قالت الغالبية العظمى في استطلاع للرأي أجرته الجزيرة نت إن الدول العربية لن تربح من الحرب التجارية وحرب العملات التي أطلق شرارتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وعبرت 82% من الآراء التي رصدت خلال الفترة من 5 إلى 12 سبتمبر/أيلول الحالي عن قناعتها بأن العرب سيخسرون من الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأميركية والصين.
وأدلى نحو ألف مشارك برأيهم في الاستطلاع الذي استفسر عن “هل تعتقد أن العرب سيربحون من حرب العملات والنزاع التجاري بين أميركا والصين؟”.
وبدا 18% فقط من المستجوبين في استطلاع الجزيرة نت مقتنعين بأن العرب سيربحون من نزاع الكبار.
ودخل العملاقان الاقتصاديان، الولايات المتحدة والصين، حربا تجارية منذ العام 2018 بفرض رسوم جمركية بمليارات الدولارات على بضائعهما المستوردة المتبادلة بينهما، مما أثر في باقي اقتصادات العالم.
وفي حين أعلن ترامب أن بلاده تجني مبالغ كبيرة من الرسوم المفروضة على المنتجات الصينية، قد يصل إجماليها إلى مئة مليار دولار، إلا أنه أشار إلى المحدثات بين البلدين للتوصل إلى اتفاق ينهي هذه الحرب تمضي على نحو جيد.
قال أحد المشاركين في الاستطلاع “واخدين على الخسارة” ، وقال آخر “الدول الاستهلاكية مع الطرف الرابح فقط لأنها خلقت لتشتري بضاعة القوي اقتصاديا، وخاصة العرب.. ودول الخليج”.
وجاء في أحد التعليقات “العرب يخسرون دائما”، أما تعليق آخر فورد فيه “نحن مستهلكون فقط ونلعب دور المتفرج”.
ووصف أحد المشاركين الحرب التجارية وحرب العملات بين أميركا والصين ودول أخرى بأنه “أسلوب أميركي جديد للحصول على ما تبقى في جيوب الفقراء لصالح الأثرياء”. وقال آخر “لو كانوا سيربحون لربحوا من زمان”.
بالمقابل دعا أحد المشاركين إلى استثمار الحرب التجارية، وقال “لازم يستغلوها طبعا”، أما آخر فقال “هناك فائدة طفيفة فقط”.
وبلغ حجم التجارة بين الدول العربية والصين نحو 244 مليار دولار العام الماضي، بزيادة 28% على أساس سنوي، كما أشار إلى ذلك تقرير بوكالة شينخوا الصينية الرسمية.
وبلغت الصادرات الصينية نحو العرب 104 مليارات دولار، في حين وصل الاستثمار الصيني المباشر بكافة القطاعات العربية 1.2 مليار دولار في العام 2018.
كما بلغت العقود الجديدة التي أبرمتها الشركات الصينية في الدول العربية 35.6 مليار دولار بزيادة 9% مقارنة بالعام 2017.
لماذا حرب العملات؟
تقع حروب العملات غالبا بين الدول الصناعية من أجل تعزيز صادراتها الخارجية، ودعم المنافسة لدى شركاتها.
وتلجأ هذه الدول لخفض عملاتها تجاه العملات الأخرى لتستطيع تصدير أكبر قدر ممكن من منتجاتها نحو الخارج بأسعار تفضيلية.
يقول الرئيس التنفيذي لشركة الدار لأعمال الصرافة بقطر جمعة المعضادي في حديث للجزيرة نت إن حرب العملات بين الصين وأميركا مردها إلى رغبة الطرفين في تحسين الشروط الخاصة بالاتفاقية الاقتصادية بينهما، وهي اتفاقية غير واضحة حاليا لكن سيكون لها تأثير في أسواق الشرق الأوسط.
ويشير إلى أن الصين والولايات المتحدة تشكلان أكثر من نصف أسواق العالم لجهة التصدير والاستهلاك العالميين.
ويعتقد المتحدث ذاته أن أميركا بما تملكه من إمكانيات كبيرة وخصوصا في قوانين العرض والطلب لا تزال المسيطرة على العمليات الاقتصادية والمالية والنقدية بالعالم.
لكن استدرك بالقول “يمكن للصين أن تصبح قوة مهيمنة إذا غيرت قوانينها، إما إذا ظلت وقوانينها بالصورة الحالية والقائمة على التوجيه فإن هيمنتها على العالم ستتأخر.
وفي أغسطس/آب الماضي وصفت الإدارة الأميركية الصين بكونها تتلاعب بعملتها عندما سمحت لليوان بأن ينخفض إلى ما دون سبع يوانات للدولار الواحد، بينما نفت بكين هذه الاتهامات، وهو ما أكده صندوق النقد الدولي أيضا.
يعتقد المعضادي أن حرب العملات بين أميركا والصين لن يكون لها تأثير يذكر على الأسواق العربية في الوقت الحالي، لكن إذا استمرت هذه حرب في المستقبل فسيكون هناك تأثر إيجابي، حيث ستستفيد الأسواق العربية من المنتجات الصينية أو الأميركية بسبب احتمالات انخفاض أسعارها.
أما بالنسبة للأسواق الخليجية -يقول المعضادي- فهي تعتمد على تأرجح العلاقة بين الدولار واليوان، ذلك أن عملات هذه الدول مرتبطة بالعملة الأميركية. ففي حال انخفض اليوان ستصبح السلع الصينية متوفرة، والعكس صحيح إذا انخفض الدولار ستتعزز أسواق الخليج بالبضائع الأميركية.
وغير بعيد عن هذه القناعات، يقول المدير العام لشركة “المستشارون المؤتلفون” قاسم محمد قاسم “أنظر إلى النواحي الإيجابية لحروب صرف العملات الأجنبية على الدول المستوردة خاصة بالنسبة لعالمنا العربي”.
مثل هذه الحروب -يضيف قاسم- تساعد في خفض تكلفة الاستيراد من منطقة العملة المنخفضة وترفع كلفة السلع من منطقة العملة المرتفعة.
ورغم حروب ترامب فإن الخصومة التجارية بين أميركا والصين -وهي محور اهتمام إدارة ترامب التي ترفع شعار أميركا أولا- زادت إلى أعلى مستوياتها خلال ستة أشهر، حيث ارتفع عجز تجارة السلع الأميركية مع الصين بنسبة 9.4% إلى 32.8 مليار دولار في يوليو/تموز المنصرم.
بالنسبة للدول المصدرة للنفط فإن التأثيرات تتحدد انطلاقا من قيمة الدولار في الأسواق، صعودا ونزولا، لكون النفط مقوما بالدولار الأميركي، كما يعتقد قاسم محمد قاسم في حديث للجزيرة نت.
أما المستشار الاقتصادي عبد الرحيم الهور فيرى أن العالم العربي جزء من المنظومة الاقتصادية العالمية، وبالتالي فإن كل ما يؤثر في هذه المنظومة يؤثر في العالم العربي في نواحي الاستهلاك والصناعات التحويلية وصادرات النفط والغاز.
ويضيف في حديث للجزيرة نت أن تأثر للتجارة العالمية بسبب الصراع بين الولايات المتحدة والصين سيؤثر بالضرورة على الدول المصدرة للنفط والدول الاستهلاكية التي تعتمد على الواردات.
وبدا الهور مقتنعا بأن الصراع التجاري الحالي وما تبعه من حرب عملات، سيؤدي في نهاية المطاف إلى ظهور عملات رقمية جديدة على المستوى العالمي، وقال إن ما وصفه بالمخاض سيؤدي إلى ولادة عملات رقمية وانتشار تقنية البلوكشين التي ستصبح مسيطرة في المستقبل القريب، وفق اعتقاده.
وتتجاوز تجارة الولايات المتحدة مع بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مئة مليار دولار، في حين تشير بيانات غرفة التجارة الأميركية العربية الوطنية إلى أن الصادرات الأميركية نحو الأسواق العربية فاقت نحو ستين مليار دولار بتقديرات العام 2017، لكن هذه الصادرات في تراجع.
المصدر : الجزيرة + وكالات