قدم الرئيس الإيراني حسن روحاني، مشروع ميزانية العام الإيراني القادم، الذي يبدأ في 21 مارس/آذار 2020، إلى مجلس الشوري الإسلامي (البرلمان)، واصفا إياها بـ “میزانیة الصمود ومواجهة العقوبات”، وسط أزمات اقتصادية ومعيشية في ظل الحظر الأميركي على صادرات النفط، ما دفع الحكومة إلى البحث عن موارد أخرى لتقليص تداعيات الحظر، منها زيادة العائدات الضريبية والاقتراض.
وبحسب البيانات الرسمية، التي أوردتها وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء “ارنا”، الأحد، فإن حجم الموازنة العامة يبلغ 5638290 تريليون ريال (134.2 مليار دولار وفق السعر الرسمي). ويحدد البنك المركزي سعر الدولار بقيمة 42 ألف ريال، بينما يبلغ قرابة 133 ألف ريال في السوق الموازية (السوداء).
وعرضت الحكومة، الميزانية الجديدة، وسط أزمات اقتصادية ومعيشية تعاني منها البلاد بسبب العقوبات الأميركية والسياسات الحكومية المتراكمة، وفجرت احتجاجات مطلبية خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، هي الأوسع منذ 40 عاماً، على خلفية قرار رفع أسعار البنزين بنسبة 3 أضعاف، ما تسبب في ارتفاع الأسعار والخدمات بنسب متفاوتة بين 15 و40 في المائة.
وقال روحاني خلال كلمته أمام المشرعين: “نعلم أن الشعب يواجه الصعوبات وقوته الشرائية قد تراجعت”. إلا أن التقديرات والمؤشرات تشير إلى أن الاقتصاد الإيراني يتجه نحو نمو إيجابي، مضيفا أن “الأعداء قد أخفقوا في هزيمة الاقتصاد الإيراني”، وأن حكومته “اتخذت خطوات اقتصادية كبيرة وأن الدولة تسلك مسار التنمية والازدهار”.
وأعلن مركز الإحصاء الإيراني، في الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بلوغ معدل التضخم (أسعار المستهلكين) 41 في المائة.
وقال نائب الرئيس الإيراني، إسحاق جهانغيري، الأسبوع الماضي، إن الولايات المتحدة بعقوباتها “أغلقت جميع المنافذ الرئيسية للاقتصاد الإيراني”، وتسببت في وضع غير مسبوق على مدى الأربعين سنة الماضية.
وأضاف جهانغيري أنه على الرغم من “إخفاق العدو في تصفير صادراتنا النفطية، لكن بسبب ضغوطه الهائلة، أصبحت الدول الصديقة لنا لا تتجرأ على شراء نفط إيران”.
وكان الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن في مايو/ أيار من العام الماضي 2018 انسحاب بلاده من الاتفاق النووي المتعدد الأطراف مع إيران، وأعاد فرض عقوبات على طهران، مست كافة مفاصل الاقتصاد الإيراني، في مقدمته قطاع النفط الحيوي.
وتظهر الميزانية الجديدة ارتفاعا بنسبة 25 في المائة عن الميزانية المعدلة للعام الحالي، رغم تراجع موارد الدولة بسبب العقوبات الأميركية، خاصة على قطاع النفط، إلا أنها تشير في المقابل إلى زيادة العوائد الضريبية بنسبة 23 في المائة عن المقدر في العام الحالي.
ووفق روحاني فإن ميزانية العام المقبل لا تعتمد تقريبا على إيرادات صادرات النفط، التي سيتم صرفها على المشاريع العمرانية فقط. وتشير تقارير محلية إلى أن العجز المتوقع في الميزانية المقبلة يصل إلى 25.2 مليار دولار. وبحسب مشروع الميزانية، فان الحكومة ستطرح صكوكاً إسلامية (أدوات دين) بقيمة 800 تريليون ريال، بالإضافة إلى بيع أصول استثمارية ومالية لتوفير موارد مالية.
وكان محمد باقر نوبخت، مساعد رئيس الجمهورية، رئيس منظمة التخطيط والميزانية، قد أعلن مؤخرا أنه “سيتم إعداد الميزانية الجديدة للمرة الأولى في تاريخ الحكومات في الجمهورية الإسلامية بأدنى اعتماد على عوائد النفط” بسبب الحظر الأميركي على صادرات الخام، مشيرا إلى أنه تم في هذه الميزانية البحث عن مصادر أخرى وإدارة البلاد عبر هذه المصادر.
وفي وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول الجاري، قال إسحاق جهانغيري، النائب الأول للرئيس الإيراني، إن الولايات المتحدة لم تستطع تصفير صادرات النفط الإيراني على الرغم من ممارسة أقصى الضغوط النفسية والاقتصادية على الدولة، مؤكدا أن لدى بلاده “طرقاً أخرى” لبيع النفط.
وأضاف جهانغيري، في مؤتمر بمناسبة اليوم الوطني للتصدير في طهران، يوم الإثنين الماضي، أن “الأميركيين ركزوا أقصى ضغوطهم على الحياة المعيشية للشعب الإيراني”. وتطاول العقوبات خدمات وسلعا حيوية ومشاريع وفتح الحسابات المصرفية في الخارج.
وأظهرت بيانات صادرة عن وكالة الطاقة الدولية والشحن البحري، وفق وكالة رويترز، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن طهران لم تعد قادرة على تصدير سوى 200 ألف برميل يومياً، مقارنة بنحو 2.3 مليون قبل انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، أي بانخفاض تبلغ نسبته 91.3 في المائة.
وتسعى الحكومة الأميركية إلى تصفير صادرات النفط الإيرانية، حتى تتمكن من إجبار طهران على قبول التفاوض حول البرنامج النووي والصاروخي وفقاً للشروط التي تريد أن تمليها عليها، حسب مسؤولين إيرانيين.
وفي المقابل، فإن طهران تستغل الثغرات في الحظر والمراقبة لتصدير جزء من نفطها، خاصة للدول الآسيوية. وتكثف إيران مساعيها لفتح المزيد من القنوات التجارية مع العديد من الدول لا سيما المجاورة.
وفي مواجهة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يواجهها المواطن الإيراني، قررت الحكومة في الميزانية الجديدة استمرار دفع المساعدات المالية النقدية الشهرية المعمول بها منذ 10 سنوات، وتصل إلى ما يعادل 10.7 دولارات شهرياً لكل مواطن، ما يجعل إجمالي المساعدات المصروفة لنحو 78 مليون إيراني يبلغ سنويا ما يعادل 10 مليارات دولار، وفق سعر الصرف الرسمي.
كما قررت الحكومة في الميزانية الجديدة زيادة الحد الأدنى لأجور موظفي الدولة والعاملين في الجهاز الإداري بنسبة 15 في المائة.
العربي الجديد