بعد نجاحهما في دفع الأطراف الليبية المتحاربة إلى قبول وقف إطلاق النار الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي صباح الأحد الماضي، تمكن الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين من إقناع الفرقاء بالسفر إلى موسكو للمشاركة في محادثات فورية تستهدف تثبيت إيقاف الأعمال القتالية وتوقيع اتفاقية يمكن أن تمهد لاستئناف العملية السياسية. وقد وصل إلى العاصمة الروسية كل من فائز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني، والمشير المتقاعد خليفة حفتر قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي، كما وصل إليها وزيرا الخارجية والدفاع في تركيا لتأكيد الطابع السياسي والدبلوماسي والعسكري للمباحثات.
ويُلاحظ أولاً أن لقاء موسكو يشكل نجاحاً صريحاً للجهود التركية والروسية في الدخول على خط الملف الليبي من بوابة عسكرية أولى تمثلت في حضور البلدين على الأرض عبر القوات التركية ومتعاقدي «فاغنر» الروس، وبوابة ثانية دبلوماسية وجيو ــ سياسية عكستها الاتفاقية الاستراتيجية الأخيرة بين تركيا وحكومة الوفاق الوطني وكذلك دعوة أردوغان وبوتين إلى وقف إطلاق النار من اسطنبول خلال قمة بين الزعيمين.
كما يُلاحظ، ثانياً، أن توصل الأطراف الليبية إلى اتفاق أوسع نطاقاً من مجرد وقف إطلاق النار سوف يدشن اختراقاً تركياً ــ روسياً لمساعي تأجيج الحرب على تخوم العاصمة الليبية طرابلس، وهي الخطط التي تقودها مصر والإمارات والسعودية منذ بدء ترقية حفتر إلى مستوى اللاعب المحلي الموازي لحكومة الوفاق، وقبل زمن طويل من شروعه في حملة حصار العاصمة قبل تسعة أشهر. وهنا يكمن الخطر على وقف إطلاق النار الحالي الهش أصلاً والخشية من أن يسعى داعمو حفتر الإقليميون والمتوسطيون إلى تخريبه أو نسفه نهائياً.
ومن الواضح، ثالثاً، أن ترحيب الأمم المتحدة بلقاء موسكو واحتمالات التوصل إلى توافق يستأنف العملية السياسية، وكذلك ترحيب الاتحاد الأوروبي كما جاء على لسان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير، إنما يخفيان إقراراً بفشل الجهود الأممية حتى الساعة، وأن إدارة الملف قد تكون انتقلت إلى أنقرة وموسكو بالتراضي بين العاصمتين ومن منطلق ما باتت كل منهما تملك من أوراق قوة على الأرض. وفي السياق ذاته يُفهم أيضاً عدم سحب الحكومة الألمانية دعوة سابقة إلى عقد مؤتمر خاص بليبيا تحتضنه برلين أواسط هذا الشهر، ومعه يُفهم أيضاً بيان سفارات الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا وبعثة الاتحاد الأوروبي لدى ليبيا، الذي يرحب بوقف إطلاق النار ويحث جميع الأطراف على اغتنام الفرصة انطلاقاً من روح مؤتمر برلين لمعالجة القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية التي تكمن وراء الصراع.
المعطيات المتوفرة حتى الساعة تحمل مؤشرات إيجابية على إمكانية خروج لقاء موسكو باتفاق ينقل الصيغة المؤقتة من وقف إطلاق النار الحالي إلى صيغة دائمة، ويدشن آليات جديدة لاستئناف الحوار بين الأطراف برعاية دولية قد تنطوي أيضاً على احتمال إرسال قوات دولية، للفصل بين المتحاربين وإعادة أمراء الحرب إلى ثكناتهم وضمان تهدئة عسكرية وسياسية تخفف آثار القتال المدمرة على الصعيد الإنساني، وتتيح إعطاء الكلمة لجولات التفاوض. وفي هذه الحالة قد تكون كتائب القبعات الزرق أممية الرايات، ولكنها عملياً صناعة تركية ـ روسية.