خطة كوشنر وإسرائيل: حامل العصا لا يريد الجزرة؟

خطة كوشنر وإسرائيل: حامل العصا لا يريد الجزرة؟

عبّر الفلسطينيون، على اختلاف توجهاتهم السياسية، عن رفضهم لخطة جاريد كوشنر، مستشار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ذات الاسم الفني الشهير «صفقة القرن»، ورفض كل متعلقاتها، كما هو الحال بما يسمّى بورشة «الازدهار من أجل السلام» التي تعقد غدا وبعد غد في العاصمة البحرينية المنامة.
وباستثناء السعودية والإمارات والبحرين ومصر، فإن ردود فعل الدول العربية الأخرى، كالأردن والمغرب والكويت وقطر، وهي دول تعتبر قريبة سياسياً من الولايات المتحدة الأمريكية، كانت فاترة، وتناظرت مواقف بعضها مع ردود فعل شعبيّة قويّة رافضة انعكست اعتصامات وتظاهرات.
لا نفهم طبعاً كيف يتوقع كوشنر ونظراؤه من المسؤولين الأمريكيين الذين يتسابقون على التصريحات الداعمة لخط اليمين العنصري والاستيطاني الإسرائيلي، أن يكون موقف الفلسطينيين، المطعونين بقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقله سفارة بلاده إليها، وبمحاولة إلغاء قضيّة اللاجئين برمّتها، وبوقف المساعدات المالية للسلطة والأونروا، وبالتهجّم على القيادة السياسية الفلسطينية وتبرير جرائم إسرائيل ضد المدنيين، حين يؤمّلهم بخطة اقتصادية كبرى بعشرات المليارات، وبفتح الطريق بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وبضخّ الأموال الأمريكية والعربية والأوروبية، ثم يريدهم أن يصدّقوا أن كل ذلك ليس سوى ألعاب خفّة وحملة علاقات عامّة لسمسار عقاري عريق؟
ورغم كل الدفعات السياسية المسبقة التي قدمتها إدارة ترامب لإسرائيل، وتأجيل كوشنر إعلان البنود السياسية لخطته فقد ظهرت ردود فعل إسرائيلية سريعة تعترض على طروحاته، فزعيم المعارضة بيني غانتس رأى أن «تحسين الوضع الاقتصادي للفلسطينيين» يجب أن يكون جزءاً من مبادرة «تتضمن تجريد قطاع غزة من السلاح»، و«عودة الأسرى الإسرائيليين» لدى حماس، بل وحتى «منع وقوع عمليات في الضفة»، أما شريكه يائير لبيد فاعتبر أن من الواجب أن يوضح الإسرائيليون مسبقاً أن كل هذا «مشروط بعدم المس بحرية الجيش الإسرائيلي في كافة مناطق الضفة»، معتبراً فكرة الممر بين الضفة وغزة «فضفاضا وعند التنفيذ يجب أن تتوافر لإسرائيل» «ضمانات للحفاظ على أمنها».
تقدّم هذه «الاعتراضات» الإسرائيلية على خطة كوشنر، والتأكيدات المسبقة المذكورة ذات الطبيعة الأمنية، انطباعاً يخال معه المرء أن كوشنر يطرح، أو يمكن أن يطرح في المستقبل المنظور، طروحات سياسية يمكن أن تشتمّ منها إسرائيل استهانة بـ«أمنها» أو تقليلاً من «حرية الجيش الإسرائيلي» في استمرار انتهاكه أي سلطات ممكن إقرارها للفلسطينيين، أو تضييقاً على أجهزة إسرائيل الأمنية والعسكرية لوقف جرائمها ضد المدنيين، أو أن إسرائيل يمكن أن تلتزم أصلاً بأي طروحات تحد من جبروتها وغطرستها وتسلطها على الفلسطينيين.
يعرف الفلسطينيون، كما يعرف «ناصحوهم» العرب من المنخرطين في الترويج لـ«صفقة القرن» أن كوشنر لن يطرح طروحات تعترض عليها إسرائيل، وأن دولة الاحتلال لن تقبل، حتى لو طرحت تلك الطروحات، أن تلتزم بها، وأن هذه التصريحات لـ«حامل العصا» الإسرائيلي في اعتراض «جزرة» الصفقات الموعودة ليست إلا مناكفات بين «إخوة» المبدأ والمنهج والمصير.
وبناء على ذلك فإن «صفقة القرن» التي تعد بأموال قارون التي ستغيّر حياة الفلسطينيين الاقتصادية لن تكون في ممارستها الحقيقية التي ستشرف على تطبيقها إسرائيل و«الشركاء العرب» تختلف عن القرارات التي تطلقها السلطات الإسرائيلية للسماح بتوسيع مساحة الصيد للصيادين الفلسطينيين في غزة كيلومتراً أو إثنين في المساء، والتي لا تلبث أن تقوم بتقليصها حين يصيح الديك.

القدس العربي