الإهمال الحكومي يعيد الامية وانتشار الأوبئة في العراق

الإهمال الحكومي يعيد الامية وانتشار الأوبئة في العراق

شذى خليل*

يشهد قطاع التعليم والصحة في العراق تراجعا ملحوظا ينبئ بانهيار القطاعين، خاصة بعد عام 2003، أي بداية عهد الديمقراطية “المزيفة والعملية السياسية المشوهة” التي جاءت ببعض الأحزاب التي لا تملك الخبرة والتجربة في إدارة الدولة، لكنها خبيرة في الفساد، والسرقات الكبرى لأموال الشعب، وثروات الوطن، وإثارة الصراع الطائفي، والأحقاد والضغائن، والثارات والإقصاء والتهميش، وتدمير نسيج المجتمع العراقي.
ولم تفلح تلك الأحزاب في بناء دولة مدنية حديثة بل على العكس من ذلك تماماً فقد “امتازت” بتدمير مؤسسات الدولة العراقية و ومرتكزاتها الأساسية الصناعة والزراعة والتجارة والاقتصاد، ومن اخطر ما دمرته اضافة الى العملية السياسية اللحمة الوطنية لأبناء الشعب، والتدمير الممنهج لقطاع التعليم والصحة .
قبل عام 2003 كانت موازنة وزارة التربية العراقية ستة ملايين دولار فقط، و كان في المرتبة الثالثة ضمن تصنيف قطاع التعليم على مستوى الدول العربية، أما اليوم فموازنة الوزارة تبلغ 3 مليارات دولار، وخرجت من تصنيف التعليم العربي والعالمي، حيث المدارس منهارة ولا تصلح للتعليم ، والناس تتجه نحو القطاع الخاص التعليمي.

ومن المعروف ان الدول التي تتعرض للحروب والكوارث تتمكن خلال فترة من التعافي وإعادة بناء ما دمرته الحرب بوضع خطط علمية وبرامج مدروسة وعمل جاد وفعال ،إلا في عراق ما بعد 2003 فان بعض الأحزاب التي هيمنت على المشهد السياسي في البلاد زادت من تدمير جميع مفاصل الدولة وميادين الحياة .
يقول البروفيسور عماد متعب الزهيري: إن النظام التربوي في العراق قبل عام 2003 كان من أحسن النظم التربوية في المنطقة، باعتراف منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) الصادر في أبريل 2003، اذ كان التعليم مجانيا وإلزاميا لمرحلة التعليم الأساسي، ومجانيا لمراحل التعليم العام والجامعي كافة بما فيها الدراسات العليا .
و تم القضاء على الامية في منتصف الثمانينيات بموجب تطبيق قانون التعليم الإلزامي في العراق الذي كان معمولاً به في حملة وطنية شاملة، ،وكرمت منظمة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة العراق بأربع جوائز تقديرية عام 1985 على هذا الإنجاز.
اما بعد عام 2003 فقد انحدر وضع التعليم في العراق كثيرا وتوقفت محاولات اصلاحه، واسهمت الحكومات الضعيفة في انهياره، ففي عام 2015 ، اكدت منظمة اليونسكو أن هناك مليوني طفل عراقي خارج مقاعد الدراسة وأكثر من مليون طفل مهددين بترك دراستهم ، ما يعني انهيار التعليم وانحسار التحاق الطلبة بالمدارس وترك آلاف المعلمين ذوي الخبرة التدريس بسبب الهجرة أو التهجير.
وخسر العراق الكثير من الكفاءات العلمية سواء خارج البلد او داخله ، اذ بسبب التطهير العرقي والطائفي الذي طال مناطق ديالى وحزام بغداد ومحافظات صلاح الدين وكركوك والأنبارهاجر 14 ألف معلم ، علماً أن هذه الإحصائيات وضعت قبل تحرير المحافظات الغربية من تنظيم داعش وتهجير وإبادة ما تبقى من السكان بحجة انتمائهم لداعش.
وتشير الإحصاءات إلى عودة الأمية إلى العراق إذ بلغ عدد الأميين حسب آخر الإحصائيات 6 ملايين مواطن أي ما يعادل 20%من سكان العراق.
واستناداً إلى الإحصائية الرسمية لوزارة التربية العراقية ؛ فإن عدد التلاميذ المسجّلين في الصف الأول الابتدائي بلغ عام 2005 مليون تلميذ، أما الذين وصل منهم إلى السادس الإعدادي وشارك في امتحانات 2017، اربعمئة ألف طالب فقط، ما يعني أن العراق خسر 600 ألف طالب خلال المسيرة الدراسية بين المرحلتين الابتدائية والثانوية.
وتشير الإحصائية الى أن الطلبة الذين شاركوا في امتحانات البكالوريا للعام 2017 ، لم ينجح منهم ‎سوى 28.4 %، وهذا يعني أن 100 ألف طالب فقط تجاوزوا السادس الإعدادي في الدور الأول من مجموع مليون تلميذ، الذين تم تسجيلهم في المدارس عام 2005، أي أن 900 ألف طالب وطالبة لم يصلوا أو يتجاوزوا السادس الإعدادي، والغريب ان هذه الكارثة العلمية لم تستوقف الحكومة ولا المسؤولين، ولم تُحاسب أي جهة من الجهات الرسمية منذ 2005 إلى اليوم ، ولم يُحاسب وزراء التربية لهذا التقصير الذي استمر لسنوات، ومن الأسباب التي تقف وراء خسارة العراق لـ60 %من هؤلاء، ترك الدراسة والفشل الدراسي والهجرة وسوء النظام التعليمي، مما أدى الى انعاش القطاع الخاص للمدارس الاهلية .

المدارس الاهلية في العراق : شهد قطاع التعليم الخاص في العراق زيادة غير مسبوقة بأعداد المدارس الأهلية ، بلغت حتى مطلع شهر أبريل/نيسان الماضي أكثر من 1400 مدرسة، واحتلت بغداد والبصرة والنجف المرتبة الأولى في عدد المدارس الأهلية تليها محافظات الأنبار وبابل وذي قار والقادسية.
وتضم تلك المدارس نحو 13 ألف معلم، غالبيتهم من المتقاعدين أو غير المعينين في ملاك الدولة، وتستوعب نحو 150 ألف طالب عراقي هجروا المدارس الحكومية المجانية خلال السنوات القليلة الماضية بسبب سوء التعليم، وانهيار بناها التحتية، وضعف العملية التربوية فيها عموماً مقارنة بالمدارس الخاصة.

قطاع الصحة

وما اصاب وزارة التربية من تراجع وانهيار اصاب وزارة الصحة العراقية أيضا ، التي تعاني فسادا فاضحا ومخيفا، فقد كانت وزارة الصحة قبل 2003 ، والتي لم تكن بمستوى الطموح ،تعمل وتدار بموازنة مالية تقدر بـ 16 مليون دولار، وحققت معدلات كبيرة في القضاء على شلل الأطفال والجدري المائي والسل، وأنجزت تطعيم 5 ملايين طفل عراقي، و3 ملايين امرأة، ورفعت عدد أسرة المستشفيات إلى 36 ألف سرير، وأجرت نحو مليون ونصف المليون عملية جراحية سنوياً، وكان مرضى من الأردن واليمن والسودان وفلسطين يأتون للعلاج مجاناً لدى العراق، أما اليوم فموازنة الوزارة تقدر بـ 4 مليارات دولار، وصارت المستشفيات محطة انتقال من الدنيا إلى الآخرة”.
ويشهد العراق ارتفاع عدد المستشفيات والمجمعات الطبية والمراكز الصحية الخاصة، بالتزامن مع انهيار شبه كامل في خدمات وزارة الصحة خلال السنوات الأربع الماضية التي اعتبرت الأسوأ في الاداء.
وينطبق الأمر نفسه على المستشفيات العراقية الحكومية التي باتت خيار الفقراء في البلد ، على الرغم من افتقارها لإمكانات العلاج والرعاية المناسبة وحسن التعامل مع المرضى، ويؤكد المراقبون ارتفاع معدلات الوفيات في المستشفيات الحكومية بالعراق خلال السنوات الأربع الماضية إلى ستة أضعاف، اضافة الى إهمال المرضى .
مما أدى الى ارتفاع عدد المنشآت الطبية الخاصة ، اذ افتتح اخيرا اكثر من 70 منشأة خاصة ، وبات القطاع الخاص مزدهرا بفعل انهيار الخدمات الصحية الحكومية، مما جعل مستثمرين أتراكاً ولبنانيين وإيرانيين يبحثون في العراق عن استثمار تجاري بقطاع الصحة.

انتشار الأمراض الوبائية في ثاني اكبر مدينة في العراق
ان غياب دور وزارة الصحة العراقية وعدم بذل اي جهد للسيطرة على انتشار الامراض والأوبئة في مدينة الموصل التي يبلغ عدد سكانها اكثر من مليونين ونصف المليون نسمة، ينذر بكارثة في المستقبل القريب، اذ تعاني الموصل المنكوبة بعد اشهر من تحريرها من تنظيم داعش الإرهابي ، انتشار امراض وبائية متعددة، واكدت مصادر محلية انه بعد عودة المدنيين من اهالي مدينة الموصل الى ديارهم تزايدت الأمراض الوبائية بشكل ملحوظ وخاصة الجلدية.
ومما فاقم الازمة في الموصل كثرة المباني المدمرة وجثث المدنيين التي تحت الانقاض وتفسخها، واستخدام الغازات السامة في اثناء العمليات العسكرية ، مما أدى الى انتشار الامراض الوبائية وانعدام الرعاية الصحية وشح الادوية وانهيار المستشفيات الامر الذي انعكس سلبيا على حياة مواطني الموصل ونازحيها .

وفيما لم تأخذ وزارة الصحة العراقية دورها الصحيح في حل الازمة والسيطرة عليها ، بتعقيم شوارع المدينة فان مستشفيات الموصل تشهد زخما كبيرا في ظل ضعف الرعاية الصحية ، اضافة الى نقص الدعم والأدوية.

و قيّم اخيرا تقرير حكومي صدر عن أمانة مجلس الوزراء وزارتي التربية والصحة بأنهما الأفشل في الحكومة العراقية ، وقال عضو البرلمان العراقي علي شكري إن “المشكلة ليست في كوادر الوزارتين من ناحية فنية بل الفشل في إدارة المال العام وتوفير الخدمات”.
وأضاف شكري: ” من المؤكد عدم توافر الخدمات وانهيار البنى التحتية، مما يؤدي إلى توجه الناس نحو الخدمات الصحية والتعليمية الخاصة”، مبيناً أنه “من الطبيعي أن يبحث المواطن عن بدائل، وهذا ينعشها ويزيد عددها”.

وأوضح عضو البرلمان العراقي محمد العبد ربه، أن “الوزارتين لا تخلوان من الفساد المالي والإداري لذلك يهجر المواطن مؤسساتها بحثاً عن الأفضل، خصوصاً أن التعليم والصحة قطاعان مهمان وخطران أيضاً”. وأضاف العبد ربه يوماً بعد يوم ينحدر التعليم والقطاع الصحي وقطاعات حكومية أخرى بالبلاد، ولا توجد مراقبة ولا عقوبات، لذلك يذهب الناس إلى المكان الجيد للتعليم والطبابة”.

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية