تتسارع وتيرة التطورات المتعلقة بالتحقيقات التي يجريها مجلس النواب، والتي تهدف إلى بدء إجراءات عزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وجاءت موافقة مجلس النواب على بدء التحقيقات الرسمية لتعكس التزاما صارما بالتصويت طبقا لسياسة الحزب، إذ مر القرار بأغلبية 232 صوتا مقابل 196 صوتا لإطلاق عملية العزل وفتح التحقيق رسميا.
ويؤشر ذلك إلى استمرار حالة الاستقطاب الكبيرة بين الحزبين الرئيسيين؛ ومن شأن هذه القرار رفع السرية عن الجلسات، وسيبدأ البث التلفزيوني لجلسات التحقيق الأسبوع القادم.
وشهد ملف التحقيقات مفاجأة مدوية؛ إذ اعترف السفير الأميركي لدى الاتحاد الأوروبي غوردون سوندلاند (وهو مقرب من الرئيس ترامب) عن أنه أبلغ مسؤولا أوكرانيا بأن تقديم مساعدات عسكرية لبلاده يعتمد على فتح السلطات الأوكرانية تحقيقا رسميا حول أنشطة هانتر ابن المرشح الديمقراطي على سباق الرئاسة 2020 جو بيدن.
واعترف سوندلاند بعرضه هذه الصفقة المشروطة خلال اجتماع له مع أندريه بيرماك مستشار رئيس أوكرانيا فيلادومير زيلينسكي. وكان سوندلاند أنكر في السابق خلال تقديمه شهادة أمام مجلس النواب وجود أي صفقة تربط بيت حصول أوكرانيا على المساعدات وفتحها تحقيقا في أنشطة هانتر بيدن.
نشر الشهادات
وقبل ذلك، أعلنت لجان مجلس النواب نشر نص الشهادات التي قدمها -خلف أبواب مغلقة- عدد من الشهود ممن كانوا على اطلاع بملف العلاقات الأميركية الأوكرانية، وأتاح ذلك اطلاع الشهود على شهادات الآخرين.
كما شهد ملف تدخل رودي جولياني، محامي الرئيس ترامب الشخصي، تطورات مهمة، وذلك مع إجماع كل من قدم شهادته على أن جولياني -وبإيعاز من ترامب- كان يدير ملفات في السياسة الخارجية لبلاده بعيدا عن أعين وزارة الخارجية. وأشار السفير سوندلاند إلى أن وزير الخارجية مايك بومبيو آثر الصمت على تجاوزات جولياني، واكتفي بالقول “علينا أن نتعامل مع هذه الأشياء”.
من ناحيته، أشار رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس النواب آدم شيف أمس الأربعاء إلى أن لجنته بدأت الأربعاء الماضي عقد أول جلسة تحقيق علنية يشارك فيها السفير السابق وليام تايلور، المسؤول عن ملف أوكرانيا، وتتحدث أمام اللجنة السفيرة الأميركية ماريا يونوفيتش التي أقالها ترامب من عملها من منصبها بعد شكاوى من جولياني من وقوفها عثرة في محادثاته من الحكومة الأوكرانية.
تحدي ترامب
وخلال أول تجمع انتخابي عقب قرار مجلس النواب بدء إجراءات رسمية تحقق في إمكانية عزل الرئيس، أكد ترامب أن إجراءات عزله التي أطلقها الديمقراطيون ستجعله يحصل على دعم الأغلبية الغاضبة في انتخابات 2020.
وتفيد آخر استطلاعات الرأي باستمرار الانقسام الكبير بين الأميركيين حول قضية عزل ترامب، وأشار استطلاع حديث أجرته جامعة مونوث -بين الثلاثين من أكتوبر/تشرين الأول والثالث من الشهر الجاري، إلى دعم 44% من المستطلعين فكرة التحقيق لعزل الرئيس، في حين رفض 51% فكرة العزل، وعبر 4% عن عدم توصلهم لقرار بهذا الشأن.
استطلاع آخر أجرته مؤسسة جالوب على 1504 ناخب بين 14 و31 من الشهر الماضي أشار إلى دعم 51% فكرة تحقيقات تهدف إلى عزل الرئيس، في حين أشار 49% إلى رفضهم الفكرة.
ويطمئن ترامب إلى وقوف الكتلة التصويتية الجمهورية إلى جانبه، وأكد في مؤتمر انتخابي بولاية ميسيسيبي أن “إجراءات العزل التي أطلقتها الأغلبية الديمقراطية بمجلس النواب تعد هجوما على الديمقراطية نفسها”. وأضاف أن الأميركيين “يراقبون ويرون إلى أي درجة هذا الإجراء ظالم”، مؤكدا أن سلوكه كان مثاليا في القضية الأوكرانية مسار التحقيق.
وأشارت استطلاعات رأي حديثة إلى استمرار تمتع ترامب بتأييد كاسح بين الناخبين الجمهوريين، وهو ما يمثل سيفا مسلطا على أعضاء الكونغرس الجمهوريين كي يلتزموا بالوقوف في صف الرئيس.
وأشار استطلاع أجرته جامعة سوفولك بالتعاون مع صحيفة “يو.أس.أي توداي” بين 23 و26 من الشهر الماضي؛ إلى دعم 85% من الجمهوريين الرئيس ترامب.
استطلاع آخر أجرته محطة فوكس الإخبارية بين السادس والثامن من الشهر الماضي، أظهر دعم 77% من الجمهوريين الرئيس ترامب، في حين عبر 80% ممن استطلعت آراؤهم قبل شهر دعم الرئيس ترامب وتأييد سياساته.
ولاء الجمهوريين
ويعتقد على نطاق واسع في واشنطن أن مجلس النواب سيصوت لصالح عزل الرئيس، ورفع الأمر لمجلس الشيوخ.
ويؤكد خبراء دراسات الكونغرس أن مجلس الشيوخ سيقف عثرة في أي تقدم في عملية سحب الثقة من ترامب، إذ عبر رئيس الأغلبية الجمهورية السيناتور ميتش ماكونيل عن رفضه، قائلا إن “ديمقراطيي واشنطن كانوا وما زالوا يسعون لوسيلة لإبطال نتيجة انتخابات 2016 التي خسروا فيها”.
أما زعيم الأغلبية الجمهورية بمجلس النواب كيفين مكارثي فتعهد بمحاربة إجراءات عزل الرئيس، وذكر منطق السيناتور ماكونيل نفسه، إذ قال “نانسي بيلوسي ليست راضية عن نتيجة انتخابات 2016، هذه الانتخابات انتهت”.
ويشهد نوفمبر/تشرين الثاني 2020 انتخابات لكل أعضاء مجلس النواب، إضافة إلى 35 مقعدا داخل مجلس الشيوخ، من بينهم 23 مقعدا يسيطر عليها حاليا أعضاء جمهوريون.
سيناريو صعب
ومع سيطرة الجمهوريين على أغلبية 53 عضوا مقابل 47 بمجلس الشيوخ، يحتاج الديمقراطيون لأصوات عشرين عضوا جمهوريا لعزل الرئيس، وهو السيناريو الذي يصعب تخيله في ظل الاستقطاب الحالي بين الحزبين.
ويستغل ترامب انقسام الأميركيين حول فكرة عزل الرئيس، إضافة إلى تبرئته في تحقيقات روبرت موللر بخصوص التدخل الروسي في انتخابات 2016، ليظهر بمظهر الضحية.
وتقف الأغلبية الجمهورية بمجلس الشيوخ مع ترامب، رغم توجيه بعضهم انتقادات له على سوء الإدارة وسوء السلوك.
ويمثل فشل مجلس الشيوخ في عزل الرئيس السابق بيل كلينتون حافزا لترامب للتمسك بموقفه والاستمرار في المعركة، التي إن خرج منها منتصرا ستدعم حظوظه للفوز في انتخابات 2020.
الجزيرة