جاء إعلان بريطانيا الانضمام إلى الجهود الأميركية لحماية الملاحة التجارية في الخليج من التهديدات الإيرانية، بعد تردد فرنسا وألمانيا في المشاركة العسكرية لحماية خطوط التجارة الدولية في المنطقة. والبلدان الأوروبيان من القوى الدولية الخمس المتبقية ضمن الاتفاق النووي الإيراني، الموقع عام 2015، والذي انسحبت منه أميركا العام الماضي. ولا تريد باريس وبرلين أن تشاركا في عمليات عسكرية مع الولايات المتحدة للحفاظ على محاولات إبقاء الاتفاق النووي حياً، حتى لو كانت عمليات حماية للسفن والناقلات المدنية من القرصنة الإيرانية.
وكان وزير الخارجية البريطاني السابق جريمي هنت أعلن عن قوة عسكرية بحرية أوروبية بعد التصعيد الإيراني مع بريطانيا، باختطاف ناقلة تحمل العلم البريطاني الشهر الماضي من خليج عمان، كرد على احتجاز بريطانيا ناقلة نفط إيرانية في مضيق جبل طارق لانتهاكها العقوبات على سوريا.
لكن هنت ترك منصبه في التغيير الوزاري لرئيس الوزراء الجديد بوريس جونسون، وتوجهت الحكومة البريطانية الجديدة إلى الخيار الأمثل وهو التعاون مع الولايات المتحدة وقواتها البحرية في الخليج لحماية السفن التجارية.
ضعف قدرات
منذ منتصف الشهر الماضي تتعالى الأصوات في بريطانيا، خصوصاً من قبل عسكريين متقاعدين وخبراء استراتيجيين، مطالبة بضرورة إعادة النظر في ميزانية وزارة الدفاع والعمل بسرعة على تعزيز القدرات الدفاعية البريطانية بعد عقود من التدهور، خصوصاً في قوة الأسطول الملكي البريطاني.
وزاد من ذلك الشعور بالعجز البحري، خصوصاً لجهة الدفاع عن المصالح البريطانية خارج شواطئها المباشرة، أن الناقلة التي احتجزتها إيران لم تتمكن من تلقي أي مساعدة من الفرقاطة البريطانية الوحيدة التي كانت تجوب الخليج في ذلك الوقت، أتش أم أس مونتروز، لأنها كانت على بعد نحو ساعة من موقع الحدث.
وأرسلت بريطانيا مدمرة أخرى إلى الخليج، أتش أم أس دنكان، لكن ذلك لا يعد كافياً لمرافقة نحو 30 سفينة تجارية تحمل علم بريطانيا تمر يومياً في الخليج. وذكر بعض السياسيين البريطانيين أن الولايات المتحدة عرضت على بريطانيا في السابق المساعدة، لكن حكومة تريزا ماي ترددت في قبول المساعدة التزاماً منها بالموقف الأوروبي الساعي إلى الحفاظ على الاتفاق النووي وتجنباً لتصعيد أكبر مع إيران.
لكن حكومة جونسون لا ترى غضاضة في تعويض ضعف قدرات الأسطول الملكي الموجود في الخليج بالتعاون مع الأسطول الأميركي، الذي يفوقه أضعافاً من حيث العدة والعدد. إذ ليس لدى بريطانيا سوى فرقاطة واحدة ومدمرة واحدة، وتستعد لإرسال فرقاطة أخرى إلى الخليج خلال أسابيع، بينما يوجد لدى الولايات المتحدة ضمن الأسطول الخامس في الخليج حاملتا طائرات و21 سفينة حربية وأكثر من 100 طائرة مقاتلة، إضافة إلى عدد من القوارب والزوارق المسلحة. ويعمل على تلك القطع البحرية ما يصل إلى 20 ألفاً من قوات مشاة البحرية الأميركية.
أشكال التعاون
ويمكن لبريطانيا الاستفادة من أحد عوامل القوة لدى الأسطول الأميركي في الخليج، وهي طائرات الاستطلاع البحري التي لا تملك بريطانيا أياً منها ويمكنها مراقبة السفن التجارية في خطوط الملاحة الدولية في الخليج وتحذيرها بشكل مبكر في حال اقتراب أي خطر إيراني منها.
وهناك أيضاً الدعم العسكري الأميركي الجوي والصاروخي من التعزيزات العسكرية على سواحل الخليج المقابلة لإيران. فمقابل التعزيزات العسكرية الأميركية التي أرسلت إلى قاعدة العديد في قطر، هناك قدرات عسكرية أميركية منتشرة في دول الخليج يمكن للبريطانيين الاستفادة منها ضمن عمليات حماية الملاحة الدولية المشتركة مع الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد
لماذا رفضت ألمانيا دعوة أميركا للمشاركة في تأمين هرمز؟
وزير الخارجية البريطاني: لن يكون هناك تبادل للناقلات مع إيران
كما يمكن أيضاً لقطعتي الأسطول الملكي البريطاني الموجودتين في الخليج حالياً التنسيق مع قطع الأسطول الخامس الأميركي في مرافقة السفن التجارية التي يفترض احتمال مسارها التعرض لخطر، والاستجابة المشتركة لأي تحذيرات من طائرات الاستطلاع وأجهزة الرادار البحري الأميركية.
وسبق أن تعاون البريطانيون مع الأميركيين في حماية خطوط الملاحة الدولية في المنطقة أثناء “حرب الناقلات” في الثمانينيات خلال الحرب العراقية- الإيرانية. لكن الأسطول الملكي البريطاني كان لديه 40 فرقاطة و10 مدمرات في ذلك الوقت.
ملك البحار الذي تراجع
يشهد الأسطول الملكي البريطاني تراجعاً منذ منتصف القرن الماضي، بعدما كان خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين أقوى أسطول عسكري بحري في العالم، حتى سمي أيام الإمبراطورية البريطانية “ملك البحار”.
ويرى بعض المحللين وكتاب الرأي البريطانيين أن زيادة سطوة السياسيين ومسؤولي السياسات المالية على القرار البريطاني أدت إلى تقليص القدرات الدفاعية بما يشكل خطراً على مصالح بريطانيا. فبعدما كان نصيب الإنفاق العسكري من الناتج المحلي الإجمالي البريطاني 6 في المئة في الخمسينيات من القرن الماضي، لا يزيد الآن على 2 في المئة فقط.
وعلى مدى تلك العقود عمدت الحكومات البريطانية المتتالية، سواء من المحافظين أو العمال، إلى خفض الميزانية العسكرية، خصوصاً بعد نهاية الحرب الباردة. ويدلل كثيرون على مخاطر تلك السياسة بالمقارنة بين قدرات الأسطول الملكي البريطاني خلال حرب الفوكلاند في 1982/1983 وقدراته الحالية.
فخلال حرب الفوكلاند مع الأرجنتين كان لدى الأسطول الملكي حاملتا طائرات و12 مدمرة و43 فرقاطة و4 سفن هجومية و16 غواصة و23 كاسحة ألغام و12 سفينة مسح بحري. بينما لا يوجد الآن سوى حاملة طائرات تنتظر دخول الخدمة وأخرى تحت الإنشاء و6 مدمرات و15 فرقاطة (منها ما هو تحت الإنشاء وما ينتظر دخول الخدمة) و10 غواصات و15 كاسحة ألغام وخمس سفن مسح.
وعود التطوير
تعهد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في تصريحات له أثناء انتخابات حزب المحافظين، بزيادة ميزانية الدفاع بنسبة 25 في المئة. لكن في ظل التحديات الاقتصادية التي يمكن أن تواجهها حكومته، خصوصاً في ملف البريكست، لا يتوقع أن تتمكن الحكومة من الوفاء بهذا التعهد.
يذكر أنه في عام 2010، خلال فترة رئاسة ديفيد كاميرون للحكومة، أعلن عن تخصيص أكثر من 3 مليارات دولار لتطوير القدرات التكنولوجية العسكرية لدى وزارة الدفاع، إلا أن الحكومة نكصت عن وعدها وتأجل مشروع التطوير حتى الآن.
ويشعر القادة العسكريون، كما تنقل وسائل الإعلام البريطانية عن بعضهم من الحاليين والمتقاعدين، بأن الوقت حان لتعيد بريطانيا التفكير في تطوير قدراتها العسكرية، خصوصاً قدرات الأسطول الملكي البريطاني لتفادي وضع الضعف في مواجهة أي أزمة مقبلة.
ويقول بعض هؤلاء إن بريطانيا بالكاد تستطيع مراقبة شواطئها حالياً، لكن قدرات أسطولها ما وراء البحار أضعف من بقية شركائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو). وعلى الرغم من أن بريطانيا من الدول الملتزمة بمساهمتها في ميزانية دفاع الحلف إلا أنها بحاجة لتقليل الاعتماد على الحلف (الذي تحكمه أحياناً تجاذبات سياسية) وتطوير الاعتماد على الذات للدفاع عن نفسها وعن مصالحها.
ولأن بريطانيا جزيرة كبيرة، ونحو 90 في المئة من التجارة الدولية تتم عن طريق النقل البحري، يفترض أن يحظى الأسطول الملكي باهتمام أكبر في أي خطط لتطوير القدرات العسكرية البريطانية.
اندبندت العربي