يعيش الإسلام السياسي في مصر حالة يمكن وصفها بأنها مرحلة خريف سياسي، حيث يمر بأزمة متصاعدة تحت وطأة الخلافات، سواء بين جماعة الإخوان وبقية أجنحة التيار، أو داخل كل تنظيم على حدة، إلى جانب التراجع اللافت لحزب النور في الانتخابات البرلمانية الجارية.
هذه الإخفاقات المتواصلة تطرح تساؤلا منطقيا عن مستقبل الإسلام السياسي في مصر، وشكل هذا البقاء، وما إذا كان سيستمر في العمل السياسي المعلن، أم يعود إلى الممارسات الجهادية ضد النظام والمجتمع، وهي الصيغة التي طبعت تواجده طوال العقود الماضية.
منير أديب متخصص في شؤون الحركات الإسلامية، توقع أن تتجه كل التيارات والتنظيمات الإسلامية إلى الزوال، كلما زادت قوة الدولة وحضورها وتلبيتها لاحتياجات المواطنين الصحية والاجتماعية، لأن العلاقة بين الطرفين عكسية، فإذا حضرت الدولة اختفت التنظيمات، والعكس صحيح.
وأضاف أن هذه الجماعات ستختفي إذا أعطت الدولة قبلة الحياة للمؤسسات الدينية الإسلامية، كالأزهر والأوقاف، علاوة على تنفيذ برامج مفيدة للمواطنين وتنفيذ خطة لمواجهة الفقر الذي تستغله تلك الجماعات كوسيلة لتجنيد عناصرها. أما عن مستقبل جماعة الإخوان، فقال في تصريحات لـ”العرب”، إنه يرتبط بالتفاعلات الجارية داخل التنظيم، ومدى قدرة التيارات المتصارعة على حسم الأمور، متوقعا أنه في حال نجاح شباب الجماعة في إقصاء صقورها القدامى، سينتج ذلك جماعة جديدة من رحم الإخوان، أقرب للتجربة التركية أو حركة النهضة التونسية، أما إذا نجح الحرس القديم في السيطرة على الأمور تماما، سيصبح اختفاء التنظيم من المشهد السياسي خطوة متوقعة قد تمتد لعقود. فسقف الخلافات عاد للارتفاع بعد الإخفاق الظاهر لحزب النور في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، ما عزز موقف الرافضين للاستمرار في العملية السياسية، وجدد دعواتهم بتجميد الحزب والاكتفاء بالدعوة في المساجد، كما اعتادت الدعوة السلفية أن تفعل منذ عقود.
ويبدو أن التحركات الحالية مؤشر على رغبة بعض قيادات الإخوان في الهروب من هذا التوجه بسبب كارثية نتائجه على الجماعة ومستقبلها السياسي، والسعي إلى بدء مسار تصحيحي تتخلى خلاله عن الخط الجهادي التكفيري وتتلبّس من جديد زعامة الحالة الثورية، حتى يتسنى لها الاقتراب من التحالفات الثورية المدنية والتحرك بشعارات ورؤى ثورة يناير 2011.
مستقبل الإسلام السياسي في مصر مرتبط بأسلوب تعاطي مكوناته وفصائله مع الأزمات التي تلاحقها
محاولات الانسحاب الإخوانية، قابلتها مساع من عاصم عبدالماجد القيادي بالجماعة الإسلامية الهارب في قطر لتكوين جبهة مواجهة ترتكز على الرؤى الجهادية والخلفية السلفية الحركية، ترفض التنازلات التي يمكن أن يقدمها الإخوان للثوريين من أجل التوافق، ومن هذا المنطلق قد ينجح عبدالماجد وتياره في جذب جزء من شباب الإخوان الرافض لتلك التنازلات إلى تياره وتكتله.
وأكد هشام النجار، القيادي السابق بالجماعة الإسلامية، أن مستقبل الإسلام السياسي في مصر مرتبط بأسلوب تعاطي مكوناته وفصائله مع الأزمات التي تلاحقها، فهناك محاولات داخل الحركة الإسلامية، كالإخوان أو الجهاديين لإنهاء وتقويض المشاركة السياسية للتيار وإفشال أيّ حزب يحمل المرجعية الإسلامية يحاول الاندماج والإسهام في المشهد، وهو ما ظهر في أسلوب تعاملهم مع حزب النور وحربهم عليه، معتبرا أن هذا المنهج يصب في صالح التشدد والتطرف وجر التيار كله أو غالبيته إلى خيارات المقاطعة والانفصال والصدام مع الدولة.
وفي ظل الخيارات التي انتهجها الإخوان في مواجهة الدولة، تبدو احتمالات عودتهم إلى المشهد السياسي بحاجة إلى وقت طويل، أما بالنسبة إلى حزب النور فاحتمالات تخليه عن العمل السياسي والعودة إلى الدعوة في المساجد، أمر مطروح بقوة في حال تكررت هزائمه في المرحلة الثانية من الانتخابات، بحيث يصبح بلا تمثيل برلماني.
ما تعانيه الكيانات المنضوية تحت لافتة الإسلام السياسي حاليا لم يكن يخطر ببال أحد، خاصة بعد أن بلغت نفس الكيانات أوج ربيعها السياسي، عقب ثورة 25 يناير 2011، من حيث حرية تكوين أحزاب تعبر عنها، مرورا باحتكار أول برلمان جرى انتخابه بعد الثورة، ووصولا إلى تصدر المشهد السياسي بالكامل عقب انتخاب أول رئيس مصري ينتمي لجماعة الإخوان.
صلاح الدين حسن، الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، قال إن الخلافات التي تضرب التيار الإسلامي بصفة عامة تعتبر في صالح الدولة والمشروع الوطني، لافتا إلى أن ضعف الإسلاميين سيقودهم في النهاية للقبول بالعودة إلى المشهد وفق شروط الدولة، أو الاختفاء كلية.
وأضاف في تصريحات لـ”العرب”، أن جماعة الإخوان تعاني أزمة في الأيديولوجيا وتصدّع في المشروع الذي وضعه حسن البنا، وتحتاج لتجديد نفسها حتى تستطيع إقناع الشعب بقدرتها على خوض تجربة الحكم مرة أخرى، وهذا لن يحدث قبل 40 عاما على الأقل، بعد أن يتغير الجيل الحالي الذي عايش عصر الإخوان واكتشف عدم قدرة قيادات الجماعة على إدارة الدولة. وحول مستقبل حزب النور كممثل لتيار الإسلام السياسي حاليا في المشهد المصري، وأكد الباحث أنه سيبقى لكن دون تأثير، لأن مشاركته ستعزز شرعية الدولة بمشاركة كل الأطياف السياسية فيها.
محسن عوض الله
صحيفة العرب اللندنية