الهبوط في أسعار النفط العالمي خطر يهدد العراق

الهبوط في أسعار النفط العالمي خطر يهدد العراق

الباحثة شذى خليل *

تشير الدراسات والتقارير الاقتصادية المتخصصة والكثير من المراقبين للشأن النفطي، ان العراق يمر بمرحلة حرجة في حال هبوط أسعار النفط.
إذ يخسر العراق اكثر من مليار دولار سنويا في حال هبوط سعر برميل النفط الذي يصدره دولاراً واحداً فقط، كما ان انخفاض الأسعار يضر بالاقتصاد العراقي ويفاقم من مشاكل الموازنة العامة للدولة وعجزها بالأخص، وانه يعتمد وبشكل كلي على وارداته النفطية بنسبة 97%، إذ يعد الاقتصاد العراقي اقتصادا ريعيا (Rentier Economy)، والذي يشكل الاستخراج النفطي فيه وريعه جزءا كبيراً في إجمالي الناتج الوطني، وتعتمد ميزانيتها السنوية على الريع النفطي بدرجة كبيرة، ولا تستثمر معظم الريع النفطي لينتج رأسمال بشري يعوض عن الخسارة في الرأسمال الطبيعي، أي لا يتم تدوير الأموال المتأتية من بيع النفط الخام لإنتاج قيمة متزايدة من الإنتاج المحلي في الصناعة والزراعة والخدمات، وهذا يعني أنها الخاسر الأكبر في حالة هبوط سعر النفط.
ولم يتعلم القائمون على إدارة موارد الدولة من الدروس السابقة القاسية من هبوط أسعار النفط بمقدار 60%، فمتى يتعلمون ويستفيدون ويستثمرون ويدعون الى التخطيط الاستراتيجي للتنمية المستدامة.
موازنة العراق لسنة 2019:
على الحكومة العراقية ان تعيد النظر في موازنة 2019، وتجعل سعر النفط 50 دولارا او حتى اقل بكثير بعد ان كان 56 دولاراً للبرميل الواحد، ومن الممكن ان يهبط اكثر ليصل الى 30 وحتى عشرين دولاراً واقل، مما يعني أن كافة ابواب الموازنة ستنخفض، سواء التشغيلية او الاستثمارية او التنمية في حال استمرار اسعار النفط بالتراجع.
ويجب على الحكومة تغيير تقديرات سعر البرميل في الموازنة، ووضع خطط بديلة، وكيف يمكن أن تدار أزمات جديدة تخلق مع الأسعار الجديدة للنفط، مما سينعكس قانون الموازنة على جميع مفاصل الدولة، وعلى الوضع العام للحياة في العراق.
وفي السياق ذكر مسؤولون في الدولة العراقية ان موازنة 2019 مقترحة بعجز يصل الى 20 ترليون دينار، وهي بذلك موازنة عاجزة، ولكن سعر النفط المعتمد في الموازنة يبلغ 56 دولارا للبرميل، لكن ماذا لو تراجع اكثر سعر النفط للبرميل؟
الى ذلك، رأى الخبير الاقتصادي اسامة التميمي ان تسعيرة برميل النفط في موازنة 2019 بحاجة الى تعديل، اذ ينبغي ان تحتسب على تسعيرة موازنة 2018 ونتسائل ماذا لو هبط اكثر او اكثر بكثير سيمر العراق بكارثة حقيقية حتما ؟.
وأضاف التميمي ان أسعار النفط قد تهبط الى ما دون الـ 40 دولاراً للبرميل وان موازنة 2019 بحاجة الى تعديل من قبل مختصين خبراء في المجالات المالية والاقتصادية والنفطية، حيث يجب ان ينخفض فيها سعر برميل النفط الى 45 دولاراً او اقل من ذلك، أي بنفس تسعيرة موازنة 2018.
ان العراق لا يمتلك رؤية اقتصادية ونفطية واضحة بحيث يعتمد عليها في اعداد الموازنات، إذ ينبغي عدم زيادة ديون العراق وخاصة مع انخفاض اسعار النفط بفعل السياسة الأميركية.
ان العراق لا يمتلك رؤية اقتصادية لإدارة ثرواته في ظل مشاكله وأزماته المتفاقمة، إذ يمر العراق بمرحلة خطيرة من تاريخه المعاصر بسبب السياسات الخاطئة، وعدم وضوح الرؤيا وغياب التخطيط الاقتصادي.
فمنذ الاحتلال الأمريكي عام (2003) ولحد الآن جعل وصف الاقتصاد العراقي بالاقتصاد الريعي بامتياز، حيث وصلت نسبة الإيراد النفطي في الميزانيات السنوية (97%) ، ونسبه الانفاق على الرواتب (المصروفات التشغيلية) تصل إلى (70%) من الميزانية، وهذا يعني أنه عندما حصل هبوط في أسعار النفط بنسبة (60%) عن السنوات السابقة، خسرت الميزانية السنوية للعام (2015) بما لا يقل عن (60) مليار دولار، وبالتالي فإن وضع ميزانية الدولة في خلل.
ان غياب الشفافية في مؤسسات الدولة والفساد المالي والاداري، وتدهور الوضع الأمني منذ عام (2003)، واحداث داعش الإرهابي الذي احتل ما يقرب من ثلث مساحة العراق، فضلاً عن موضوع النازحين والمهجرين وتدمير البنى التحتية، ومضاعفة الأنفاق العسكري، وتعويض الشهداء والعوائل المنكوبة، وإيواء النازحين كل تلك العوامل مجتمعة خلقت أزمات مضاعفه ومتداخلة.
لقد كان مخططاً أن ينتج العراق (12) مليون برميل/يوميا عام (2017)، ثم خُفض الرقم إلى 9.5 مليون برميل/يوميا لغاية عام (2030)، حيث تم تحديدها في استراتيجية للطاقة الوطنية المقترحة (INES) عام (2013) ، وبعدها خفض إلى (6) ملايين برميل/يومياً من خلال إبرام عقود الخدمة مع شركات النفط العالمية التي لم تشتمل على عقود واضحة في تفاصيلها، وكان بالإمكان إدراجها ضمن العقود وعلى النحو الآتي:
 نوعية النفط المستخرج ومواصفاته.
 العناية بالمكمن النفطي وضرورة إعطاء معلومات دورية وافية عن حالة المكمن إلى الجانب العراقي بين فترة وأخرى.
 كيفية تسويق ونقل وتخزين النفط بعد عملية الاستخراج لكي تكون المسؤولية تضامنية، حيث كان بالإمكان أن يشترط على التعاقد بالتعاون وتحمل مسؤولية التسويق بالاشتراك مع الحكومة العراقية، وعلى الجانب العراقي التعاقد مع تلك الشركات الاستشارية لمنع الهدر والمبالغة في المصروفات.
 البنى التحتية، كان بالإمكان الاشتراط في بناء منشآت خدمية من طرق ودور سكنية وأسواق، من قبل الشركات المتعاقد نفسها.
 يجب أن تتناسب الفوائد والأرباح حسب هبوط أو صعود الأسعار.
 تحديد المصروفات من قبل الشركات على أسس ومعايير دولية معروفة، ويصار لطرف ثالث للبت في صحة قوائم المصروفات التي تقدم من قبل الشركات لتسديدها من قبل الحكومة العراقية.
ولكن لم يتحقق أي من تلك المشاريع بالشكل المطلوب، بل أن الانتاج المخطط في ميزانية عام (2015) والبالغ 3.3 مليون برميل/يوميا، لم يتحقق منه سوى 3 ملايين برميل/يومياً، وتبين أن الأضرار الناجمة عن تأخير تنفيذ خطة زيادة الانتاج، على الرغم من التعاون مع شركات النفط العالمية، وألحق خسائر جمة بالعراق، الذي أضاع على مدى خمس سنوات فرصة ذهبية للاستفادة من ارتفاع أسعار النفط.
ومن بين الأسباب التي أدت إلى تأخير زيادة الإنتاج، هو القرار بسحب مشروع حقن الحقول النفطية بالمياه للحفاظ على توازن الضغط في المكامن النفطية من شركة “اكسون” وأناطته بـ“شركة المشاريع النفطية الحكومية” التي لم تكن مؤهلة للقيام بهذا المشروع الضخم، مما تسبب في تأخير المشروع أكثر من ثلاث سنوات، والحق أضراراً في مكامن النفط الجنوبية، قد يصعب تعويضها، بالإضافة لعدم انجاز مشاريع الخزانات النفطية ومنافذ التصدير كي تستطيع استيعاب الزيادة في الانتاج، ولا بد من الاشارة إلى أنه انجزت مؤخراً قسم من الخزانات لكن ليس بالعدد الكافي، كما أن التأخر في مشروع تجميع الغاز المصاحب (Associated gas) وإيقاف حرقه، والعمل الفوري لمعالجته وتجميعه من كافة حقول الجنوب، واستغلاله لإنتاج الطاقة الكهربائية والصناعات المحلية أو تصديره إلى البلدان المجاورة أدى إلى زيادة الخسائر المالية بما يتراوح بين (15-30) مليون دولار/يوميا، وهذا يعادل (10) مليارات دولاراً سنوياً، بالإضافة إلى حرمان الناس والاقتصاد العراقي من الكهرباء، عدا التلوث البيئي في إفراز الحرارة وثاني أوكسيد الكربون إلى الجو والذي شكل خطرا بيئيا على العراق والعالم.
ان تأخير تشييد خزانات النفط الخام عند مجمعات التصدير الرئيسة، وتوقف التحميل لفترة تمتد ما بين عشرة أيام وأسبوعين، يسبب خسارة في التصدير بنحو (20) مليون دولار يومياً.
والاهم من ذلك كله، الخسائر الناجمة عن تعويض الشركات التي تم التعاقد معها في عقود خدمة عندما تنجز ما عليها من التزامات في الانتاج النفطي المطلوب حسب العقد، والتأخير الناجم عن عدم قدرة الحكومة العراقية من استيعاب انتاجها أو تخزينه، لضمان ديمومة العمل، عدا المصروفات المضاعفة التي تبرزها تلك الشركات إلى الحكومة العراقية لتسديدها.
النفط في إقليم كردستان:
أما بالنسبة لنفط الشمال وإقليم كردستان، فقد نشب خلاف عميق بين حكومتي المركز والاقليم، بسبب تفسير خاطئ في مواد الدستور العراقي، وعلى الرغم من حصول اتفاق مبدئي بين وزير النفط الحالي وحكومة الإقليم يلّزم الأخيرة بالالتزام بتصدير (300) الف برميل/يومياً من حقول كركوك عن طريق مروره بأراضي الاقليم، و (250) الف برميل/يوميا من حقول الإقليم إلى شركة (Somo) المسئولة عن تصدير النفط العراقي، إلا أن الاقليم لم يلتزم بدقة بهذا الاتفاق، وهناك شكوك بتصديره كميات اكبر عن طريق تركيا، وقد ساعد في الأمر توافر احتياطات ضخمة من النفط في الاقليم 24 مليار برميل عدا كركوك حسب تقديرات وزارة نفط كردستان) جرى تطوير واستكشاف معظمها بعد عام (2003) واهتمام الشركات العالمية الرصينة بالاستثمار في الاقليم، خصوصاً في ضوء اتفاقيات المشاركة، بدلاً من عقود الخدمة، وهي اتفاقيات ترغب فيها الشركات لأنها تحصل من خلالها على نسبة من الاحتياط المكتشف، تستطيع أن تسجله في أصولها، ما يساعد في ارتفاع قيم أسهمها في البورصات العالمية.
لقد بلغ تعداد السكان في العراق حالياً (36) مليون نسمة، بينما كان التعداد قبل عام (2003) لا يزيد عن (22) مليون نسمة، بمعنى ان معدل النمو السنوي بلغ 3% ، وهذا يضعف قدرة الحكومة في وضعها الحالي من توفير مستلزمات إعادة أعمار العراق، إذ أن ما يقارب من (800) الف شاب يصبح في سن مؤهل للعمل سنوياً، وعلى الدولة أن تهيء مالا يقل عن (250) الف فرصة عمل كي تصبح نسبة العاطلين مقبولة، هذه الأرقام يمكن أن تكون قابلة للتنفيذ في دول صناعية متقدمة، لكن ظروف العراق الحالية لا يمكن لأية قوة سياسية تتصدى لقيادة البلد من إيجاد هذا العدد من فرص العمل سنوياً.
لقد باشرت الحكومات المتعاقبة التي جاءت بعد عام (2003) في تضخيم الجهاز الحكومي من (1.050.000) موظف قبل عام (2003) إلى أن وصل حالياً إلى (4.5) مليون موظف عدا (1.732) مليون متقاعد وما يزيد عن 0.5 مليون من الرعايا الاجتماعية، وأدى تضخيم رواتب الموظفين إلى إرهاق ميزانية الدولة رغم الزيادة الهائلة في أسعار النفط في الأعوام السابقة، ووضع الحكومة في موقف حرج جداً عند حصول الهبوط في الاسعار، أن أزمة زيادة الخرجين لا تحل بطريقة الترهل الوظيفي، وزيادة المرتبات، ولا تقلل من هجرة الشباب، ولذلك كانت التجربة فاشلة بالأساس، وكان ترهل الجهاز الحكومي وتضخيم الرواتب دون زيادة في الاداء والانتاجية، بل العكس زيادة في الروتين.
لقد تجاوزت بلدان عديدة في العالم مظاهر الدولة الريعية في الاعتماد المفرط على الموارد الطبيعية بأنواعها المختلفة، ومن بينها بوتسوانا وتشيلي وماليزنا وإندونيسيا وغيرها، بالتخطيط السليم نحو التنمية المستدامة، ويمكن الاستعانة بتجارب الدول التي سبقتنا في هذا المضمار وتطبيق ما ينسجم مع ظروفنا الموضوعية.
لم ترتقي التنمية الصناعية والزراعية في العراق سواء كانت ضمن النشاط الخاص أو العام، إلى مستوى التنمية المستدامة، من أجل الصعود والتقدم والاستمرار بوتيرة متصاعدة في النمو الاقتصادي بتحقيق نسبة لائقة في الناتج المحلي الاجمالي والقيمة المضافة، وتحسين مستوى معيشة أفراد المجتمع عاماً.
ولا يرجع السبب كما يظن البعض إلى الظروف السياسية والحروب الداخلية والخارجية التي حصلت في العراق منذ تأسيس الدولة الحديثة عام (1921) وإلى الآن ؛ بل كان هناك خلل في التخطيط وسوء الإدارة، وعدم إدراك المسؤولين لمقومات أساسيه ومستلزمات استدامة التنمية.
إن مجرد عملية نقل التكنولوجيا بجلب المكائن والمعدات برؤوس أموال فأئضة من الإيراد النفطي، والاعتماد على الشركات الاجنبية في كل شيء لا تكفي لوحدها، بل لابد من اكتساب المعرفة والخبرة والدراية والتوجيه الصحيح، وإعادة هيكلة التربية والتعليم، من أجل خلق جيل قادر على استيعاب متغيرات العصر ويمضي قدماً في الإبداع والتطوير وزيادة الانتاج ويفرض منتجاته بمعزل عن الدعم الحكومي على المدى البعيد.
إن عملية التنمية المستدامة في بلد كالعراق يمتلك احتياطي نفطي مؤكد بمقدار (150) مليار برميل/محسوبة في 10 نيسان 2013 (حسب وزارة النفط العراقية)، واحتياطي من الغاز الطبيعي (3.2) ترليون متر مكعب، لابد وأن يتخذ الخطوات العلمية الصحيحة للتنمية والاستثمار .
نستنتج مما سبق، أن العراق وبعض بلدان المنطقة وصلوا إلى مرحلة صعبة جدا في سياسة الاقتصاد الريعي، والاعتماد المفرط على الإيراد النفطي في كل شيء، وان هبوط الأسعار تعد ناقوس خطر يهدد حياة العراقيين، وبالتالي يدعو إلى انتهاج استراتيجية اقتصادية تتبنى عملية التنمية المستدامة، علماً بأن العراق يمتلك كل المقومات اللازمة للتحول والنهوض، من خلال توافر الطاقات البشرية والخبرات والاحتياطات النفطية والغازية، إذ يجب ان يتبنى استراتيجية جديده للتربية والتعليم وتنمية بشرية قادرة على النهوض والتقدم، والعمل على إعادة بناء العملية السياسية وتشريع القوانين اللازمة لتشجيع الاستثمار في القطاعيين العام والخاص والنهوض بالبلد من جديد .

وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية