الباحثة شذى خليل*
يعد الاقتصاد الرقمي التفاعل والتكامل والتنسيق بين تكنولوجيا المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات من جهة، وبين الاقتصاد القومي والدولي من جهة أخرى، وتأخذ التكنولوجيا دوراً استراتيجياً في زيادة معدل النمو الاقتصادي وإصلاح الآليات الاقتصادية والتجارية والمالية.
ويعتمد الاقتصاد الرقمي في مجمل عملياته على المعلومات، ويسمح بدخول تكنولوجيا المعلومات في مختلف الأنشطة الاقتصادية، ويستند في أغلب خطواته على استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي ألغت كل الحدود والحواجز أمام تدفق المعلومات والسلع والخدمات وحركة رؤوس الأموال من وإلى أية نقطة في العالم، وفي أي وقت.
مما ادى إلى تغيرات عميقة في أنماط الحياة بمختلف مجالاتها، سواء على المستوى الشخصي، أو على مستوى المجتمعات، والاقتصاد والبيئة.
ويقوم الاقتصاد الرقمي بإرسال واستقبال أي مبلغ من العملات الإلكترونية لحظياً في أية لحظة واي مكان، ويوفر ميزة الإفصاح والشفافية والحياد لجميع المعلومات الخاصة بمعاملات العملة الرقمية، ومن مميزات الاقتصاد الرقمي أنه يعتمد على العقول البشرية بشكل رئيسي، أما بقية العناصر الأخرى المتصلة بالمعاش وأسلوب الحياة وغيرها فتعد مساندة أكثر من كونها فاعلة أو محركاً أساسياً .
إذ تغيرت معظم أساليب ووسائل تنفيذ الأنشطة الاقتصادية، وانعكس تأثيرها إيجاباً على المجتمع في العموم، حيث إن التحول للاقتصاد الرقمي كفيل بتغيير وتحقيق أحداث جديدة تؤثر إيجابياً على المصالح الاقتصادية للدول عامة.
بالرغم من حداثة الاقتصاد الرقمي إلا انه اصبح من أهم قطاعات الاقتصاد الكلي، وله نوعان من التأثير، الأول مباشر ويتمثل في الناتج الإجمالي لمعظم عمليات التجارة والترويج والتسويق التي تعتمد على التقنيات الرقمية في شكل كامل، إضافة إلى إنتاج وبيع التطبيقات الرقمية اللازمة لعمليات الإدارة والرقابة والإنتاج.
والتأثير الثاني غير مباشر، في تنشيط الأسواق المحلية وعولمة منتجاتها وفي الوصول إلى أسواق جديدة من الصعب الوصول اليها بالطرق التقليدية المعروفة .
ومن خصائص الاقتصاد الرقمي:
• يتميز بالعمل على بناء مجتمع المعلومات وذلك بتسخير تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتحقيق الأهداف التنموية.
• أصبح رصيد المؤسسة الاقتصادية يعتمد على مخزونها المعرفي والمعلوماتي، يمكن كذلك تشغيل الأنشطة والمشاريع الاقتصادية من خلال الإنترنت دون الحاجة للتحرك الفعلي سواء للأفراد أو المؤسسات.
• يعمل في تداول العقود الإلكترونية والذي يستوجب توفير الضمانات والبيئة الآمنة للأفراد من أجل إتمام معاملاتهم التجارية المختلفة، وبهذا تقلصت فاعلية وجدوى القوانين والتشريعات الحالية (النظام القانوني والمصرفي والتجاري)، وهنا تأتي الحاجة الى الدراسة والتأهيل للتحديث والاستحداث للأنظمة القانونية لضمان الحصول على افضل النتائج باقل الخسائر.
• يرتبط بشكل قوي بالتغيرات الكثيرة التي تجري في البيئة الصناعية، ولاسيما ما يتعلق بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إذ يؤثر كل منهما على الآخر بشكل إيجابي فبزيادة أحدهما يزداد الآخر.
• أصدرت دراسة بحثية لـ شركة أكسنتشر للاستشارات وخدمات التكنولوجيا إلى أن الاقتصاد الرقمي قادر على رفع الإنتاج العالمي نحو 1.5 ترليون دولار، ما يعني رفع الناتج الإجمالي العالمي 2.2%، كما يستحوذ على 22% من قطاع صناعة التجزئة العالمية، 28% من قطاع الصحة 20% من السلع الاستهلاكية.
قال المدير التنفيذي لـ «مركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي» عبد الله محمد العور: «إدراكاً منا لأهمية الاقتصاد الرقمي وما يمثله من فرص للنمو والمنافسة، خصوصاً للشركات الصغيرة والمتوسطة، وضعنا هذا القطاع ضمن أولويات عملنا التي تضمنتها الاستراتيجية المحدثة لمركز دبي لتطوير الاقتصاد الإسلامي 2017-2021».
ولا يزال الاقتصاد الإسلامي في طور النمو، ما يجعله أكثر ملاءمةً من الاقتصاد التقليدي لاستيعاب المستجدات الرقمية
وان الاقتصاد الرقمي احدث تغييرا في معادلة القوة في الأسواق، فبعدما كانت البرامج والتطبيقات مملوكة حصراً من الشركات الكبيرة المهيمنة، أصبحت اليوم متاحة للشركات الصغيرة والناشئة ومكنّتها من الوصول إلى الأسواق والمستهلكين للتعريف بجودة خدماتها وبمنتجاتها.
الاقتصاد الإسلامي:
اهتمّ الإسلام بتنظيم العلاقات والأمور الاقتصاديّة مثلها مثل أيّ أمور حياتيّة أخرى، ووضع مجموعة القواعد التي تعتمد على أصول العقيدة الإسلاميّة؛ وهي القرآن الكريم والسنة النبويّة الشريفة والاجتهاد الفقهيّ، وتهتم جمعيها في مُتابعة الأعمال الاقتصاديّة ضمن البيئة الاجتماعيّة، وتمّ الاعتماد على العديد من الآيات القرآنيّة والأحاديث النبويّة الشريفة في صياغة العديد من القواعد الأساسيّة لنظام الاقتصاد الإسلامي، ومن الآيات القرآنيّة التي أشارت إلى الربا قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، كما اهتمّ الاقتصاد الإسلاميّ بالعقود بين الناس، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ)، وفي مُتابعة كافّة المُعاملات الماليّة سواءً المُرتبطة بصرف المال أو ادّخاره، قال تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا).
يتضح لنا ان الاقتصاد الإسلامي أرض خصبة للابتكار والإبداع، فثقافته جديدة ومنتجاته في حاجة للترويج والتعريف بأهميتها، والعالم يتسابق نحو تبني التمويل الإسلامي، وكل هذا يحتاج إلى ابتكار أدوات وبرامج وتطبيقات تسهل وصول العالم إلى هذا النوع من الاقتصاد، ويسهل على رواده الوصول إلى أسواق جديدة، وتهيئة البنية الحاضنة للابتكارات في الاقتصاد الإسلامي، وتشجيع الناشئة مما سيعزز قدرة الشباب على فهم احتياجات الأسواق واستيعابها وعلى ابتكار متطلبات النمو فيها.
الدوحة تطلق اول منصة رقمية مغطاة بالذهب:
انطلقت أول منصة إلكترونية إسلامية لتبادل العملة الرقمية المدعومة بالذهب، وذلك على هامش المؤتمر الخامس للمال الإسلامي في الدوحة ، في 19-03-2019 ويعد هذا الإنجاز نتاج عمل ودراسات وتعاون بين مركز قطر للمال ومجموعة قاف القابضة ومؤسسة Ibadah Inc الماليزية.
حيث تم اعتماد مقابل عيني حقيقي من الذهب للعملة الرقمية ، وعلى هذا النحو لا يعد رمز I-Dinar الرقمي شكلا من أشكال محفظة الذهب الإلكترونية لكن يمكن استخدامه كقاسم مشترك لتنفيذ وتسوية العديد من العمليات المالية وأعمال الصرف والتجارة.
وفيما يخص التطور المستقبلي لمنصة (اي- دينار I-DINAR) والبورصة الإلكترونية ،تتطلب العمل على تطوير دور وتواجد العديد من المؤسسات العاملة بمجال الخدمات المالية وخاصة البنوك المتخصصة والتي تستخدم لتوفير الحلول والأدوات المالية اللازمة لإجراء العمليات المالية والتجارية بدقة وأمان تام مع الأخذ في الاعتبار معايير القبول عالميا والتطور التكنولوجي والإلكتروني الهائل وسرعته.
وتعد المنصة الإلكترونية الإسلامية لتبادل العملة نقطة تحول في مجال التكنولوجيا، خاصة أنها ستوفر العديد من المزايا، ومنها تسوية العديد من العمليات المالية وأعمال الصرف والتجارة، والسماح بتداول مع أو مقابل أي سلع أو منتجات أو عملات مشفرة أو أي من مجموعة من الحلول والأدوات المالية وكذلك العقود المالية والتجارية من أي مكان وفي أي وقت على مستوى العالم بسهولة.
وان تحديد قيمة 1 دينار ضمن المنصة الإلكترونية الإسلامية التي ستحمل عنوان «اي -دينار» بواحد جرام من الذهب، مما يعني انه سيشكل محفظة من الذهب الإلكترونية، وبهذا فإن التبادل وتداول هذه العملة على شبكة الإنترنت سيكون له مقابل عيني وهو مقدار الذهب، وبالتالي يكون متوافقا مع المبادئ الإسلامية، حيث سيكون بإمكان المستثمرين والمتعاملين من خلال هذه المنصة المحافظة على أصولهم وممتلكاتهم بكل أمان وسهولة، مع سرعة إتمام كافة العمليات المالية والتجارية.
ومن ابرز التحديات التي تواجه التطورات في الاقتصاديات الرقمية الإسلامية وفي الدول العربية تحديدا ،تكمن في الفجوة الرقمية ما بين الواقع والمأمول وفقا لاحتياجات الأفراد والمؤسسات مع مقارنتها بالدول المتقدمة في هذا المجال، وأن تهديد الخصوصية والجرائم المعلوماتية تعد أحد التحديات والتي تشترك فيها جميع الأعمال القائمة على تكنولوجيا المعلومات لذلك يجب حماية هذا الاقتصاد الرقمي والمعلوماتي بما يضمن سرية البيانات وسلامتها وتوفرها على مدار الساعة.
آخر التحديات هو تنظيم هذا العالم الإفتراضي وبيان أسسه وتشريعاته لتحقيق أهدافه المنشودة مع مواكبة التغيرات المتسارعة التي تشهدها مثل هذه المجالات.
نصل الى نتيجة لكي نواكب العالم الرقمي نحتاج إلى التطوير المستمر من خلال زيادة الإستثمار في تكنولوجيا المعلومات والإتصالات عن طريق ترقية البنى التحتية، وزيادة أعداد الحواسب الإلكترونية واستخداماتها في المعاملات والوظائف وزيادة عدد المشتركين في الشبكة الدولية للمعلومات، وتطويع واستخدام البرمجيات الجاهزة والمفصلة في إدارة الأنشطة الاقتصادية والتجارية والإنتاجية والمالية والتسويقية وإدارة الموارد البشرية والأنشطة التعليمية والتدريبية.
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية