“إن سباقًا لاقتناء طائرات الدرون سينشأ في منطقة الشرق الأوسط”.. بهذه الكلمات حذر الباحث والمحلل السياسي علي حسين باكير من تداعيات الاستخدام المتزايد للطائرات المسيرة على مستقبل منطقة هي بالأصل رخوة أمنيًا ودخلت في صراعات لا تعرف لها مخرجًا.
فمع تعقد المشهد السياسي في دول الشرق الأوسط، وطول أمد الصراعات فيها، وعدم وجود مؤشرات لحلول مستقبلية، أخذت الحروب والنزاعات في المنطقة في الآونة الأخيرة تأخذ منحى جديدا غير تقليدي، لا سيما عبر استخدام الطائرات المسيرة (الدرون) كسلاح فعال، خاصة في ظل الظروف الراهنة المعقدة.
فحقيقة أن الطائرات المسيرة غير معقدة ورخيصة الكلفة وقادرة على التخفي عن أجهزة الرادارات، ومجهولة المصدر أغلب الأحيان، ما يتيح لمستخدميها فرصة التملص من مسؤولية استخدامها، ويجعلها سلعة مرغوبة للغاية للذين يرغبون في تمرير أجندتهم بأقل التكاليف، ولا يودون الدخول في صراعات مفتوحة كلفتها عالية ماديًا وبشريًا.
المنخرطون في لب صراعات الشرق الأوسط وجدوا ضالتهم في سلاح “الدرونز”، خاصة أنه يمكن أن يكون وسيلة ضغط لإحداث تغيير في مجريات السياسة، بسبب فعاليته الرمزية قبل الهائلة كما تفعل الأسلحة المتطورة.
وهذا ما رأيناه مؤخرًا في حادثة “أرامكو” السعودية، حيث تسببت هجمات بطائرات مسيرة على منشأتي للنفط بوقف نصف إنتاج الرياض من الخام، ما أثر على أسعار النفط عالميًا.
وهذا يمكن رؤيته أيضًا في الهجمات بالطائرات المسيرة من حين لآخر ضد أهداف في سوريا ولبنان والعراق، تُحمّل فيه تلك الدول إسرائيل مسؤوليتها.
ولا يخفى على أحد أن بؤر الصراع في المنطقة، خلال الآونة الأخيرة، بدأت تتجه إلى استخدام أوسع للطائرات المسيرة، لا سيما في دول اليمن والسعودية وليبيا والعراق وسوريا.
** مزيد من التهديدات الأمنية ومزيد من الإنفاق
المحلل السياسي علي باكير رأى أن من تداعيات استخدام طائرات الدرون مزيدا من الهجمات في منطقة رخوة من الناحية الأمنية ويكثر فيها اللاعبون غير الحكوميون من إرهابيين وميليشيات طائفية مسلحة وميليشيات متطرفة.
مضيفًا: “وهذا يعني المزيد من التهديدات الأمنية للمنشآت الميسورة والمواطنين في الشرق الأوسط”.
وقال إن “الهجمات الأخيرة التي تحصل ستشجع المزيد من اللاعبين الحكوميين وغير الحكوميين باعتماد الدرونز في هجماتهم، وهو ما يعني أن سباقًا لاقتناء الدرونز سينشأ في المنطقة يقابله سباق على اقتناء أنظمة تحييد خطر الطائرات المسيرة هذه، وهذا يعني المزيد من الإنفاق في مجال كان من المفترض أن يتم تخفيف الإنفاق فيه لصالح قطاعات أخرى تهم شعوب المنطقة”.
باكير نفسه، كان كتب مقالًا نشرته مجلة “ناشيونال إنترست” الأمريكية، الشهر الماضي، بعنوان “لعبة الدرون– التهديد المتنامي من السماء” تحدث فيه عن اهتمام دول مثل إيران بهذا الطراز من الأسلحة، لتأثيره الرمزي قبل الهائل على منافسين إقليميين.
جاء في المقال أنه بالنسبة لإيران، فإن لطائرات الدرون مزايا عديدة تتوافق مع سياستها الحربية “غير المتماثلة”، لا سيما أنها رخيصة إلى حد ما، وآمنة، ومسيرة عن بعد، ويمكنها بسهولة اختراق الحدود لإجراء مهام استطلاع ومراقبة ومهام استخباراتية، كما يمكنها شن هجمات.
وورد أيضًا: “حقيقة أنها (طائرات الدرون) ليست معقدة أو باهظة الثمن تجعلها جذابة للغاية لإيران”.
ولفت المقال أيضًا إلى أن أيران أرسلت، خلال السنوات الماضية، العديد من الطائرات المسيرة إلى حلفائها أو وكلائها في سوريا ولبنان والعراق واليمن.
وقال إن طهران استخدمت وما تزال تستخدم أراضي تلك الدول كحقل اختبار لطائراتها المسيرة ضد دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل والسعودية وغيرها.
** الدرون.. مؤشر لنهاية عصر النفاثات
صحيفة الغارديان تطرقت إلى الموضوع نفسه، في مقال بعنوان “الطائرات المسيرة بالشرق الأوسط مؤشر لنهاية عصر تفوق الطائرات النفاثة السريعة”.
وقالت الصحيفة البريطانية إنه في تاريخ الحروب الحديثة باتت عبارة “من امتلك السماء فاز الحرب” بمثابة مبدأ ثابت، في إشارة واضحة إلى مدى فعالية حروب الدرونز في الصراعات “الباردة”.
كما لفتت إلى أن الطائرات المسيرة الصغيرة والرخيصة “غيرت” من فكرة ضرروة تخصيص عشرات المليارات لبناء قوات جوية حديثة وإعطاء الجيوش الأولوية في أي صراع تقريبًا “لا سيما في ساحات القتال بالشرق الأوسط”.
ونوهت إلى أنه في الأشهر الثلاثة الماضية لوحدها أحدثت طائرات الدرونز تأثيرًا كبيرًا في العراق وسوريا ولبنان وربما الآن في السعودية، في إشارة لهجمات أرامكو.
وتضيف الصحيفة أن الجيش الإسرائيلي رغم امتلاكه أحدث المقاتلات السريعة والأسلحة الدقيقة، تحول لاستخدام الطائرات بدون طيار لضرب أهداف في سوريا.
وأشارت أيضًا إلى وجود عامل كبير-ربما يكون الدافع وراء اللجوء إلى حرب الدرونات- وهو إمكانية إنكار المسؤولية عن هجمات منفذة ضد عدو ما لتجنب الدخول في صراع مفتوح.
ولفتت إلى أن قدرة الطائرات المسيرة على التخفي عن أجهزة الرادار وبالتالي جعل المستهدف يضرب تخمينات بشأن الفاعل تمثل غاية مطلوبة لدى المهاجمين (كإسرائيل على سبيل المثال) بهدف منع تصعيد “حروب الظل” وجعلها تتحول إلى “حروب مفتوحة”.
وفي ما يلي قائمة الدول الشرق الأوسطية التي تعرضت أو شهدت استخدامًا للطائرات المسيرة عشرات المرات خلال الآونة الأخيرة.
** السعودية
خلال الشهر الحالي والماضي لوحدهما، نفذت جماعة “الحوثي” باليمن نحو 18 هجومًا بطائرات مسيرة ضد أهداف محددة بالسعودية، أعلنت الرياض إسقاط معظمها.
كان أحدث وأشد استخدام لطائرات الدرون وقع في 14 الشهر الجاري، حيث تم استهدف منشأتين نفطيتين للسعودية، ما تسبب بوقف أكثر من 50% من إنتاج الرياض للخام.
** لبنان
في 25 أغسطس / آب الماضي، استهدف الجيش الإسرائيلي بطائرات مسيرة محملة بالمتفجرات ضاحية بيروت الجنوبية، في لبنان.
** العراق
في أواخر الشهر الماضي، شنت طائرتان مسيرتان هجوما على أحد ألوية “الحشد الشعبي”، قرب الحدود العراقية السورية (غرب)، ما أدى إلى مقتل أحد عناصره وإصابة آخر، وسط تلميحات بأن إسرائيل وراء تلك الهجمات.
** اليمن
في الآونة الأخيرة كان اليمن منطلقًا لعشرات الهجمات بالطائرات المسيرة التي تنفذها جماعة الحوثي ضد أهداف في السعودية.
كما يتعرض هو لنفس النوع من الهجمات، حيث أعلنت جماعة “أنصار الله”، قبل شهر، إسقاط طائرة تجسس أمريكية مسيرة من نوع “MQ9” بمحافظة ذمار وسط اليمن.
** مضيق هرمز
في يوليو / تموز الماضي، أعلنت واشنطن إسقاط طائرة مسيرة إيرانية في مضيق هرمز، عبر مدمرتها الأمريكية “بوكسر”، رغم نفي طهران ذلك.
وقبل شهر قالت إيران إنها أسقطت طائرة مسيرة من طراز “غلوبال هوك”، تابعة للقوات الجوية الأمريكية، بدعوى انتهاكها للمجال الجوي الإيراني، بعد انطلاقها من الأراضي الإماراتية.
** ليبيا
في الشهر الماضي، أسفرت غارة بطائرة مسيرة تابعة لحفتر تشغلها فرنسا والإمارات، على حي سكني بمدينة “مرزق” الليبية، عن مقتل 41 شخصًا وإصابة 60.
حساب “Free Libya Now” على “فسبوك”، الذي يديره نشطاء حقوقيون ليبيون، قال حينها إن الغارة تعد السابعة من نوعها خلال الأيام الأخيرة.
* فلسطين
لا تقتصر عمليات إسرائيل في العمق السوري أو اللبناني ضد ما تعتبرهم وكلاء إيران بالمنطقة، بل أيضًا تطال قطاع غزة الفلسطيني.
في منتصف شهر يوليو الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي سقوط طائرة مُسيّرة له، كانت تُحلق في أجواء قطاع غزة.
** إسرائيل
إسرائيل نفسها التي كثيرًا ما تستخدم الطائرات المسيرة سواء لأغراض تجسسية أو هجومية، يتم استهدافها هي الأخرى بذلك النوع من الطائرات.
ووُجد أن إسرائيل تعرضت خلال العام الجاري لنحو 6 هجمات بطائرات مسيرة سواء مصدرها قطاع غزة الفلسطيني، أو الأراضي السورية.
** سوريا
تتحدث روسيا والنظام السوري مرارا عن استهداف المعارضة السورية قاعدة حميميم الجوية في ريف اللاذقية بالطائرات المسيرة، وكان الروس يعلنون في كل مرة إحباط الهجمات التي ينسبونها إلى فصائل سورية معارضة.
** الكويت
في 17 سبتمبر/ أيلول، كشفت الكويت عن رصد تحليق طائرة مسيرة في مناطق على الجانب الساحلي من مدينة الكويت، رفعت على إثرها حالة الاستعداد القتالي “الاحترازي”.
الأناضول