم بالإشارة إلى أن “المكون الاجتماعي المتنوع في مناطقنا المحررة يشكل أولى لبنات تحقيق هدفنا المنشود لسوريا ديمقراطية حرة من جميع أشكال الإرهاب”.
ولذلك بدت قسد حريصةً منذ لحظة إعلان هزيمة التنظيم ، على التأكيد أنه لا يمكن لها أن تواجه هذه التحديات – مصير بقايا تنظيم داعش الإرهابي ، المنطقة الآمنة التركية ، حلم النظام السوري باسترداد سيطرته على المناطق المحررة ، رغبة إيران وروسيا في توسيع نفوذهما في سورية – منفردة ، خصوصاً أنها هي الأخرى تقف اليوم على مفترق طرق وعرة في بيئة إقليمية شديدة التعقيد.
وحدة الدراسات السورية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية