يحبس التونسيون أنفاسهم قبل يوم من حدث يعتبرونه مفصليا وحاسما لتحديد مستقبل بلادهم وتثبيت دعائم الانتقال الديمقراطي في مهد الربيع العربي، في حين تعلو الحيرة وجوه كثير من المواطنين لمن تراهم سيمنحون أصواتهم.
تتداخل الأفكار وتزدحم الأسئلة في ذهن وهبي بليج، وهو الذي اعتاد أن يستقبل زبائنه في مخبزه بحي التحرير المتاخم للعاصمة بابتسامة عريضة، لكنها اليوم السبت تختفي قليلا لتحل محلها ملامح الحيرة والقلق على مستقبل البلاد بعد يوم الأحد الموعود.
حيرة ناخب
سبق لوهبي أن شارك في انتخابات 2014 ومنح صوته للمرشح الذي ظن أنه سيغير ما عجز عنه كثير من الرؤساء من قبله، لكنه لم يخفِ خلال حديثه للجزيرة نت شعور الإحباط الذي يعتريه بعد أن تبخرت تلك الوعود بمجرد وصوله إلى السلطة.
ويقول الرجل الخمسيني إنه تابع جميع المناظرات الرئاسية ليحسن الاختيار ويتعرف على برامج المرشحين، وهو اليوم عازم على القيام بواجبه الانتخابي رغم قناعته الداخلية بأن لا شيء سيتغير.
ترقب وأمل
في ركن صغير من مكتبته يتصفح محمد الحبيب فاضل إحدى الصحف المحلية، ليتفقد كما يقول أحوال البلاد والعباد، مهمهما بعبارات ساخطة على صعود ما وصفها بـ”التيارات الشعبوية ولوبيات الفساد” الطامحة لحكم تونس.
ويتحسر الرجل الستيني على ثورة يقول إنها “انحرفت عن أهدافها”، لكنه أبقى باب الأمل مواربا في أن تحمل الانتخابات الرئاسية رياح التغيير و”تكنس منظومة فاشلة في الحكم والمعارضة” على حد وصفه.
ويصف الحبيب الوعود الانتخابية بأن بعضها “فضفاضة وأخرى حادت عن صلاحيات رئيس الجمهورية”، لكنه يؤكد أنه سيذهب غدا الأحد لممارسة واجبه الوطني وغمس إصبعه في الحبر الأزرق لمن يراه الأجدر والأصلح لحكم تونس.
ويؤكد الحبيب أن ضبابية المشهد الانتخابي وتناحر المرشحين على كرسي الرئاسة لم يفسدا عليه شعوره بالفخر كمواطن تونسي يقوم بواجبه الانتخابي بكل حرية وديمقراطية وفي انتخابات يصعب التكهن بنتائجها.
ومع دخول الصمت الانتخابي حيز النفاذ لحدود منتصف الليل بتوقيت تونس، لا تغفل أعين الآلاف من المراقبين الذين جندتهم الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على تتبع أي خروق يرتكبها هذا المرشح أو ذاك.
ويشدد فاروق بوعكسر نائب رئيس الهيئة في حديثه للجزيرة نت على جاهزيتهم التامة لضمان سير العملية الانتخابية في كنف الشفافية والنزاهة واحترام القانون الانتخابي.
وأشار بوعسكر إلى أن البدء في عملية نقل المواد الانتخابية من صناديق وخلوات وحبر انتخابي وأوراق التصويت وتسليمها لرؤساء مكاتب الاقتراع الموزعين على 27 دائرة انتخابية سيتم خلال الساعات المقبلة تحت حراسة مشددة من فرق الأمن والجيش.
وشدد بوعسكر على أنه بداية من الساعة السابعة صباحا من يوم غد سيتم توزيع أكثر 4 آلاف مراقب محلي و220 مراقب أجنبي لمراقبة العملية الانتخابية منذ بدايتها وصولا لعملية الفرز.
وفيما يتعلق بتداخل تاريخ الصمت الانتخابي مع بدء الحملة الخاصة بالانتخابات التشريعية في ظل وجود مرشحين يخوضون الرئاسية والتشريعة معا، أكد بوعسكر على أن الهيئة اتخذت جميع التدابير اللازمة لمراقبة سير الحملات الانتخابية لمرشحي التشريعية منعا لأي خروق.
وأشار إلى تنبيه الهيئة بشكل صارم على جميع الأحزاب والائتلافات والمستقلين بضرورة الالتزام بضوابط الحملة التشريعية، وأنها ستطبق القانون بلا هوادة بحال تم خرق الصمت الانتخابي.
وسلطت منظمة “أنا يقظ” الرقابية خلال مؤتمر صحفي اليوم السبت بالعاصمة تونس على أبرز الخروق التي ارتكبت خلال الحملات الانتخابية للمرشحين والتي تراوحت بين العنف المعنوي والجسدي بين المتنافسين وأنصارهم، وأخرى مسلطة على المراقبين.
ولم يخفِ الناشطون في المنظمة الرقابية استياءهم من طريقة تعامل الهيئات الفرعية للانتخابات والأحزاب مع المراقبين، حيث عمد كثير منهم لسياسة “التضليل والمراوغة” من خلال مدهم بمعطيات خاطئة.
الخروق أيضا طالت الصحفيين الذين ذهب جزء منهم ضحية لبعض المرشحين من خلال استهدافهم، سواء بالعنف المعنوي أو الجسدي أو محاولة أخذ كاميراتهم وهواتفهم ومسح موادهم المصورة.
المصدر : الجزيرة