الاقتصاد العراقي ما بعد «داعش»

الاقتصاد العراقي ما بعد «داعش»

واجه العراق مهمة صعبة في استعادة الموصل من تنظيم «داعش» وإعادة السيطرة على إقليم نينوى، أكبر أقاليم العراق سكاناً وأكثرها تنوعاً ديموغرافياً للسكان. لكن المهمة الأصعب هي ما بعد «داعش»، وتحديداً قدرة الاقتصاد العراقي على إعادة تأهيل المناطق التي سيطر عليها من حيث الإعمار وتوفير فرص العمل للسكان الذين يعانون من الفقر في ظل سيطرة التنظيم.
ويعاني الاقتصاد العراقي مشاكل جمة في السنوات الأخيرة، ليس فقط بسبب الإنفاق على المجهود الحربي وإنما بسبب تراجع العائدات مع هبوط أسعار النفط منذ صيف عام 2014 رغم أن الحكومة العراقية تضغط على الشركات لزيادة الإنتاج إلا أن الواضح أن الحقول العراقية تنتج عند أقصى طاقة لها.
وبدا ذلك واضحاً في ميزانية العام الجديد، فرغم موافقة البرلمان العراقي على الميزانية الجديدة التي قدمتها حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي لعام 2017، إلا أن قوى سياسية كثيرة ما زالت غير راضية عن تقسيم المخصصات فيها، وأن عدداً من الاقتصاديين يشككون في إمكانية إنجاز بنودها التي تعتمد على الاقتراض والمساعدات.
حسب تقديرات البنك الدولي فإن أكثر من 40 في المئة من السكان في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» يعيشون في فقر، في حين أن معدل الفقر في العام في حدود 14 في المئة. ويشير كثير من المراقبين إلى أن الميزانية لا توفر الكثير من الفرص لهؤلاء بعد استعادة مناطقهم من «داعش»، ويضربون المثل بما حدث لمناطق أخرى مثل إقليم الأنبار وديالى وغيرها التي ما زال أهلها يعانون شظف العيش بعد استعادة الحكومة السيطرة عليها.

وعودة إلى الميزانية التي تبلغ 100.7 تريليون دينار (نحو 85 مليار دولار أمريكي) بانخفاض 6 في المئة عن ميزانية العام 2016. وتتضمن تخصيص القروض والمساعدات من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة لمشروعات إعادة التأهيل والإعمار في المناطق المستعادة من سيطرة «داعش». والقدر الأكبر من خفض الإنفاق (تلبية لشروط المؤسسات الدولية المقرضة) يتحمله المواطن مع زيادة أسعار الخدمات الأساسية وخفض رواتب الموظفين بنسبة 3.5 في المئة.

البند الأكبر من الميزانية (12 تريليون دينار) مخصص للحرب ضد «داعش»، هذا غير مخصص جديد في الميزانية لقوات الحشد الشعبي والعشائري تحدد على أساس الأعداد المشاركة في تلك الميليشيات.

وتضم الميليشيات حوالي 110 آلاف، ما يعني نصيبا ضخما من ميزانية يفترض فيها أن تكون تقشفية إلى حد ما لتلبية طلبات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي حتى يتمكن العراق من الحصول على قروض يحتاجها بشدة. أما البشمركة (القوات الكردية) فتصرف مخصصاتها من ميزانية الجيش العراقي ولا يتوقع أن تدفع الحكومة رواتب قوات البشمركة كلها.
وهناك 17 في المئة من الميزانية مخصصة لحكومة إقليم كردستان، لكن من غير الواضح إن كان ذلك سيتم أم لا إذ أن تلك أول ميزانية تربط فيها الحكومة العراقية دفع رواتب 650 ألف موظف في كردستان بموافقة حكومة أربيل على بيع 550 ألف برميل يوميا من نفط كردستان عبر حكومة بغداد.
ومع أن ذلك يعكس الاتفاق الذي توصل إليه العبادي مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسعود البرزاني في وقت سابق من العام، إلا أن ذلك الاتفاق وهو متكرر بالشكل نفسه تقريبا منذ 2014 وغالباً لا ينفذ. لذا لم يوافق نواب (الحزب الديمقراطي الكردستاني) في البرلمان العراقي على الميزانية إلا أن الحزب المنافس في الإقليم (الاتحاد الوطني الكردستاني) وافق على الميزانية وعلى شرط حكومة بغداد على أن تكون مخصصات موظفي الإقليم من الميزانية الاتحادية مشروطة ببيع أكثر من نصف مليون برميل يومياً من نفط الإقليم عبر حكومة بغداد ما يعني مشاركة الأرباح من إنتاج الإقليم هذا.
وكالعادة، تعتمد الميزانية في جانب المدخلات على عوائد مبيعات النفط، وفي 2015 شكلت عوائد مبيعات النفط 85 في المئة من الدخل القومي للعراق. يحسب سعر النفط حالياً بنحو 42 دولارا (سعر نفط العراق). ويعد العراق ثاني أكبر منتج للنفط في أوبك بعد السعودية (أكثر من 4 ملايين برميل يومياً) ومع ذلك يعاني من نقص عوائد يجعل الحكومة مضطرة للاقتراض من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. لكن تراجع الأسعار يشكل ضغطاً على عوائد المبيعات.
كما أن حكومة أربيل مترددة في أن تشارك حكومة بغداد في خفض الإنتاج بنحو 210 آلاف برميل يومياً حسب الاتفاق الأخير لمنتجي النفط على تقليل فائض العرض في السوق لوقف تراجع الأسعار. وما زالت المشاكل بين الحكومة العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول النفط تعيق زيادة العائدات، خاصة وأن الميزانية تعتمد بالأساس على عوائد النفط. كذلك، لن ترضى القوى المذهبية ولا الأكراد عن المخصصات العسكرية في الميزانية، خاصة ما هو موجه منها لقوات الحشد الشعبي.

إنما العامل الأهم الذي يجعل كثيراً من العراقيين في حال تذمر من شظف العيش هو الفساد، حيث تمثل رواتب ومخصصات كبار المسؤولين والسياسيين استفزازاً للموظفين وبقية المواطنين الذين يتدهور مستواهم المعيشي مع تراجع الدخل وزيادة الأسعار.

د. أيمن علي
نقلا عن الخليج الاقتصادي