ماذا كسبت روسيا من اعتماد الروبل الرقمي؟

ماذا كسبت روسيا من اعتماد الروبل الرقمي؟

موسكو- دخل الروبل الروسي مرحلة الشكل الافتراضي بعد مصادقة الرئيس فلاديمير بوتين على قرار خاص بهذا الصدد، في سباق جديد لمواجهة الإرباك الناجم عن العقوبات الغربية غير المسبوقة ضد موسكو، واستعادة السيطرة بشكل شامل على نظام المدفوعات الإلكترونية، بعد فصل روسيا عن الشريان المالي العالمي من خلال حرمانها من نظام “سويفت” وتجميد حساباتها في البنوك الأجنبية.

ويأتي قرار اعتماد الروبل الرقمي في مسعى جديد لتشكيل نظام دفوعات وطني يحررها من تبعية الارتباط لأنظمة المدفوعات التي تتحكم بها المنظومة الغربية، التي بدأت تستخدم سلاحا عقابيا ضد موسكو بسبب ملفي ضم القرم ومن بعده الحرب في أوكرانيا.

ومن المتوقع أن يسمح الروبل الرقمي بإجراء التعاملات المالية عبر نوع جديد من العملة على منصة خاصة، سيكون مشغلها هو البنك المركزي، الذي أكد بدوره أنه سيضمن سرية الحسابات والأرصدة الموجودة عليها وعمليات المستخدمين، ويؤمن استخدام الوحدات النقدية الإلكترونية لدفع ثمن السلع والخدمات وإجراء تحويلات مالية وأغراض أخرى.

وعلى هذا الأساس، سيصبح الروبل الرقمي الشكل الثالث للعملة الروسية إلى جانب النقود النقدية وغير النقدية المخزنة في الحسابات المصرفية، ومن المفترض أنه سيكون في شكل رمز رقمي في المحفظة الإلكترونية.

وتأمل موسكو أن يسهل اعتماد الروبل الرقمي تنفيذَ المدفوعات الدولية، فضلا عن جعل المعاملات داخل روسيا أكثر ملاءمة.

عيوب وامتيازات
مع ذلك، لم تخل آراء بعض خبراء الاقتصاد الروس من الإشارة إلى بعض العيوب التي سترافق عملية استحداث نظام الدفع الجديد.

فيقول الخبير الاقتصادي فيكتور لاشون إن إدخال الروبل الرقمي لن يؤدي إلى زيادة المبلغ الإجمالي للأموال المتداولة، بل العكس؛ إذ ستفقد البنوك التجارية بعض أموالها عندما يبدأ عملاؤها تحويل الأموال رقميا وإرسالها إلى محافظهم على منصة البنك المركزي، مما يعني أن ​​دخل البنوك من العمولات والعمليات سينخفض.

وفي حديثه للجزيرة نت، يوضح لاشون أن الفرق الواضح بين الروبل الرقمي والنقدي هو شكله الافتراضي، إذ لن يتمكن المستخدم من وضع مثل هذا الروبل في الجيب أو المحفظة. وبما أن استخدام الأموال غير النقدية سيكون أكثر صعوبة، فلن نشهد تحول الكثير من الأشخاص إلى استخدام العملة الرقمية الجديدة.

لكنه يشير -في المقابل- إلى أنه بفضل إدخال الروبل الرقمي ستحصل الدولة على عدد من المزايا التي لا يمكن إنكارها، مثل: التحكم المباشر في إنفاق أموال الميزانية، وتخفيض تكاليف إدارة مدفوعات الميزانية، وإمكانية تسهيل المدفوعات عبر الحدود، وسيساعد إدخال الروبل الرقمي في السوق الروسية على ضمان شفافية المعاملات المالية.

كيف حال الاقتصاد الروسي في ظل عقوبات غير مسبوقة؟
مرحلة انتقالية
من جهتها، ترجح الخبيرة في الشؤون المالية إيفانا غولوفانوفا أنه سيتم في المرحلة الأولية استخدام الروبل الرقمي بشكل أساسي في القطاع العام للاقتصاد الروسي، الذي سيحتاج بدوره إلى ما بين 3 و6 سنوات لاعتماده على نطاق أوسع، تبعا لوتيرة توفر القاعدة التكنولوجية اللازمة لذلك.

وتضيف أنه كواحدة من التقنيات الممكنة، قد يتم استعمال أجهزة مسح الوجه، التي بموجبها سيخصم الروبل الرقمي من حسابات المواطنين باستخدام القياسات الحيوية؛ الشيء الذي سيؤدي مع الوقت إلى أن يكون سعر الشكل الجديد للعملة مستقرا ومساويا للأشكال الأخرى للروبل.

لكن المحلل الاقتصادي ميخائيل بيلياييف يشدد على أن الروبل الرقمي ليس نقودا جديدة، بل أحد أنواع المدفوعات غير النقدية، واصفا إياها بأنها خوارزمية تتماشى بشكل أكبر مع التقنيات المصرفية الحديثة، ويرجع السبب في إدخالها إلى التقدم العلمي والتكنولوجي، وإتاحة ما يسمى العمليات السلسة في مختلف المجالات التي يتم فيها استخدام الأموال.

وحول التغيرات الممكنة مع إدخال الروبل الرقمي، أشار الخبير إلى أنه سيكلف نفس سعر الروبل الحالي، وسيتمتع بالقوة الشرائية نفسها بالضبط، بمعنى أن المحتوى الاقتصادي لن يتغير، علاوة على أن استخدام الروبل الرقمي لا يعني أي نسبة سعر صرف في ما يتعلق بالروبل الموجود بالفعل، ولن تكون هناك عقبات أمام تحويله إلى نقود.

ويتابع أن الخوارزميات الجديدة أصبحت أكثر تكيفا مع تقنيات المعلومات الحديثة، لذا ستصبح المدفوعات أسرع وأكثر ملاءمة، بما فيها المناطق النائية من البلاد، حيث سيتمكن الجميع من الاستفادة منها، مع الإبقاء على الطابع الاختياري والطوعي للمحفظة الرقمية الجديدة.

ووفقا له، فإن ميزات الروبل الرقمي تكمن بالدرجة الأولى في تسريع عملية المدفوعات الإلكترونية بشكل كبير وتقليل تكاليف المعاملات.

والأهم من كل ذلك -حسب رأيه- أنه مثير للاهتمام كوسيلة للتسويات الدولية تحت العقوبات، وحظرها ليس سهلا كما هي الحال مع بطاقات “فيزا” و”ماستر كارد”.

المصدر : الجزيرة