يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام”داعش” في معاركه التي يخوضها ضد خصومه في كل من سوريا والعراق فرض الرعب على الطرف الآخر، متخذا من الانغماسيين ذراع لتحقيق هذا الأسلوب. ويحاول التنظيم الذي يقول مراقبون إن مقاتليه لا يتجاوزون 15 ألف عنصر تعويض النقص العددي لديه مقارنة بخصومه، حيث يعمل على تصوير عناصره على أنهم مستعدون للموت عبر القيام بما يسميها “عمليات استشهادية” ينفذها “الانغماسيون” ضد الأعداء.فمن هم “الانغماسيون” الذين يعمل تنظيم “الدولة الإسلامية” على إرهاب خصومه بهم، وفرض سيطرته من خلالهم على ما يقارب نصف مساحة العراق وأكثر من ثلث سوريا؟
يعود ظهور مفهوم الانغماسي لأول مرة في مفردات العمليات القتالية مع بداية الحرب الأمريكية على أفغانستان في تشرين الأول/أكتوبر عام 2001م، حيث استحدث تنظيم القاعدة ليكون مقابلاً لقوات “الكوماندوذ الأمريكي”. ثم ظهر هذا المفهوم من جديد بعد الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان/إبريل عام 2003م، حيث استخدم لوصف بعض مقاتلي القاعدة الذين نفذوا عمليات انتحارية داخله. ثم بعد ذلك ظهر في سوريا بعد اندلاع الانتفاضة السورية في منتصف آذار/مارس عام2011م مع دخول القاعدة والجماعات الموالية لها مثل جبهة النصرة في المعارك إلى جانب الجيش الحر في قتال جيش الرئيس السوري بشار الأسد. وهو الآن يستخدم بفاعلية شديدة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” داعش” المنشق عن تظيم القاعدة، ضد قوات خصومها من مليشيات الحشد الشعبي والجيش في العراق، كما تستخدمه في سوريا ضد كل معارضيها.
يُعرف الإنغماسي وفق معتقدات تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” بأنه من يغمس نفسه في صفوف العدو أثناء المعركة، وهو المقاتل الأكثر اندفاعاً وشجاعة، حيث يقوم بتنفيذ عمليات الاقتحام للنقاط الاستراتيجية والمحصّنة للعدو، يرتدون ملابس مماثلة لملابس العدو،ويحاولون التطابق معهم في المظهر، فيحلقون اللحى والشعر إذا لزم الأمر.وتعني هذه التسمية تقريبا ما يُطلق عليه “كتائب الاقتحام” أو “القوات الخاصة” في الجيوش النظامية.
ولهذا فإن للانغماسي مهام قتالية كالانغماس بين قوات العدو والاشتباك معه في عمق تحصيناته بهدف إرباكه والتأثير على معنوياته، وتسهيل مهمة الفصيل الذي ينتمون إليه في الاقتحام والسيطرة. وعادة ما يأتي دور الانغماسيين بعد الانتحاريين، الذين يفتحون ثغرة في الخطوط الأمامية للخصم من خلال تفجير أو عدّة تفجيرات انتحارية، يدخل بعدها الانغماسيون لإكمال مهمة خلخلة الصفوف الأمامية للخصم، تمهيداً لهجوم باقي عناصر الفصيل، وأحياناً تكون مهمة الانغماسيين إيقاع أكبر قدر ممكن من الخسائر البشرية لدى الخصم، من دون أن يتبعها هجوم أو أن يكون لها هدف بتحقيق تقدّم ميداني. وفي هذه الحالة، يكون الانغماسيون داخل منطقة الخصم بعيدين عن خطوط المواجهة. وعادة ما يتم في هذه الحالة اختراق منطقة سيطرة العدو والقيام بتفجير انتحاري داخلها، فيستغل الانغماسيون حالة الفوضى مكان الانفجار، ويقومون بمهاجمة العناصر الذين استهدفهم التفجير ويقضون على مَن لم يتمكّن منه التفجير، ومَن يأتي للمؤازرة، فيخلقون حالة من الارباك في المكان. وغالباً ما يقاتل الانغماسي حتى يُقتل.
وقد صدر تقرير عن “مركز التسليح البريطانى”، إن الانغماسيين، كما يسميهم “داعش”، أهم الأسلحة لدى التنظيم، إذ إن هؤلاء يوفرون على التنظيم الدخول في عمليات هجوم مباشرة مع خصومهم، ما يسهل لهم من عمليات الاستيلاء سواء على الأرض أو السلاح.
وأشار المركز إلى انه يوجد داخل التنظيم مفرزة من الانغماسيين، يقدمون أنفسهم، ويسجلون أسماءهم في هذه الكتائب، ويتم اختيار المقاتلين في فرق “الانغماسيون” بعد سلسلة من الاختبارات البدنية والقتالية والنفسية والتي تضمن درجة من الطاعة والولاء الأعمى للقيادة، فإما تنفيذ الأوامر أو الموت، أما الانسحاب فهو أمر غير وارد في عقيدتهم.
أما عن شروط عملية اختيار الانغماسي تخضع لعدّة شروط يجب أن تتوافر جميعها فيه. أهم هذه الشروط هي تمتعه بالقوة واللياقة البدنية العاليتين، إضافة إلى قدر عالٍ من الشجاعة وعدم التردّد، والتأكد من ولائه المطلق للتنظيم ولأفكاره، والاستعداد للموت في سبيل تحقيق أهدافه،
فهو أي الانغماسي يخضع لدورات قاسية جداً من التدريب الرياضي على اللياقة البدنية وعلى قوة التحمّل تحت أسوأ الظروف، وهو يخضع لمعظم هذه التدريبات حاملاً أوزاناً ثقيلة. كما يخضع لتدريبات عسكرية قاسية لزيادة مهاراته في الاقتحام والقتال القريب والقنص وكيفية استخدام عنصر المفاجأة في إرباك الخصم”. ويضيف: “بالتوازي مع هذه التدريبات، هناك جلسات من الدروس الدينية العقائدية التي تزيد من شجاعة العنصر وتقوي إرادته للقتال، ليصل إلى قناعة تامة بأن الموت والحياة سيان؛ فالموت ينقل المجاهد إلى حياة أخرى أفضل، كما أن بقاءه على قيد الحياة يجعله يساهم بشكل أكبر في قتل عدد أكبر من أعداء الدين”، وفق عقيدة تلك التنظيمات.
أما عن ذخيرة الانغماسي فهي في الغالب أسلحة خفيفة. وفي بعض المعارك الكبرى قد يشرك انغماسيون بأسلحة ثقيلة تصل إلى الدبابات، ولكنها تكون كأسلحة مؤازرة للانغماسيين الذين يدخلون المعركة بأسلحة فردية خفيفة. إذ يحمل الانغماسي ذخيرة فردية تساوي بين ثلاثة إلى خمسة أضعاف الذخيرة التي يحملها العنصر العادي في المعركة. وفي الغالب يزوّد الانغماسي بحزام ناسف يستخدمه حسب الحاجة، أي عندما يُحاصَر أو حين يرى في استخدامه ما يلحق ضرراً كبيراً بالعدو فيتحول إلى استشهادي. ويحمل الانغماسي معه بين 12 الى 16 مخزن للسلاح الفردي الذي بحوزته، بالإضافة إلى نحو ألف إلى 1500 طلقة. واذا كان سلاحه الفردي مسدساً، فهو يحمل معه أكثر من مسدس وقد يكون أحدها مزوداً بكاتم صوت، حسب العملية، بالاضافة إلى سلاح أبيض كالحراب والسكاكين.
وأشار التقرير المشار إليه آنفا، أن الانغماسيون لا يقتصر تعاملها على استعمال الأسلحة المختلفة في المواجهات العسكرية، ولكنها تضم بين أفرادها النخبة الهندسية والعقول الأكثر تطورا في التعامل مع التكنولوجيا الحديثة واختراق الاتصالات السرية بين قوات التحالف، وهو أكثر ما يثير الدهشة، فهؤلاء الأفراد مدربون بشكل استخباراتي فعال على فك الشفرات المختلفة ومتابعة الاتصالات التي تتم من خلال الأقمار الصناعية.
ومع ذلك هناك فرق بين مفهوم الانغماسي والانتحاري، الانغماسي هو عنصر مقاتل ذو كفاءة عالية يرتدي حزام ناسف ومزود بأسلحة خفيفة يقاتل حتى تنفذ ذخيرته ثم يفجر نفسه إذا لزم الأمر، أما الانتحاري فهو عنصر مقاتل أيضاً مزود فقط بحزام ناسف أو يقود عجلة أو آلية مفخخة الخطوط الدفاعية للقوات الأمنية ويفجر نفسه دون الاشتباك معهم.
أما عن أهم معارك الانغماسيون في العراق وسوريا فهي على سبيل المثال وليس الحصر ويعود للانغماسيين الذين استخدمتهم “جبهة النصرة” في معركة السيطرة على معسكر وادي الضيف، في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي، الفضل الأكبر في حسم المعركة والتسبب بانهيار معنويات جنود النظام الذين فوجئوا بعشر دبابات ومجموعة من الانغماسيين دخلوا إلى صفوفهم ومهّدوا الطريق لعناصر الجبهة في اقتحام المعسكر والسيطرة عليه. وبحسب دعاية “النصرة”، فقد استخدمت 900 انغماسي في معركة وادي الضيف وحدها.
ومن أكبر العمليات التي تم استخدام الانغماسيين فيها سورياً، العملية التي نفذتها “جبهة النصرة” بنسف نادي الضباط والفندق السياحي في آيار/مايو عام2012م، في ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب، واللذين كان النظام يستخدمهما كمقرّات لضباطه وجنوده. حينها، تم تفجير ثلاث سيارات مفخخة عبر انتحاريين، قبل أن يشتبك ثلاثة انغماسيين من “جبهة النصرة” مع عناصر النظام هناك، ما أدى إلى قتل عدد كبير منهم، نتيجة حالة الإرباك التي أصابتهم بعد التفجير. وتواردت الأنباء التي تفيد بأن الكثير من عناصر النظام قُتلوا على أيدي رفاقهم بسبب الارباك الذي أحدثه الانغماسيون.
واستخدم تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” عناصر انغماسية في معاركه التي خاضها في ضد النظام و”الجيش الحر” والأكراد،في آب/أغسطس من العام الماضي، كمعركة السيطرة على مطار الطبقة العسكري ضدّ قوات النظام، والتي انتهت بسيطرته على المطار، والعمليات التي قام بها ضدّ وحدات حماية الشعب الكردية، والتي كان أهمها الهجوم الانغماسي الذي نفّذه التنظيم في القحطانية والبكارية، في نيسان/إبريل من العام الحالي، وقُتل خلاله نحو ستين عنصراً من وحدات حماية الشعب. كما استخدمت بعض الفصائل ذات التوجه الإسلامي في الغوطة الشرقية بعض الانغماسيين في عملياتها ضدّ النظام السوري، كما في معارك جوبر.
أما في العراق، فقد نفذ تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش” العديد من العمليات الانغماسية كان آخرها في تشرين الأول/أكتوبر من العام الحالي، عملية تفجيرية انتحارية في ثكنة عسكرية لـ”الحشد الشعبي” في “الجرايشي” على بعد 10 كيلو مترات شمالي الرمادي في الأنبار شرقي العراق، على مقربة من تجمع صناعي يضم محطة كهربائية ومعمل للغاز التي قصفت بقذائف الهاون تزامناً مع العملية.
إذ أسفر الهجوم عن وقوع ضحايا وإصابات عدة بين المتحصنين في الثكنة، الذين تم الإجهاز عليهم بعد اقتحامها، والاستيلاء على كميات من الأسلحة والذخائر والآليات.
مما تقدم يمكن القول يشكّل العناصر الانغماسيون أهم عوامل القوة في تنظيم الدولة في العراق وبلاد الشام”داعش”، فمن خلاله يمكن للتنظيم تحقيق انجازات على الأرض وصدى إعلامي مما يرفع من الروح المعنوية لدى عناصره المقاتلة، كما أنه يتمكن من خلال العنصر الانغماسي من تنفيذ عمليات قتالية واسعة النطاق لفك الحصار أو تقليل الضغوط الحاصل على عناصره المقاتلة، بالاستفادة من الانغماسي على ضوء ما حققوه على الساحة السورية واشراكهم في القتال بالعراق لتحقيق نتائج ايجابية بالحفاظ على المناطق التي تحت سيطرته، كما يعتمد التنظيم على هذا النوع من المقاتلين للقيام بعمليات نوعية لما يشكلوه من قوة فاعلة عند اقتحام المقرات والثكنات العسكرية التابعة للقوات الأمنية وكما يطلق عليهم تسمية “كتيبة الصفوة” والتي تحقق مكاسب للتنظيم في حال إشراكه بالمعارك. لذلك معرفة ماهية الانغماسي والتوصل إلى أسلوب قتاله وكيفية زجه في المعارك ليس بالأمر الهيّن، وإنما تحدي كبير لمن يواجهه.
معمر فيصل خولي
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية