تبادل حزب الله وإسرائيل الأحد إطلاق النار عبر الحدود الجنوبية للبنان، في حادثة نادرة منذ آخر حرب بينهما قبل أكثر من عقد، وبعد أسبوع من توتر أثار أسئلة حول احتمال اندلاع معركة بين العدوين أو الاكتفاء بإعادة تثبيت قواعد الاشتباك.
ويتفق المحللون على أن حزب الله وإسرائيل لا يريدان الحرب، بل درسا خياراتهما بأفضل طريقة تحول دون اندلاعها.
رد مدروس؟
أعلن حزب الله الأحد تدمير آلية عسكرية إسرائيلية في منطقة أفيفيم قرب الحدود الجنوبية للبنان، ورد الجيش الإسرائيلي بإطلاق نحو مئة قذيفة على أطراف قرى لبنانية حدودية.
ونفت إسرائيل مقتل أو إصابة أي عنصر من قواتها في الهجوم، على عكس ما أعلن حزب الله الذي أفاد بسقوط قتلى وجرحى.
ولم يطل التوتر، لكنه جاء بعد أسبوع على مقتل اثنين من عناصر حزب الله في غارة إسرائيلية قرب دمشق، بحسب ما أعلن الحزب، وعلى اتهام الحزب لإسرائيل بشن هجوم بطائرتين مسيرتين على الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب اللبناني.
وأطلق حزب الله على المجموعة التي شنّت الهجوم الأحد اسم عنصريه اللذين قتلا في دمشق.
وتقول أستاذة العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية، أمل سعد: “الرد كان مدروساً جداً، وأستطيع أن أعتبره رداً مسؤولاً”، مضيفة أن المهمة كانت “عدم تصعيد الوضع وحماية لبنان” من أي نزاع.
وكان نائب الأمين العام لحزب الله، نعيم قاسم، استبعد قبل أيام عدة اندلاع حرب. وقال في مقابلة مع قناة روسيا اليوم: “أستبعد أن تكون الأجواء أجواء حرب، الأجواء هي أجواء رد على اعتداء وكل الأمور تقرر في حينه”.
وفي العامين 2015 و2016، استهدف حزب الله آليات عسكرية إسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة رداً على غارات إسرائيلية استهدفت مقاتليه في سوريا، من دون أن تتطور الأمور أكثر من كونها مجرد رد.
هل انتهى التصعيد؟
وبرغم احتواء التطورات، أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أنه أعطى أوامره لأن يكون الجيش الإسرائيلي “جاهزاً لكل السيناريوهات”.
ويبدو أن رد حزب الله لن يتوقف هنا. وكان الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، توعد بالرد على الهجومين الإسرائيليين (في سوريا ولبنان)، وبإطلاق النار على كل الطائرات المسيرة الإسرائيلية التي تحلق في الأجواء اللبنانية. وتجوب طائرات استطلاع إسرائيلية باستمرار أجواء لبنان.
وقال مصدر مقرب من حزب الله، الأحد، إن ما حصل هو رد على غارة دمشق، “أما الرد الثاني فلم يبدأ بعد وسيكون جواً بمواجهة المسيّرات الإسرائيلية”.
وتقول سعد: “لا أتوقع أن يكون الرد من النوع الذي يؤدي إلى اندلاع حرب”.
ويتفق معها أستاذ العلوم السياسية، كريم بيطار، الذي يوضح أن “التصعيد السريع ليس من مصلحة أي من الطرفين”.
لكن الأمر لا يتعلق بهما فقط، بل يرتبط بشكل أساسي بالدولتين الداعمتين لهما، إيران والولايات المتحدة، اللتين يزداد التوتر بينهما بشكل متزايد منذ انسحاب واشنطن من جانب واحد في أيار/مايو 2018 من الاتفاق النووي الإيراني.
ويوضح بيطار أن سياسة الإدارة الأمريكية بفرض “أقصى الضغوط على طهران لا تهدف فقط الى إضعاف الاقتصاد الإيراني، بل أيضاً إلى تكسير أجنحة إيران بإضعاف حلفائها في العراق وسوريا ولبنان”.
وتزامن الهجومان الإسرائيليان ضد حزب الله في سوريا ولبنان مع اتهام الحشد الشعبي العراقي إسرائيل بشن غارات بطائرتين مسيرتين الأحد ضد نقطة تابعة لفصيل شيعي تدعمه إيران قرب الحدود السورية العراقية.
وفي 29 آب/أغسطس، فرضت واشنطن عقوبات على مصرف لبناني اتهمته بتقديم خدمات مصرفية لحزب الله الذي يخضع مسؤولون فيه لعقوبات من واشنطن.
ولا بدّ أيضا من أخذ عامل آخر بالاعتبار، هو الانتخابات الإسرائيلية المقرر إجراؤها في 17 أيلول/سبتمبر.
ويقول بيطار: “يظهر التاريخ خلال السنوات الـ20 الماضية أن فترات الانتخابات تساعد على حصول توترات”.
ميزان الردع؟
ويعد حزب الله لاعباً رئيسياً على الساحة السياسية في لبنان، ويمتلك ترسانة أسلحة ضخمة تتضمن صواريخ دقيقة لطالما حذرت إسرائيل منها. كما يقاتل في سوريا إلى جانب قوات النظام بشكل علني منذ عام 2013.
إثر هجوم الضاحية، اعتبر حزب الله الحادث “أول خرق كبير وواضح لقواعد الاشتباك التي تأسست بعد حرب تموز 2006” التي اندلعت إثر إقدام الحزب على أسر جنديين إسرائيليين في 12 تموز/يوليو، فردت إسرائيل بهجوم مدمر استمر 33 يوماً، قتل فيه 1200 لبناني، غالبيتهم من المدنيين، و160 إسرائيليا غالبيتهم جنود.
وانتهت الحرب بصدور القرار الدولي 1701 الذي أرسى وقفاً للأعمال الحربية بين لبنان وإسرائيل.
وكان نصر الله قال إن الرد على الهجوم الإسرائيلي “ليس رد اعتبار، إنما يرتبط بتثبيت معادلات وتثبيت قواعد الاشتباك”.
وتقول أمل سعد: “حزب الله مقتنع بأن أي رد هو تحرك يهدف أساساً إلى تفادي اندلاع حرب، وهو ضروري لإعادة تثبيت ميزان الردع”.
ويرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، هلال خشان، أنه “ليس أمام حزب الله الكثير من الخيارات حين يتعلق الأمر بالرد على إسرائيل”.
وقد تكون الحرب مكلفة على حزب الله في حال اندلاعها. فبرغم ترسانته العسكرية، فإن إسرائيل تعتمد أساساً على تفوقها الجوي.
وبرغم ترجيحه عدم اندلاع حرب، يرى خشان أن هجوم الضاحية الجنوبية أطلق نوعاً جديداً من المواجهة، “وهو تصعيد قد يفتح الباب أمام عمليات اغتيال في صفوف حزب الله”.
القدس العربي