أبدى وزير الحرب الإسرائيلي الجديد، قبل عشرة أيام، استعداده للقيام بعملية عسكرية لإبعاد إيران عن حدود «إسرائيل». قال إن وضعها الداخلي العاصف يتيح فرصة ملائمة للعمل على التخلّص من الوجود الإيراني في سوريا.
بنيامين نتنياهو لم يتفوّه بكلام مماثل، وإن كان أوحى، بتهويله المتواصل بخطر إيران على أمن إسرائيل القومي، إنه يوافق ضمناً على موقف وزير حربه.
لا يخفى على أحد داخل الكيان الصهيوني وخارجه أن ما يتفوّه به كلاهما هو لغايات انتخابية بالدرجة الأولى. فقد بات من المؤكد أن «إسرائيل» مُقبلة على انتخابات ثالثة، في خلال أقل من سنة، وإن تقارب حظوظ النجاح فيها بين زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو وغريمه الرئيسي بني غانتس، زعيم تكتل «أزرق أبيض»، يدفع رئيس الحكومة اليميني المنتهية ولايته، إلى فعل المستحيل ليفوز في الانتخابات إبتغاءً للبقاء في السلطة. ذلك أن بقاءه رئيساً للحكومة يتيح له حصانة تمنع محاكمته موقوفاً، وفوق ذلك قد تُؤجل المحاكمة أشهراً عدّة.
للبقاء في السلطة لجأ نتنياهو إلى إطلاق مواقف يظنّ انها تساعد في تعزيز تصويره لدى الإسرائيليين رجل دولةٍ من طراز رفيع، وإن ذلك يعزز كثيراً حظوظه الانتخابية. في هذا السياق، ركّز نتنياهو خلال لقائه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في العاصمة البرتغالية لشبونة على مسألتين: تشكيل حلف دفاعي مع الولايات المتحدة، والحصول على اعترافٍ منها بسيادة «إسرائيل» على منطقة غور الأردن.
من المستبعد جداَ لجوء الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار أحمق بشن الحرب على إيران كرمى لـِ«اسرائيل» أو لغيرها
هل يستجيب الرئيس الأمريكي؟ قياسـاً باعتــراف الولايات المتحــدة بالقــدس عاصمة لـِ»اسرائيل»، واعترافها أيضاً بسيادتها على الجولان السوري المحتل، فإن قيام ترامب بالاعتراف بسيادة «إسرائيل» على منطقة غور الأردن يبدو ممكناً، لكن قبوله بعقد معاهدة دفاع مشترك معها قد يكون مستبعداً. ففي سياق الحملة الضارية لشيطنة إيران وحصارها وتصعيد العقوبات الاقتصادية عليها، قد لا يتورع معها الرئيس الأمريكي النزق الاعتراف بأحقية ضمّ «إسرائيل» لغور الاردن، متسلّحاً بحرص واشنطن الثابت على صون أمن «إسرائيل» القومي في كل الظروف، وبكل الوسائل المتاحة. لكن توقيع معاهدة دفاع مشترك معها يبدو مستبعداً، ولاسيما من قِبَل الدولة الامريكية العميقة ــ أيّ البنتاغون (وزارة الدفاع) ووكالة الاستخبارات المركزية وأباطرة شارع المال والأعمال (وول ستريت) – وربما أيضاً من قِبَل اركان الحزب الديمقراطي المعارض.
المعارضون الأمريكيون المحتملون لتوقيع معاهدة دفاع مشترك مع «إسرائيل» لا يفعلون ذلك كرهاً لها، بل حفاظاً على مصالح الولايات المتحدة ونفوذها في بلاد العرب والمسلمين، لأن كبار أركان الدولة العميقة يدركون أن قادة «اسرائيل» لن يتورعوا عن ارتكاب حماقات مميتة، بدعوى الحفاظ على أمن «إسرائيل» القومي كأن يقوموا بشنّ عملية عسكرية واسعة على إيران بذريعة منعها من صنع سلاح نووي، فتكون الولايات المتحدة مضطرة تالياً إلى مساندتها حتى لو تطلّب الأمر المشاركة في الحرب، عملاً بأحكام معاهدة الدفاع المشترك التي تنصّ غالباً على اعتبار أي عدوان خارجي يُشَن على أحد طرفيها عدواناً على الآخر.
إن لدى الولايات المتحدة الكثير من الوسائل لدعم «إسرائيل» سياسياً وعسكرياً، كما كان الأمر دائماً، من دون الاضطرار إلى التورط في حرب مع إيران أو غيرها، وهي تلتزم دائماً هذا النهج مذّ زرعت «إسرائيل» بين ظهراني العرب قبل أكثر من سبعين سنة. إلى ذلك، فإن واشنطن غير واثقة من أن قواعدها ومصالحها في بلاد العرب ستبقى بمأمن من التدمير والتخريب، إذا ما تنطحت إلى شنّ حرب على إيران كرمى لعينيّ «إسرائيل». الأمر نفسه ينطبق على حلفاء الولايات المتحدة في بلاد العرب.
يتحصّل من مجمل ما تقدّم بيانه، إن متابعة واشنطن حملتها لشيطنة إيران وفرض الحصار والعقوبات الاقتصادية عليها، والتهويل بخطرها على دول الخليج لابتزازها سياسياً ومالياً ستبقى ممكنة ومعتمدة، لكن من المستبعد جداَ بل من المستحيل لجوء الولايات المتحدة إلى اتخاذ قرار أحمق بشن الحرب على إيران كرمى لـِ»اسرائيل» أو لغيرها.
قد يقول قائل إن ترامب يهمه، شأن نتنياهو، الفوز في الانتخابات، وربما يظنّ أن قيامه بتسديد ضربة مدمّرة لإيران يشكّل رافعة عظيمة له في الانتخابات، ويضمن له ولاية رئاسية ثانية. الحقيقة أن ترامب أحمق، لكنه ليس مجنوناً. حتى لو جنّ وبلغ به الجنون حدّ التفكير بمثل هذه الحماقة المدوّية، فإن أركان الدولة العميقة لن يسمحوا له بالتأكيد بأن يمارس جنونه على هذا النحو المدمر لمصالح أمريكا ونفوذها في العالم.
القدس العربي