بغداد – أطلقت سلسلة من الهجمات التي طالت معسكرات ومخازن سلاح تابعة للحشد الشعبي في العراق، معركة سياسية سرية، بين الحكومة وفصائل مسلحة موالية لإيران، تضغط بهدف دفع العراق إلى شراء منظومة أس-400 الروسية للدفاع الجوي.
وصعدت الفصائل العراقية الموالية لإيران، ضغطها على رئيس الحكومة عادل عبدالمهدي، ليتقدم بطلب رسمي إلى موسكو للحصول على المنظومة، عندما تعرض، قبل أيام، مخزن للسلاح في بغداد، تابع للحشد الشعبي، إلى تفجير غامض، قيل إن طائرات إسرائيلية مسيرة تسببت فيه.
وغذت هذه الفصائل تحليلات إعلامية تدعم رواية مسؤولية إسرائيل عن الهجوم، وهجمات أخرى مماثلة في وقت سابق، لتنتقل إلى الحديث علنا عن “استباحة الأجواء العراقية، من قبل الولايات المتحدة”.
وبدا أن رئيس الوزراء العراقي، استجاب جزئيا لهذه الضغوطات، عندما أصدر قرارا بإلغاء جميع الموافقات الصادرة لجهات عراقية أو أجنبية، بالتحليق في أجواء البلاد.
واعتبرت الفصائل الإيرانية استجابة عبدالمهدي انتصارا لها، وسوقت قرار رئيس الحكومة على أنه موجه إلى الطيران الأميركي.
لكن مسؤولا بارزا في مكتب رئيس الوزراء العراقي أبلغ “العرب” بأن “عبدالمهدي تشاور مع ممثلي الجيش الأميركي في قيادة العمليات المشتركة العراقية، قبل إصدار قرار حظر الطيران”.
وقال المصدر إن “اتفاقية الترتيبات الأمنية بين واشنطن وبغداد، منحت الولايات المتحدة حق الإشراف على الأجواء العراقية، بالتنسيق مع جهات محلية”. وأضاف أن “قرار حظر الطيران، لم يمس هذا الحق، فعمليا لا يمتلك العراق الأدوات اللازمة لفرض السيادة الجوية على أجوائه”.
وتابع أن “القرار المتعلق بحظر الطيران، يعيد مركزة موافقات التحليق في الأجواء العراقية داخل مكتب رئيس الحكومة نفسه، لكن الإشراف الأميركي على إدارة العملية برمتها، مستمر”، ما يحول حديث الفصائل العراقية الموالية لإيران، عن نجاحها في انتزاع قرار منع الطيران الأميركي من التحليق في العراق، إلى فرقعة إعلامية.
لكن هذه الفصائل، وفقا لمصادر مطلعة، تريد الانتقال بقرار عبدالمهدي المتعلق بحظر الطيران، إلى مستوى عملي أعلى، من خلال الضغط على رئيس الوزراء للبدء في عملية شراء أنظمة دفاع جوي متطورة، تسمح للعراق باحتكار حق السيادة في أجوائه.
وتقول المصادر إن الفصائل العراقية الموالية لإيران تستخدم أبا جهاد الهاشمي مدير مكتب رئيس الوزراء، منصة للضغط على عبدالمهدي، بهدف التقدم بطلب رسمي إلى الروس لشراء منظومة دفاع جوي متطورة.
ويمكن لخطوة من هذا النوع، في حال أقدم عليها عبدالمهدي فعلا، أن تتسبب في إغضاب الولايات المتحدة، التي تمنع حلفاءها من شراء هذا النوع من أدوات الدفاع الجوي.
وسبق للعراق، خلال ولاية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي أن قام بعملية جس نبض لموقف الولايات المتحدة، في حال رغبت بغداد في عقد صفقة من هذا النوع مع روسيا، إذ تسرب حينها أن الرفض الأميركي كان حاسما.
العراق لا يمتلك الأدوات اللازمة لفرض السيادة الجوية على أجوائه
ويعتقد مراقبون أن ضغط حلفاء إيران على العراق لشراء منظومة الدفاع الجوي الروسية المتطورة، لا يتعلق بحماية أجواء البلاد وحفظ سيادتها، قدر تعلقه برغبة طهران في توفير خطوط دفاع داخل الأراضي العراقية، يمكن استخدامها في حال اندلاع نزاع مسلح مع الولايات المتحدة.
وتقول أوساط سياسية في بغداد إن امتلاك العراق لمنظومة الدفاع الجوي الروسي أس-400 يعني وضعها تحت السيطرة الإيرانية، وهو ما لا يمكن للولايات المتحدة قبوله.
ويمكن أن تحمل الأيام القليلة القادمة تطورات تكشف مدى استعداد الحشد الشعبي للمضي قدما في استفزاز الولايات المتحدة، من خلال التعرض لطائراتها المسيرة في الأجواء العراقية، بحجة أنها ممنوعة من التحليق فيها.
وتسبب تحركات من هذا النوع، حرجا بالغا لرئيس الحكومة العراقية، الذي يجد نفسه بين مطلبين شديدي الصعوبة، يتمثل الأول في ضمان الدعم الأميركي، ويتعلق الثاني بالخشية من إغضاب الإيرانيين، الذي قد يترجم إلى عمل سياسي لإسقاط عبدالمهدي نفسه.
ويرى مراقب سياسي عراقي أن أطرافا في الحشد الشعبي تضع رئيس الوزراء في زاوية حرجة حين تطالبه بتوقيع صفقة مع الروس من أجل شراء منظومة دفاع جوي يعرف الجميع أنها لن تمر بسبب الفيتو الأميركي، لافتا إلى أن تلك الضغوط تحركها إيران.
وسبق لإسرائيل أن ضربت غير مرة مخازن الأسلحة الإيرانية في سوريا وهي غير مستعدة للقبول بإقامة مخازن إيرانية بديلة في العراق، وكان ذلك بمباركة الولايات المتحدة التي تدرك أن إيران لن تحارب من داخل أراضيها إذا ما وقعت الحرب بل إنها ستوجه صواريخها إلى إسرائيل أو إلى أي موقع عربي في الخليج من داخل الأراضي العراقية.
غير أن الغارة الإسرائيلية المفترضة على معسكر الحشد الشعبي وضعت حدا لذلك المسعى وهو ما سيدعو الطرف العراقي إلى أن يبذل قصارى جهده من أجل الحيلولة دون إقامة مخازن أسلحة جديدة في المدن بسبب ما يمكن أن يشكله وجود تلك المخازن من خطر على قدرتها على السيطرة.
وعبر المراقب عن اعتقاده بأن إيران ستظل تضغط من خلال ممثليها في البرلمان العراقي من أجل استصدار قرار يدعو إلى إخراج القوات الأميركية من العراق، وهو ما لن تتمكن الحكومة العراقية من تنفيذه إلا إذا قررت الولايات المتحدة أن العراق بات في مأمن من تهديدات داعش، وهو قرار غير متوقع في ظل استمرار الجيش الأميركي في الحديث عن استمرار داعش في تهديد المدن العراقية.
العرب