بغداد – أعلن الجيش العراقي الخميس أنه أرسل قيادات عسكرية إلى محافظات الجنوب التي تشهد احتجاجات للمساعدة على “ضبط الأمن”، بعد يوم من إضرام متظاهرين مناهضين للحكومة النيران في قنصلية إيران بالنجف.
وأفادت قيادة الجيش أنه “تم تشكيل خلايا أزمة برئاسة السادة المحافظين” بهدف “ضبط الأمن وفرض القانون”.
وتأتي التعزيزات الأمنية بعد مقتل 16 متظاهرا على الأقل الخميس في مواجهات الناصرية بجنوب العراق، كما ذكرت مصادر أمنية وطبية غداة إحراق القنصلية الإيرانية في مدينة النجف الشيعية.
وفرضت السلطات العراقية حظر التجول في المدينة وأغلقت جميع مداخل ومخارج المدينة مع انتشار مكثف لقوات الأمن وذلك بعد ساعات من إحراق عدد من المحتجين للقنصلية الإيرانية مساء الأربعاء.
واعتبرت الخارجية العراقية الحادث محاولة للإساءة للعلاقات التاريخية بين العراق وإيران محذرة من “مندسين” بين المتظاهرين يحملون أجندات بعيدة عن المطالب الوطنية.
وقالت الخارجية العراقية في بيان وزع في وقت مبكر من صباح الخميس: “في الوقت الذي نُؤكّد أنّ التظاهرات حقّ مكفول، وأنّ مطالب المُتظاهِرين كانت وما تزال مقبولة لدى الحكومة، إلا أنّنا طالما حذرنا من دُخُول أشخاص يبتغون حرف التظاهرات ذات المطالب الحقة عن جادّة الانضباط القانونيّ، ومسارها الصحيح”.
ودعت وزارة الخارجية المُتظاهِرين إلى “أخذ الحيطة والحذر من هؤلاء المشبوهين الذين يرومون تشويه سُمعة التظاهرات المُطالِبة بالإصلاح”.
وتشهد مدينة النجف أجواء متوترة منذ إحراق القنصلية الإيرانية، عقب محاصرتها من قبل متظاهرين يحتجون على فساد الطبقة السياسية في العراق، وما يعتبرونه تدخلا من طهران في شؤون بلدهم ومنعها لأي عملية تغيير سياسي قد تطال حلفائها في الحكم.
ويريد العراقيون أن تكف إيران عن التدخل في شؤون بلادهم وحماية ساسة فاسدين ورعاية أحزاب طائفية، ويحملونها مسؤولية الفشل الذي يصيب الدولة منذ 16 عاما.
وقال محتج يدعى علي في النجف “إحراق القنصلية ليلة الاربعاء كان عملا شجاعا ورد فعل من الشعب العراقي.. نحن لا نريد الإيرانيين”.
فيما يواصل النظام الإيراني التمسّك بنظرية المؤامرة، ويعتبر أن جهات أجنبية تسعى لجرّ العراق لمربع الفوضى محذرة مما وصفتها بأنها “مؤامرة” خارجية. وطالبت طهران بغداد باتخاذ “اجراءات حازمة ومؤثرة” ضد “العناصر المعتدية” على قنصليتها في مدينة النجف.
وقال أبو مهدي المهندس القائد العسكري للحشد الشعبي، الذي يضم جماعات مسلحة ومعظم فصائله القوية على صلة وثيقة بإيران، إن الحشد سيستخدم كامل قوته ضد من يحاول مهاجمة آية الله العظمى علي السيستاني المرجعية الدينية العليا لشيعة العراق والمقيم في النجف.
وقال في بيان نُشر على الموقع الإلكتروني للحشد الشعبي “سنقطع اليد التي تحاول أن تقترب من السيد السيستاني”.
وقد أحرق محتجون عراقيون القنصلية الإيرانية في النجف مطالبين بإنهاء ما وصفوه بالنفوذ الإيراني في بلادهم، وهذا أشد تعبير حتى الآن عن المشاعر المناهضة لإيران في أوساط المتظاهرين العراقيين الذين يخرجون إلى الشوارع منذ أسابيع في بغداد وجنوب البلاد ذي الأغلبية الشيعية وقتلت قوات الأمن المئات منهم بالرصاص.
وقالت الشرطة ومصادر الدفاع المدني والمسعفون إنه تم إجلاء العاملين بالقنصلية قبل قليل من اقتحام المتظاهرين لها. ولم ترد بعد تقارير عن سقوط ضحايا.
وتمثل الاحتجاجات التي بدأت في أكتوبر أكثر التحديات تعقيدا للطبقة الحاكمة التي يهيمن عليها الشيعة وتدير مؤسسات الدولة وشبكات من المحسوبية منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.
ويقول المحتجون، وهم شبان أكثرهم من الشيعة، إن السياسيين فاسدون ويتهمونهم بالمسؤولية عن إخفاق العراق في التعافي من عقود من الصراع والعقوبات بالرغم من عامين شهدا هدوءا نسبيا بعد هزيمة تنظيم داعش عام 2017.
وأغلق المحتجون العديد من الطرق في جنوب العراق بالإطارات المشتعلة واشتبكوا مع الشرطة في بغداد يوم الأربعاء بهدف استغلال الاضطرابات الاقتصادية كأداة ضغط للإطاحة بالحكومة واقتلاع جذور الفساد المستشري على مستوى المسؤولين.
وقتلت قوات الأمن شخصين بالرصاص في كربلاء ليل الثلاثاء وقتلت اثنين آخرين في بغداد يوم الأربعاء، بينما قتل خامس بأعيرة نارية أطلقتها قوات الأمن خلال احتجاجات في البصرة، كبرى مدن الجنوب. وقال شاهد من رويترز إن المتظاهرين منعوا الموظفين الحكوميين من الوصول إلى العمل في البصرة بإقامة حواجز من الخرسانة تم طلاؤها لتصبح مثل نعوش أقاربهم الذين قتلوا خلال الاضطرابات المستمرة منذ أسابيع.
وبددت الاضطرابات هذا الهدوء وتحذر السلطات من استغلاله من قبل جماعات مسلحة، خاصة إذا امتد العنف المرتبط بالاحتجاجات إلى شمال العراق حيث يشن مقاتلو تنظيم داعش هجمات.
وأعلن التنظيم المتطرف يوم الخميس المسؤولية عن ثلاثة تفجيرات في بغداد وقعت ليلا وأدت إلى مقتل ما لا يقل عن ستة أشخاص، لكنه لم يقدم دليلا على مسؤوليته.
ولم تصل إصلاحات الحكومة إلى أكثر من توفير بضع وظائف بالدولة للخريجين ومقررات مالية للفقراء ووعود ضبابية بإصلاح انتخابي بالكاد بدأ النواب مناقشته.
وقال علي ناصر، وهو مهندس عاطل عن العمل عمره 28 عاما ويشارك في مظاهرات بالبصرة “في البداية كان مطلبنا الإصلاح ومحاربة الفساد”.
وأضاف “لكن بعد أن قتلتنا الحكومة وسالت دماء الشباب السلمي… لن نرجع قبل إسقاط هذه الحكومة والطبقة الفاسدة التي تتحكم بنا”.
وقالت علياء (23 عاما) والتي تدرس الطب “الإصلاحات مجرد كلام. نريد أفعالا. أمضينا 16 عاما من الكلام دون أفعال. تعرضنا للسرقة طوال 16 عاما”.
وقتلت قوات الأمن المزيد من المتظاهرين بالرصاص. واستخدمت الذخيرة الحية في مدينة كربلاء جنوبي بغداد ليل الثلاثاء وقتلت اثنين من المحتجين. وقتل شخصان آخران في اشتباكات قرب جسر الأحرار في بغداد يوم الأربعاء.
وقالت الشرطة ومسعفون إن محتجا توفي بالقرب من البصرة متأثرا بإصابات بأعيرة نارية، مما يرفع عدد القتلى منذ بدء الاضطرابات في الأول من أكتوبر تشرين الأول إلى 344 في أنحاء البلاد.
وعبر رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي في وقت متأخر يوم الثلاثاء عن قلقه إزاء العنف والخسائر المالية الناجمة عن الاضطرابات، لكنه اتهم مخربين لم يحددهم بالمسؤولية عن الأضرار.
وقال في اجتماع لمجلس الوزراء بثه التلفزيون إن شهداء سقطوا بين المحتجين وقوات الأمن، كما أصيب عدد كبير واعتقل الكثيرون. وأضاف أن السلطات تحاول تحديد الأخطاء التي ارتكبتها قوات الأمن وهي تحاول إخماد الاحتجاجات.
وذكر أن إغلاق الموانئ كلف الدولة مليارات الدولارات.
وأوقف المحتجون مرارا حركة المرور إلى الميناء الرئيسي للسلع بالعراق القريب من البصرة هذا الشهر وحاولوا حصار البنك المركزي في بغداد عازمين على ما يبدو على تعطيل الاقتصاد بعد فشل المطالبات بإقالة الحكومة.
وتتحرك الحكومة ببطء عند تنفيذ أي نوع من التغيير. ولم يصادق البرلمان بعد على أي وعود بالإصلاح الانتخابي وبإجراء انتخابات عامة مبكرة، والطبقة السياسية متحدة في وجه أي تحد كبير لقبضتها على السلطة.
العرب