إضافة إلى اندلاع الاحتجاجات الأخيرة في العراق في وقت مقارب لاندلاعها في لبنان، فقد رافقتها وقائع متشابهة في البلدين، وقد تناظرت أيضاً ظهورات كبار مسؤولي البلدين على وسائل الإعلام وترديدهم حججا متشابهة تزعم التعاطف مع الاحتجاجات وتفهم أسبابها، بل وتزعم التزام أولئك المسؤولين بمطالب المحتجين وانتقادهم هم أيضا للفساد والفاسدين وصولا إلى إبداء وعود للإصلاح والشفافية ومحاربة الفساد، تلتها استدعاءات لبعض المسؤولين السابقين والتحقيق معهم.
وحسب هذا السيناريو المتناظر أعلنت «هيئة النزاهة العامة في العراق» أمس الخميس استدعاء 26 مسؤولا في السلطة التشريعية في محافظة ديالى للتحقيق بتهم تتعلق بـ«الفساد» و«سوء الإدارة»، بعد ساعات من إصدار محكمتين عراقيتين مذكرتي توقيف بحق محافظين سابقين، كما باشر القضاء اللبناني، وفي اليوم نفسه، بالتحقيق مع عدد من كبار المسؤولين حول قضايا فساد بينهم فؤاد السنيورة، رئيس وزراء لبنان السابق، كما ادعى النائب العام المالي على المدير العام للجمارك بدري الضاهر بجرم «هدر المال العام». وحسب الخبر فقد أمرت النيابة العامة بالمباشرة أيضا في تحقيقات تطال «كل الوزراء في الحكومات المتعاقبة منذ العام 1990 ولغاية تاريخه».
تبلغ مديونية العراق الخارجية 130 مليار دولار، وهو مصنّف بين البلدان الأكثر فسادا حيث يحتل المرتبة 169 من أصل 180 بلدا، وحسب أرقام عراقية رسمية فإن حجم النهب منذ عام 2003 حتى الآن هو 300 مليار دولار، فيما تقدره مصادر أخرى بـ450 مليار دولار، كما أنها تقدر حجم هدر المال العام بثمانمئة مليار دولار خلال السنوات 15 الماضية.
في المقابل تبلغ مديونية لبنان 85 مليار دولار، وقد احتل المرتبة 138 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد لعام 2018، وهناك تقديرات تتحدث عن أن كلفة الهدر والفساد تبلغ 10٪ من الناتج المحلي (أي قرابة 4 مليارات دولار سنويا).
تظهر هذه الأرقام المهولة أن المهمة الحقيقية لكل من «هيئة النزاهة» العراقية، والقضاء اللبناني الإخفاء لا الإيضاح، وخداع الجماهير المحتجة والالتفاف على مطالبها لا تحقيق النزاهة ومكافحة الفساد، فهي بانتقاء بعض الشخصيات السابقة من النظام للتحقيق معها، إضافة إلى طابعها الانتقائي المقصود منه تحريك بعض النعرات الطائفية لدى السنّة أو دغدغة منطق الغلبة لدى الشيعة تريد أن تخفي أن الفساد والهدر هما جزء عضويّ من النظامين، وهو موزّع على زعماء الطوائف جميعها ومحازبيهم، كون المؤسسات العامّة فيهما «معاقل امتياز» لتخديم زبائن النخبة السياسية ولتمرير كل أشكال الفساد والهدر في دولة المحاصصة الطائفية، وبالتالي فإن مكافحة الفساد لا يمكن أن تتم من دون إسقاط النظام نفسه.
ظهرت إحدى التشابهات بين البلدين على لسان علي خامنئي المرشد العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية الذي ندّد بالتظاهرات واعتبرها «مؤامرة» على بلاده بدعم من خصومها السياسيين في الإقليم، وهو تصريح يظهر، في حقيقته، العلاقة العضوية بين النفوذ الأجنبي والفساد. وأحد الأمثلة الاقتصادية البسيطة على هذه العلاقة شراء العراق للغاز الإيراني بسعر 11.23 دولار لكل ألف قدم مكعب مقارنة بـ5.42 دولار تدفعها ألمانيا لشراء غاز أبعد مسافة من روسيا، أو 6.49 دولار تدفعها الكويت للغاز الطبيعي المسال، أو حتى 7.82 دولار تدفعها اليابان.
يزدهر الفساد، في أنحاء العالم، لصالح حفنة ضئيلة تقوم بسرقة الناس، بمن فيهم محازبوها القانعون بجزء من الفتات، فيما يقع العبء الباهظ على الأغلبية المفقرة والمنهوبة، حيث تذهب أموال الصحة والأمن والتعليم والبنى التحتية إلى جيوب الطغمة الحاكمة ورعاتها الخارجيين، ولو صرفت الأموال المسروقة على هذه المرافق لتغيّرت أوضاع العراقيين واللبنانيين.