توزيع أدوار إيرانية: وساطة يابانية تتزامن مع استهداف ناقلات النفط

توزيع أدوار إيرانية: وساطة يابانية تتزامن مع استهداف ناقلات النفط

لندن – كشف استهداف ناقلتي نفط في بحر العرب، الأربعاء، بالتزامن مع وساطة يقودها رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي لفائدة إيران، عن آلية تفكير المسؤولين الإيرانيين في إدارة الأزمة الحادة مع الولايات المتحدة، والتي تقوم على استراتيجية توزيع الأدوار بين مؤسسات النظام، حيث يناور السياسيون بعروض الوساطة فيما يتولى الحرس الثوري تنفيذ عمليات ضد ناقلات النفط بشكل مستقل لتأكيد سيطرة إيران على الملاحة الإقليمية ومقايضة أمن النفط برفع العقوبات الأميركية عنها.

وقالت شركات شحن إن ناقلتي نفط تعرضتا، الخميس، لهجمات في خليج عمان أسفرت عن اشتعال النار في إحداهما وتركت السفينتين تتقاذفهما الأمواج مما دفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة أربعة بالمئة بسبب مخاوف من تأثر إمدادات الخام من الشرق الأوسط.

واستعرت النيران في الناقلة “فرنت ألتير” في المياه التي تقع بين دول الخليج العربية وإيران بعد انفجار أرجعه مصدر إلى لغم ممغنط.

وانتشلت سفينة في المنطقة أفراد طاقم الناقلة النرويجية ونقلتهم إلى قارب إنقاذ إيراني.

وقالت الشركة المشغلة للناقلة الثانية إنها مملوكة لليابان وقد تم انتشال طاقمها بعد إصابتها في هجوم يشتبه في أنه نفذ بطوربيد.

وتلك الهجمات هي الثانية من نوعها قرب مضيق هرمز خلال شهر. وهو مضيق استراتيجي بالنسبة لإمدادات النفط العالمية.

وعزت مصادر دبلوماسية عربية في العاصمة البريطانية هذا التصعيد إلى أن إيران تدفع باتجاه الذهاب إلى حافة الهاوية مع إدارة الرئيس الأميركي ترامب، على أمل خلق واقع جديد يفضي إلى تعطيل العقوبات الأميركية التي أدت إلى الآن الغرض منها.

وتعتقد هذه الأوساط أن السلطات المتشددة في طهران باتت تعتقد أن الأجواء في واشنطن لا تحبذ أي حرب في الوقت الحاضر، مستفيدة من اكتفاء إدارة ترامب بإرسال حشود عسكرية إلى المنطقة دون أي ردة فعل على استهداف إمدادات النفط في الفترة الأخيرة، وهو ما فهم على أنه تعبير عن خلافات داخل البيت الأبيض بشأن التعاطي مع إيران.

وتلعب إيران على الخلافات داخل الولايات المتحدة، وعلى الخلاف بين ترامب وشركائه الأوروبيين، لربح الوقت وخلق حالة من الشك في أن أنشطتها التخريبية في المنطقة يمكن أن تقابل برد أميركي حاسم، وهو ما يفسّر تحريك الحوثيين لتنفيذ عمليات بشكل متكرر ضد أهداف سعودية.

ويقول متابعون إن الحرس الثوري يثبت دائما أنه صاحب القرار الأول في السلطة، وهو يعود بشكل مباشر في تلك القرارات إلى المرشد الأعلى علي خامنئي، لافتين إلى أن الهجمات سواء التي وقعت أمس أو قبل شهر هي من تنفيذ خلايا تابعة لهذا الجهاز، وهي تتحرك بمعزل عما يحدث على السطح من مواقف وتصريحات.

ومن الواضح أن فرق التنفيذ تمارس عملياتها بشكل مستقل دون اتصال بأي جهة حتى لا يتم تسجيل ذلك وإدانة الأجهزة المشرفة، وأنها تتصرف على أساس الأهداف المتاحة لها مسبقا، أي استهداف ناقلات النفط بقطع النظر عن مالكيها، وعن مكان انطلاقها أو وصولها، ولهذا هاجمت ناقلة يابانية رغم الوساطة اليابانية التي تهدف إلى إنقاذ إيران.

ويقول المراقبون إن هذه الخلايا تزودت بالتعليمات وانطلقت منذ فترة تتصيّد الأهداف ولا تتصل لكي لا تنكشف وهي طريقة عسكرية معروفة، إذ تسمح للسياسيين بالتبرؤ منها، ومحاولة استثمارها لتغيير الموقف لفائدة إيران.

ويرى الأكاديمي العراقي رحيم مزيد الكعبي أن استهداف ناقلتي نفط في بحر عُمان، يؤكد بما لا يقبل الشك بأن العقوبات الأميركية على إيران تأتي أُكلها، وأن طهران تريد بأي ثمن ما ينفس عليها طوق العقوبات.

وقال الكعبي في تصريح لـ”العرب”، “طهران لا تريد أن ترى نفسها في مشهد مكرر للسيناريو العراقي الذي ظل يرزح تحت الحصار لثلاثة عشر عاما أنهكته، وسهلت على الولايات المتحدة اجتياحه. بل تريد أن تخوض في الصراع المباشر قبل أن يتحرك الشارع الإيراني داخليا على وقع العقوبات، وهو مهيأ لذلك، خصوصا وأن التقارير الواردة من الداخل الإيراني تشير إلى تنامي الصعوبات التي يواجهها المواطن الإيراني معاشيا واقتصاديا”.

ويقول متابعون للشأن الإيراني إن تحدي صبر واشنطن قد يؤدي إلى نتائج عكسية، خاصة أن إدارة ترامب لا يمكن أن تستمر في تحمل التمادي الإيراني إلى ما لا نهاية. كما أن دول المنطقة لا تستطيع أن تتحمل أكثر، وهو ما يفسر الردود القوية للسعودية على استهداف المتمردين الحوثيين لمطار أبها الثلاثاء.

وقال تركي المالكي، المتحدث باسم التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إن استهداف السفن في خليج عمان تصعيد كبير، رابطا بينه وبين هجوم نفذه الحوثيون العام الماضي على ناقلة في البحر الأحمر.

وتحمل استراتيجية طهران في الدفع نحو حافة الهاوية مع واشنطن عواقب وخيمة على علاقة إيران بأميركا لوحدها، بل تدفع نحو مراكمة الأعداء، خاصة أن استهداف إمدادات النفط يمثل تعديا على مصالح أغلب دول العالم بما في ذلك الدول التي تبدي تعاطفا مع إيران بوجه العقوبات الأميركية، أو التي تتولى الوساطة مثل اليابان التي تضررت سفن تابعة لها في هجوم الخميس.

وبادرت الولايات المتحدة إلى الدعوة لعقد اجتماع عاجل لمجلس الأمن مساء الخميس لتدارس الهجوم وآثاره على حركة تصدير النفط.

وقال جوناثان كوهين القائم بأعمال السفير الأميركي لدى الأمم المتحدة خلال اجتماع للمجلس بشأن التعاون بين الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية “من غير المقبول من أي طرف مهاجمة سفن شحن تجارية والهجمات على سفينتين في خليج عمان تثير القلق بشدة”.

ويأتي هذا في وقت سعى فيه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى المناورة وإلقاء المسؤولية في الهجوم على جهات مجهولة في محاولة للحصول على دعم دول مثل روسيا والصين في مجلس الأمن.

وقال ظريف إن حادث ناقلتي النفط في خليج عمان “مريب” ودعا إلى حوار إقليمي لتجنب التوتر.

وذكر ظريف على تويتر “وردت أنباء الهجمات على ناقلتي النفط المرتبطتين باليابان” في خليج عمان بينما كان رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي يجتمع مع الزعيم الإيراني الأعلى آية الله علي خامنئي لإجراء “محادثات واسعة وودية”.

ويعتقد على نطاق واسع أن تصريح ظريف لا يعدو أن يكون جزءا من استراتيجية توزيع الأدوار التي تمارسها إيران منذ ثورة الخميني في 1979، حيث يكتفي السياسيون بإطلاق التصريحات الميالة للحوار والمشجعة للوساطات، فيما يتولى الحرس الثوري تنفيذ الأجندات الخفية المعبرة عن حقيقة موقف السلطات المتشددة في طهران.

العرب