بغداد – عادت المنطقة الخضراء التي لطالما كانت تمثل قوة نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وباتت بعده رمزاً للاحتلال الأميركي ثم أصبحت حكرًا على المسؤولين الحكوميين، لتفتح أبوابها لجميع العراقيين بعدما حرم غالبيتهم العظمى من المرور في هذه البقعة في قلب بغداد.
لم يتمكن العامة من الدخول إلى المنطقة الخضراء منذ 16 عاما، إلى أن أصدرت السلطات قبل أشهر قليلة قرارا يسمح بالمرور عبر شوارعها لساعات محدودة من كل يوم. لكن هذه المنطقة التي يمتد جزء كبير منها على ضفاف نهر دجلة، عادت اعتبارا من الثلاثاء، أول أيام عيد الفطر لتستقبل الجميع وسمح بالمرور في شوارعها ليل نهار.
وقال رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي خلال مؤتمر صحافي الأحد، إنه “مع بداية العيد ستفتح المنطقة الخضراء 24 ساعة وتفتح بوابات إضافية، بما في ذلك البوابة (المؤدية إلى) وزارة الدفاع” أمام العراقيين.
ويحتفل مسلمو العراق على غرار دول إسلامية أخرى، بعيد الفطر ابتداء من الثلاثاء.
ورحب أبو ماجد وهو سائق سيارة أجرة (49 عاما)، متحدثا من سيارته وسط زحام خانق فوق جسر الجمهورية (وسط)، بافتتاح المنطقة الخضراء، قائلا “الزحام سيقل والحركة ستكون أفضل” في الشوارع.
وأضاف الرجل الذي لم تطأ قدمه المنطقة الخضراء منذ سنوات طويلة بابتسامة “هذا فرح الناس”، قائلا “لأن الزحام سيقل في شوارع بغداد” بشكل كبير.
معالم ومجمعات ثقافية
تحمل هذه البقعة التي تتفرع منها شوارع واسعة لا تعرف الزحام وتنتشر على جانبيها أشجار خضراء جميلة، رموزاً كثيرة بالنسبة للعراقيين خصوصا للعاصمة بغداد المترامية الأطراف ويسكنها قرابة ثمانية ملايين نسمة.
بالإضافة إلى تخفيف معاناة الناس من الاختناقات المرورية خصوصا خلال موسم الصيف الحار الذي يستمر عدة أشهر، تحمل المنطقة الخضراء معاني كبيرة لهذه المدينة التي كانت عاصمة الدولة العباسية ومركزا ثقافياً مهماً لسنوات طوال، قبل أن يخطفها العنف الطائفي خلال الأعوام التي أعقبت غزو العراق.
حتى وقوع غزو العراق بقيادة الولايات المتحدة عام 2003، كانت هذه البقعة التي تقدر مساحتها بعشر كيلومترات مربعة وتمتد في قلب بغداد، موقعا لقصور رئاسية ومجلس النواب ومقار مهمة أخرى.
قبل ذلك الغزو، كانت أغلب منازل المنطقة الخضراء مخصصة للمسؤولين البارزين وأعضاء حزب البعث الذي حكم البلاد على مدى عقود، وتنتشر فيها تماثيل وأقواس حجرية مشابه للمسجد الأقصى في مدينة القدس، مع ذلك لم يكن المرور في شوارعها محرماً على العراقيين.
لكن بعد دخول دبابات الاحتلال إلى بغداد في أبريل 2003، تحولت هذه البقعة التي أخذت أسمها من مرقد مقدس يقع في أحد جوانبها، إلى منطقة خضراء على العكس من باقي أرجاء مدينة بغداد التي باتت منطقة حمراء بسبب تدهور الأمن وتصاعد العنف آنذاك.
ولم يعرف ما يدور في هذه القلعة المعزولة تماما بسبب وضع الحواجز الأسمنتية والأسلاك الشائكة حتى من جهة نهر دجلة، بعدما كانت تستقبل العائلات العراقية خصوصا في عطلة نهاية الأسبوع لزيارة المعالم الجميلة والمجمعات الثقافية.
خلال السنوات الماضية، لم يتمكن إلا قلة من العراقيين بعد الخضوع إلى سلسلة من الإجراءات الأمنية المشددة بما فيها الحصول على بطاقات خاصة، من الدخول إلى هذه المنطقة.
كسر الشعور المتعالي
لم يسكن تلك المنطقة خلال السنوات الماضية غير المسؤولين الحكوميين والسياسيين ومقربين من الأحزاب السياسية، بالإضافة للأميركيين والبريطانيين وأجانب تقع سفارتهم داخل هذه المنطقة التي تحظى بعناية فائقة من الخدمات فيما تعيش باقي مناطق بغداد واقعا معاكسا تماماً.
واعتبر المحلل السياسي غالب الشابندر، أن عودة افتتاح شوارع المنطقة الخضراء يحمل معاني كثيرة، قائلا إنه “كسر لغرور الموجودين في المنطقة الخضراء لأن هذه السواتر والموانع تجعلهم يشعرون بقوة ومنعة وأنهم متميزون عن الآخرين (…) وذلك سيساهم في كسر هذا الشعور المتعالي”.
من جانبه، يرى المحلل الأمني فاضل أبو رغيف، متحدثا أن إعادة فتح المنطقة الخضراء “تحمل مردودات محلية بكسب ود الناس وكسر الحواجز النفسية التي سببها تواجد المنطقة الخضراء”، مضيفا “على الصعيد الدولي يعد تأكيدا على أن الوضع الأمني أصبح مطمئنا ويمكن لشركات الاستثمار العمل في العراق، وبإن العراق أصبح كله منطقة خضراء”.
لكن أبو صادق (40 عاما) وهو عامل بأجر يومي في محل أجهزة كهربائية في وسط بغداد، قال بدون مبالاة “هل المنطقة الخضراء معجزة؟”، مضيفا “مر علينا 15 عاما (منذ سقوط نظام صدام حسين) ولم يقدموا لنا شيئا”. وأضاف هذا الرجل أن “الناس بحاجة لمعالجة البطالة وتحسين الخدمات مثل الكهرباء والماء والصحة وغيرها”.
العرب