النواة الصلبة للتحالف العسكري الذي يتصدّى للحوثيين في اليمن منذ أكثر من أربع سنوات، والمشكّلة من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ما تزال على صلابتها بفعل تضامن البلدين وإصرارهما على استكمال المهمّة التي بدأتاها والمتمثّلة أساسا في استعادة الدولة اليمنية، وصدّ محاولة إيران الإخلال بالتوازنات الاستراتيجية في المنطقة باستخدام وكلائها المحلّيين.
أبوظبي – أكّد وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الأحد، صلابة التحالف الذي يجمع بين بلاده والمملكة العربية السعودية في اليمن بمواجهة المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران، مشيرا إلى أنّ للتحالف أهدافا استراتيجية ما يزال يعمل على استكمالها باستخدام مختلف الأدوات السياسية والعسكرية.
وجاءت تصريحات الوزير الإماراتي لتزيل أيّ لُبس في تفسير عملية إعادة نشر القوات الإماراتية العاملة في اليمن التي أعلن عنها مؤخّرا لأسباب استراتيجية وتكتيكية، ولتؤكّد مواصلة بلاده أداء دورها الذي قامت به منذ قرارها الانخراط مع السعودية في مواجهة الحوثيين، الذين انقلبوا على السلطات المعترف بها دوليا واحتلوا العاصمة صنعاء وغزوا عددا من مناطق اليمن، ليتيحوا بذلك لإيران إمكانية الحصول على موطئ قدم في البلد الواقع جنوبي الجزيرة العربية والمشرف على ممرّ بحري استراتيجي.
وكتب قرقاش في تغريدة على تويتر “التحالف العربي في اليمن، وفي قلبه المملكة العربية السعودية الشقيقة ودولة الإمارات، صلب وقوي وعزّز آلياته امتحانُ الأزمة والحرب”.
وأشار الوزير إلى أنّ للتحالف دورا مستقبليا ما يزال ينوي الاضطلاع به، قائلا في التغريدة ذاتها “التحالف يستعد للمرحلة القادمة بأدواته السياسية والعسكرية وبإصرار على تحقيق أهدافه الاستراتيجية”.
الإمارات والسعودية أكبر الجهات الممولة للأعمال الإنسانية في اليمن وسددتا تعهداتهما التي بلغت العام الماضي 930 مليون دولار دفعة واحدة
وبالنظر إلى الارتباط الوثيق بين جماعة الحوثي وإيران وضبط الجماعة لتحرّكاتها السياسية والعسكرية وفق مقتضيات الأجندة الإيرانية، فإنّ اليمن يصبح بالضرورة جزءا من الأحداث المتسارعة في المنطقة، ومعنيا مباشرة بموجة التصعيد الحالية بين إيران من جهة، والولايات المتّحدة وعدد من حلفائها الإقليميين والدوليين من جهة مقابلة.
ويعتبر الخبراء العسكريون أنّ اليمن مرشّح لأن يكون مسرحا لأي إجراءات قد تقدم عليها الولايات المتحدة وحلفاؤها ضمن جهودهم لتأمين ممرات الملاحة البحرية في المنطقة وحماية التجارة الدولية عبرها، بما في ذلك ضمان انسيابية نقل نفط منطقة الخليج نحو الأسواق العالمية.
وشرعت واشنطن بالفعل في إجراء اتصالاتها بمختلف حلفائها الإقليميين والدوليين بهدف إنشاء هيكل أمني توكل له مهمّة حماية الملاحة البحرية في الخليج مرورا بمضيق هرمز ووصولا إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب بجنوب غرب اليمن.
ودافع وزير الشؤون الخارجية الإماراتي على إنجازات التحالف في اليمن رغم صعوبة الظرف وتعقّد المهمّة. وقال قرقاش “الحروب الحديثة معقّدة. وأفغانستان والعراق وسوريا أمثلة على ذلك. وبالمقارنة حقق التحالف العربي مجموعة من أهدافه الاستراتيجية وعلى رأسها صد محاولات تغيير التوازنات الاستراتيجية في المنطقة وعودة الدولة وتحرير الأرض، ويبقى أمامه مشروع الاستقرار السياسي واستدامته”.
ورغم أنّ المواجهة المباشرة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن كانت منذ مارس 2015 ضدّ ميليشيا الحوثي، فقد نُظر دائما إليها باعتبارها مواجهة ضدّ النفوذ الإيراني في المنطقة وضدّ محاولة إيران التمدّد عبر وكلائها الحوثيين جنوبي الجزيرة العربية وإيجاد موطئ قدم لها في اليمن بموقعه الاستراتيجي المطل على ممر بحري بالغ الأهمية للملاحة الدولية ولحركة التجارة العالمية، لاسيما مضيق باب المندب الذي يصل خليج عدن بالبحر الأحمر، ويفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا بمسافة لا تزيد عن الثلاثين كيلومترا.
ومن هذه الزاوية اكتسى تشكيل التحالف من عضويه الرئيسيين السعودية والإمارات بعدا استراتيجيا عبّر عنه الوزير قرقاش بإشارته إلى دور التحالف في الحفاظ على “التوازنات الاستراتيجية” التي سعت إيران عبر وكلائها الحوثيين إلى تغييرها والإخلال بها.
ويوصف الدور الإماراتي في اليمن بالمحوري كونه لم يقتصر على الجانب العسكري والأمني في مواجهة الحوثيين ودعم جهود تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرتهم والتصدّي بالتوازي مع ذلك لتنظيم القاعدة ومنعه من استغلال ظروف عدم الاستقرار للتمركز في جنوب البلاد وشرقها وفي استعادة المناطق التي سيطر عليها بالفعل وعلى رأسها مدينة المكلاّ مركز محافظة حضرموت، بل تعدّت الإمارات ذلك إلى القيام بدور إغاثي وإنساني وتنموي من خلال تقديمها كما كبيرا من المساعدات المتنوّعة التي ساهمت في تطبيع الحياة بالمناطق المستعادة من الحوثيين وشجّعت سكانّها النازحين عنها إلى العودة إليها والاستقرار فيها عن طريق إعادة الخدمات الأساسية إليها.
ومسّت المساعدات الإماراتية لسكّان المناطق اليمنية مختلف القطاعات وأكثرها حيوية مثل الماء والكهرباء والنقل والصحّة والتعليم. وفي وقت سابق أكد أنور قرقاش، أن السعودية والإمارات تأتيان في مقدّمة الجهات المانحة للعمل الإنساني في اليمن مذكّرا بأن الدولتين دفعتا مبالغ مالية كبيرة لمساعدة اليمنيين. وكتب في حسابه على تويتر “تُعد الإمارات والمملكة العربية السعودية أكبر الجهات المانحة للأعمال الإنسانية في اليمن، وستفيان دائما بالتزاماتهما”، مضيفا “في العام الماضي، سددتا تعهداتهما المشتركة، والتي بلغت 930 مليون دولار إلى الأمم المتحدة في دفعة واحدة، وهي الأكبر في تاريخ الأمم المتحدة”.
ولا تلغي الإمارات رغم مشاركتها الفاعلة في الجهد العسكري والأمني في اليمن مشاركتها في الجهد السياسي الهادف إلى حلّ القضية اليمنية بالطرق السلمية، وذلك بدعمها لجهود الأمم المتّحدة في هذا المجال عبر مبعوثيها إلى اليمن.
وزار المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة إلى اليمن مارتن غريفيث الإمارات مؤخّرا، حيث أجرى مباحثات مع وزيرة الدولة لشؤون التعاون الدولي ريم الهاشمي ووزير الدولة للشؤون الخارجية أنور قرقاش الذي قال “إن التحالف العربي يسعى إلى حل مستدام يعزز الأمن والاستقرار في المنطقة من خلال دولة يمنية قادرة ومؤسسات دستورية راسخة”، مشيرا “إلى ضرورة تطبيق بنود اتفاق ستوكهولم وإلى أهمية ضغط المجتمع الدولي لتطبيق الالتزامات الواردة في الاتفاق”.
العرب