أدت الضغوط الأميركية المتنامية على إيران إلى إضعاف موقف الرئيس حسن روحاني وتعالي أصوات منافسيه المتشددين، ضمن وضع يخشى الشارع الإيراني أن ينتهي به بين مطرقة رئيس متشدد شبيه بأحمدي نجاد وسندان الحرس الثوري، الذي اكتسب نفوذا سياسيا إلى جانب قوته الاقتصادية والعسكرية.
ويدفع المتشددون وفي مقدمتهم الحرس الثوري في إيران باتجاه تحميل روحاني، الذي كان الهدف من إيهام الغرب بأن إيران تتغير، فشل سياسة الانفتاح على الغرب، واعتبار الأزمة التي تعيشها البلاد نتاج فشل خياره الإصلاحي، وذلك بهدف امتصاص غضب الشارع، خاصة بعد تشديد العقوبات وبوادر عودة إيران إلى مصاف الدول المارقة.
عند انتخابه، خلفا للرئيس السابق محمود أحمدي نجاد المتشدد في آرائه عام 2013، كان روحاني يعتبر شخصية من داخل المؤسسة الحاكمة لن ينجز شيئا يذكر لإنهاء حالة المواجهة القائمة منذ فترة طويلة بين إيران والغرب. وبعد عامين وقّعت حكومته الاتفاق النووي مع القوى العالمية، الأمر الذي أثار الآمال في تغيير أوسع نطاقا.
أما الآن فإن سلطة روحاني بدأت تنحسر. وحكم على شقيقه الذي كان من المستشارين الرئيسيين في الاتفاق النووي لعام 2015 بالسجن باتهامات غير محددة تتعلق بالفساد، وأصبح منافس رئيسي من منافسيه يرأس القضاء كما أن حكومته تتعرض لانتقادات بسبب فتور ردها على الضغوط التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على البلاد من خلال العقوبات.
وقد قال ترامب إن رفع العقوبات في مقابل فرض قيود على برنامج إيران النووي لم يمنع طهران من التدخل في شؤون الدول المجاورة أو من تطوير قدراتها الصاروخية، وإن سعي روحاني للتواصل مع الغرب مجرد ستار.
غير أن الانسحاب الأميركي قبل عام من الاتفاق النووي وما تلاه من محاولات لوقف صادرات النفط الإيرانية أدى إلى زيادة حادة في التوتر الإقليمي. وقال الجيش الأميركي إنه يتأهب “لتهديدات ربما تكون وشيكة للقوات الأميركية” من قوى تدعمها إيران في العراق.
صلاحيات محدودة
الحرس الثوري الإيراني يروج لنفسه كبديل قادر على التحايل على العقوبات الدولية وحل ما تعجز عنه الحكومة في الداخل
الحرس الثوري الإيراني يروج لنفسه كبديل قادر على التحايل على العقوبات الدولية وحل ما تعجز عنه الحكومة في الداخل
حث روحاني قوى المعارضة على التعاون وأشار إلى حدود صلاحياته في البلاد، حيث تعمل الحكومة المنتخبة في ظل نظام الحكم الديني وأجهزة الأمن القوية والقضاء الذي يتمتع بنفوذ كبير. ونقل موقع رئاسة الجمهورية على الإنترنت عن روحاني قوله “لا مناص من فحص مدى السلطة التي تتمتع بها الحكومة في المجالات التي تثار التساؤلات حولها”، وذلك في محاولة في ما يبدو لدرء الغضب الشعبي من تراجع مستويات المعيشة.
ورد إبراهيم رئيسي، الذي أصبح رئيسا للقضاء في مارس، الذي يعد من المرشحين لخلافة المرشد الأعلى آية الله على خامنئي، بأن كل فروع نظام الحكم لديها سلطات كافية لتنفيذ مهامها. وفسرت وسائل الإعلام المحلية هذا التصريح بأنه تعنيف مباشر من رئيسي الذي خاض السباق الانتخابي أمام روحاني في انتخابات الرئاسة عام 2017.
أمام روحاني عامان قبل أن تنتهي فترة رئاسته غير أن بعض المحللين يقولون إنه إذا اعتبره الإيرانيون مسؤولا عن مشاكلهم فسيأخذ من يخلفه في المنصب على الأرجح موقفا متشددا من الغرب. وقال علي واعظ، مدير مشروع إيران بمجموعة الأزمات الدولي، إن المحافظين “لا يمكنهم أن يطلبوا حليفا أفضل من إدارة ترامب”.
وعندما أعلن روحاني أن إيران لن تواصل العمل ببعض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي الدولي بعد عام من انسحاب ترامب منه وصفت صحيفة كايهان اليومية المتشددة هذه الخطوة بأنها “متأخرة وتافهة”.
وجاء في مقال في الصحيفة “لو أن حكومة روحاني ردت بالمثل من البداية على وعود الولايات المتحدة وأوروبا لما وصل (الأميركيون والأوروبيون) إلى هذا المستوى من العداء والغطرسة”.
إقرأ أيضاً:
إيران تتبع شعار لا حرب ولا مفاوضات مع إدارة ترامب
كذلك فإن قيودا على وسائل التواصل الاجتماعي أيدها مسؤولون ورجال دين من التيار المتشدد تفرض المزيد من الضغوط السياسية على روحاني الذي وعد في حملتيْ الدعاية في انتخابات 2013 و2017 برفع هذه القيود.
وفي العام الماضي تم حجب تطبيق تليغرام للتراسل وكان من التطبيقات شائعة الاستخدام في إيران. كذلك حُجب موقع تويتر ووجه المتشددون أنظارهم إلى موقع إنستغرام الذي يستخدمه حوالي 24 مليون إيراني.
وفي تعليقاته السبت قال روحاني إن الحكومة لا تملك السلطة الكاملة على الفضاء السيبراني مؤكدا على حدود صلاحياته. وله ولمسؤولين آخرين من بينهم الزعيم الأعلى خامنئي حسابات نشطة على تويتر رغم الحظر المفروض.
وفي الشهر الماضي أغلق موقع إنستغرام عدة حسابات تحمل أسماء الحرس الثوري الإيراني الذي يمثل قوة عسكرية واقتصادية ذات نفوذ كبير في البلاد، وذلك بعد أن أدرجت واشنطن الحرس الثوري في قوائم التنظيمات الإرهابية.
ويسعى بعض النواب الآن إلى فرض حظر شامل على إنستغرام الذي يعد من منصات التواصل الاجتماعي القليلة التي لم يشملها الحجب. ونقلت وكالة فارس للأنباء عن جواد جاويدنيا، النائب المسؤول عن شؤون الفضاء السيبراني بمكتب المدعي العام في طهران، قوله الشهر الماضي، إنه سيتم حجب إنستغرام ما لم تتوصل الحكومة إلى وسيلة فعالة لمراقبة محتواه.
وفي الشهر الماضي أيضا قال محمد جواد أزاري جهرومي وزير الاتصالات في مقابلة مع وكالة رويترز إنه يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا بما فيها تويتر ويريد تقليل القيود.
لكنه أضاف أن قرارات فرض القيود تصدر بمرسوم قضائي. وأضاف “آية الله رئيسي بدأ في الآونة الأخيرة عمله في هذا المجال وسيتعيّن علينا معرفة رأيه في ذلك”، لكن وبالنظر إلى خلفية رئيسي لا يتوقع الإيرانيون تغييرا، بل تشدّدا أكثر.
ملء الفراغ
استغل المتشددون رد السلطات على السيول العارمة التي شهدتها البلاد في مارس لانتقاد الحكومة، فيما وجدها الحرس الثوري الإيراني وسيلة للدعاية لقدرته على الإنجاز والتدخل في مثل هذه الأحداث. وانتشر على نطاق واسع على وسائل التواصل الاجتماعي مقطع فيديو يوجه فيه قائد القوات البرية بالحرس الثوري انتقادا لاذعا للحكومة بعد زيارة منطقة منكوبة في كارثة السيول في غرب إيران أوائل أبريل.
ونشرت مواقع إخبارية تابعة للتيار المتشدد صورا لأعضاء من الحرس يقدمون المساعدة في القرى النائية.
واتهم ساسة متشددون وزير النفط الإيراني بيجن زنغنه، وهو من حلفاء روحاني وحاول جذب استثمارات بتبديد ثروة البلاد، وتعرض الوزير لانتقادات لعدم بذل المزيد للتحايل على العقوبات. واكتسب الحرس الثوري خبرات في الالتفاف على العقوبات من خلال خبراته على مر السنين وأصبح الآن يتطلع للفرص التي قد تسنح من القيود الاقتصادية الأميركية الجديدة.
وتسيطر شركة خاتم الأنبياء ذراع الهندسة والإنشاءات الضخمة التابعة للحرس على أكثر من 800 شركة تابعة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. ونقلت وكالة الطلبة الإيرانية للأنباء عن سعيد محمد، رئيس الشركة في معرض للنفط والغاز ، قوله إن الشركة لديها القدرة على تطوير مرحلة من حقل فارس العملاق أكبر حقول الغاز في العالم. وقال “هدفنا هو سد المساحة الخالية التي تركتها الشركات الأجنبية”.
العرب