لم تنقطع التحولات التي شهدتها التحالفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة، في ظل حالة الاضطراب وانعدام اليقين في التفاعلات الإقليمية، وتصاعد التهديدات العابرة للحدود، نتيجة احتدام الصراعات الأهلية على امتداد الإقليم، والطفرة غير المسبوقة في نشاط التنظيمات الإرهابية والميليشيات المسلحة، وهو ما دفع دول الإقليم إلى إعادة تشكيل تحالفاتها وانتهاج قدر كبير من المرونة والبرجماتية لمواجهة عدم الاستقرار المتصاعد إقليميًّا.
مراحل تغير التحالفات الإقليمية
ثمة أربع مراحل رئيسية يمكن الانطلاق منها في تعرُّف خريطة التحالفات “المرنة” والمتغيرة في منطقة الشرق الأوسط، بدايةً من الفترة السابقة على اندلاع ثورات الربيع العربي في هذه الدول عام 2011، مرورًا بما لحقها من صعود تيار الإسلام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم في عدد من الدول، قبل أن تتهاوى تجربة الإخوان سريعًا بعد سقوطهم الذريع في مصر وتراجعهم في دول أخرى، مثل تونس وليبيا، وصولاً إلى التطورات الراهنة التي يشهدها الإقليم بعد “الانقلاب الحوثي” في اليمن، وما استتبعه من تدخل عسكري عربي بقيادة السعودية، بدعم من قوى دولية وإقليمية أخرى؛ وذلك من خلال “عاصفة الحزم”.
1- الثورات العربية: قبل سقوط الأنظمة السياسية الحاكمة في مصر، وليبيا، وتونس، واليمن، واندلاع الثورة في سوريا ضد نظام “بشار الأسد” عام 2011، كان الشرق الأوسط ينقسم إلى محورين رئيسيين؛ هما:
أ- “محور الاعتدال”: وكان يضم حينها كلاً من مصر والسعودية والأردن والإمارات والكويت، بالإضافة إلى المغرب وتونس وأطراف لبنانية. وكان هذا المحور مُقربًا من الغرب، داعمًا للسلطة الفلسطينية بقيادة “محمود عباس”، ومؤيدًا لتسوية سياسية مع إسرائيل.
ب- “محور الممانعة”: وضم هذا المحور كلاًّ من إيران وسوريا و”حركة حماس” في فلسطين و”حزب الله” اللبناني، بالإضافة إلى الجزائر والسودان. وكان هذا المحور على علاقة متوترة مع الغرب، ويعتبر التسوية السياسية مع إسرائيل تنازلاً واستسلامًا. وعلى مسافة قريبة من هذا المحور، كانت قطر وتركيا في عهد “رجب طيب أردوغان”، اللتان احتفظتا بعلاقات أيضًا مع “محور الاعتدال”.
وعقب تفجر الثورات العربية، بدأت خريطة التحالفات والمحاور تتبدل؛ حيث أحدثت “ثورات الربيع العربي” خلخلة داخل محوري “الاعتدال والممانعة”، وهو ما تبلور في الآتي:
أ- خروج مصر من “محور الاعتدال” بعد سقوط نظام “مبارك” في يناير 2011.
ب- اندلاع الثورة السورية ضد نظام “بشار الأسد”، دفع بحركة “حماس” السُنية خارج محور “الممانعة” بعد خروج قياداتها من سوريا.
ج- ابتعاد تركيا وقطر عن تقاربهما السابق في “محور الممانعة”، واتضح ذلك من خلال دعمهما المُعلن للثورة السورية ضد “الأسد”.
د- حدوث تغير كبير في محور “الممانعة”؛ حيث تحول هذا المحور إلى محور للنفوذ الإيراني الشيعي يمتد من طهران إلى بغداد، مرورًا بنظام “الأسد” في دمشق، وصولاً إلى “حزب الله” اللبناني، واليمن عبر جماعة “الحوثيين”.
2- صعود تيارات الإسلام السياسي: استغلت تيارات الإسلام السياسي -وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين- ضعف وهشاشة التيارات السياسية المنافسة في دول الربيع العربي، واستطاعت تحقيق عدة نجاحات أوصلتها إلى رأس السلطة في دول، وقربتها من الحكم في دول أخرى.
وعقب انتخاب “محمد مرسي” رئيسًا لمصر عام 2012، ظهرت ملامح تحالف إقليمي جديد يضم كلاًّ من تركيا وقطر ومصر وتونس، تمثل في الدعم المالي والسياسي من جانب الدوحة وأنقرة للحكومة المصرية بقيادة الإخوان، وكذلك لحكومة “حزب النهضة” في تونس، فضلاً عن تقارب الرؤى والتوجهات السياسية بين الدول الأربع إزاء الملفات الإقليمية الأخرى.
ورغم توتر علاقات دول “محور الاعتدال” مع جماعة الإخوان المسلمين وحلفائها الإقليميين، غير أن هذا التحالف الرباعي (تركيا وقطر ومصر وتونس) لم يقطع علاقاته بـ”محور الاعتدال”؛ فقد كانت الزيارة الأولى للرئيس الأسبق “مرسي” إلى الرياض، وشكلت قطر والسعودية وتركيا لجنة لتنسيق الدعم لثوار سوريا، وانضمت الإمارات والأردن إليها في وقت لاحق.
3- انحسار حكم الإسلاميين: أدى تصاعد الغضب الشعبي ضد جماعة الإخوان في مصر، وما ترتب عليه من خروج تظاهرات حاشدة في 30 يونيو 2013 عزلت الأسبق “محمد مرسي”؛ إلى سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر وانحسار باقي تيارات الإسلام السياسي في دول أخرى، مثل تونس وليبيا، وما استتبعه ذلك من تغير خريطة التحالفات في الإقليم.
ومن ثم عادت مصر إلى “محور الاعتدال” الذي يضم كلاًّ من (السعودية، والإمارات، والكويت، والبحرين، والأردن). وقدمت هذه الدول الخليجية حزمة من المساعدات المالية للنظام المصري الجديد في مواجهة التحديات الاقتصادية الضخمة التي تعاني منها البلاد خلال السنوات الأخيرة.
وعلى الجانب الآخر، فقد شهدت العلاقات بين مصر من ناحية، وقطر وتركيا من ناحية أخرى، فتورًا وصل إلى حد القطيعة بعد الإطاحة بالإخوان؛ حيث تشن الدوحة عبر آلتها الإعلامية المتمثلة في قناة الجزيرة حملات مضادة ضد النظام المصري الجديد، فيما يرفض الرئيس التركي “أردوغان” الاعتراف بثورة 30 يونيو، مطالبًا بإطلاق سراح “محمد مرسي”. وعلى وجه العموم، تبلورت عدة محاور رئيسية في منطقة الشرق الأوسط بعد سقوط الإخوان في مصر؛ هي:
أ- محور (4+2)، وهو تحالف خليجي (سعودي، إماراتي، كويتي، بحريني) مع كل من مصر والأردن.
ب- تحالف (قطري – تركي) داعم لتيارات الإسلام السياسي وعدد من الفاعلين من غير الدول في المنطقة، وفي مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وحركة “حماس” في قطاع غزة.
ج- محور شيعي تقوده طهران لبسط نفوذها في الإقليم، ويضم كلاًّ من (إيران، وسوريا، والعراق، وحزب الله في لبنان، والحوثيين في اليمن).
خريطة التحالفات في الشرق الأوسط
عقب وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وتولي شقيقه العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في يناير 2015؛ شهدت المملكة العربية السعودية تغييرات عدة ببنية السلطة، وما استتبعه ذلك من تغير نهج السياسة الخارجية السعودية، وتبني سياسات تسعى إلى تحقيق التوازن بين الاحتفاظ بالتعاون الاستراتيجي مع مصر، والاقتراب من تركيا، بهدف تقويض التغلغل الإيراني في سوريا، باعتبار نظام “بشار الأسد” امتدادًا لطهران.
وخلال أسابيع قليلة من توليه الحكم، استقبل الملك سلمان في العاصمة الرياض عددًا من زعماء وقادة الدول، وكان أبرزهم الرئيس التركي “أردوغان”، ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، في نهاية فبراير الماضي. وأظهر هذان اللقاءان بُعدًا جديدًا في السياسة الخارجية السعودية، وفتحا الباب واسعًا أمام التكهنات بوجود مساعٍ سعودية لتشكل تحالف سني مُوسع يضم عدة دول في المنطقة، على رأسها تركيا ومصر، لمواجهة المحور الشيعي الإيراني.
ومع تسارع التطورات السياسية والأمنية في اليمن وصولاً إلى انقلاب ميليشيا “الحوثي” على السلطة الشرعية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي؛ أعلنت المملكة العربية السعودية عن بدء عملية عسكرية تحت اسم “عاصفة الحزم” للتصدي لميليشيا “الحوثي” ووقف الدعم المقدم لها من قِبل إيران، واستعادة الشرعية والاستقرار في اليمن.
وأعلنت الرياض أن التحالف العسكري الموجه ضد الحوثيين باليمن يضم -بجانب السعودية- دولاً أخرى هي (الإمارات، والكويت، وقطر، والبحرين، ومصر، والأردن، والمغرب، والسودان، وباكستان)، مع تأييد تركي وأمريكي لهذه العملية. ثم أعلنت السنغال لاحقًا في مطلع شهر مايو مشاركة نحو 2100 جندي من الجيش السنغالي في عمليات “إعادة الأمل” في اليمن، بعد انتهاء “عاصفة الحزم”، مُحذرةً من أن المتمردين الحوثيين في اليمن يمثلون تهديدًا خطيرًا للاستقرار الإقليمي والأماكن المقدسة الإسلامية.
وقد نُظر إلى هذا التحالف العسكري في بداياته على إنه بمنزلة تحالف جديد (محور سني) في هذه المنطقة الممتدة، بحيث يضم مزيجًا من التحالفات السابقة (تحالف 4+ 2) و(التحالف التركي – القطري)، بالإضافة إلى توسعه ليشمل دولاً جديدة (المغرب، والسودان، وباكستان، والسنغال).
غير أن ما يحدث على أرض الواقع لا يعكس تبلور هذا التحالف بمفهومه الواسع بين شركائه الرئيسيين (الدول السنية الكبرى)، وهي الحقيقة التي تؤكدها المعطيات التالية:
أ- تراجع باكستان عن الدعم العسكري لقوات التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، بعد رفض البرلمان في إسلام أباد مبدأ المشاركة في هذه العمليات، وتصويته على البقاء على الحياد حيال الأزمة اليمنية. وجدير بالذكر أن باكستان تضم في تركيبتها السكانية وجودًا شيعيًّا مهمًّا لا يمكن إغفال تأثيره في القرارات التي تتخذها تجاه المنطقة، وخاصةً تجاه الملفات التي ترتبط بالطائفة الشيعية.
ب- الدعم التركي المحدود لعاصفة الحزم؛ فالرئيس التركي “أردوغان” سبق أن تعهد بدعم تدخل المملكة العربية السعودية، وطالب إيران والجماعات الإرهابية بالانسحاب من اليمن، مؤكدًا أنه ربما يفكر في تقديم “دعم لوجستي” استنادًا إلى تطور الوضع، ولكن بعد أن أثارت هذه التصريحات غضب الإيرانيين، تراجع الرئيس التركي خطوة إلى الوراء، مشددًا على أن طهران هي الشريك التجاري الرئيسي للأتراك.
لماذا تغيرت التحالفات الإقليمية؟
تكشف تطورات الأحداث في الشرق الأوسط على مدار السنوات الأخيرة، وكذلك الظروف الراهنة، عن عدد من العوامل والمحددات أسهمت في تغير التحالفات الإقليمية، ومن المتوقع أن تؤثر أيضًا في المسارات المحتملة لخريطة التحالفات مستقبلاً. وتتمثل هذه العوامل في الآتي:
1- طبيعة التحالفات “المرنة والمؤقتة”: اتساقًا مع وتيرة الأحداث السريعة التي يشهدها الشرق الأوسط منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، فقد انعكس ذلك على طبيعة وشكل التحالفات بين دول الإقليم؛ حيث لم تعد هذه التحالفات تتسم بصفة الجمود والاستمرارية لمدة طويلة مثلما كانت في عقود سابقة، بل باتت “المرونة” سمة أساسية لنمط التحالفات السائد في المنطقة.
وطبقًا لهذه الخصيصة، فإن دولة ما قد تنضم إلى تحالف محدد في سبيل تحقيق هدف “مؤقت”، وهو ما اصطلح على تسميته بتحالف “الضرورة”. ولا يعني انضمامها إلى هذا التحالف خروجها من تحالفات إقليمية أخرى. وهذا معناه احتمالية انضمام الدولة إلى أكثر من “تحالف” في وقت واحد، بل ومع حلفاء لديهم أجندات وتوجهات مختلفة.
2- التغيرات السياسية الداخلية في دول الإقليم: مما لا شك فيه أن التغيرات التي طرأت على العديد من دول المنطقة خلال السنوات الأخيرة، أثرت بدورها في نمط التحالفات في الإقليم. والدليل على ذلك ما أحدثته ثورات الربيع العربي من تغييرات جذرية في الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول، وما ترتب على ذلك من تعديل هذه الدول تحالفاتها، على النحو السابق توضيحه أعلاه.
كما أن التغييرات التي تفرزها الممارسات السياسية المعتادة (الانتخابات أو انتقال السلطة سلميًّا) من شأنها أيضًا التأثير في نمط التحالفات السائدة، نتيجة تغير الحكومات وما يستتبعه من اختلاف في سياساتها الخارجية. ومثال ذلك التغيرات التي أجراها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز على هياكل السلطة بعد رحيل شقيقه الملك عبد الله، وانعكاسات ذلك على خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة.
3- تراجع الاهتمام الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط: تغيرت أولويات الولايات المتحدة خلال السنوات الأخيرة، في ظل تقليل اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط لصالح منطقة آسيا والمحيط الهادي في إطار ما يُسمى “محور إعادة التوازن Asian Pivot”.
فقد رأت واشنطن أن المنطقة العربية تعاني اضطرابات كبيرة، ومُقبلة على حروب متوقعة يمكن أن تؤدي إلى تورطها بشكل يكون مُكلفًا هي في غنى عنه، في ظل حالة الركود النسبية للاقتصاد الأمريكي، وتقليل موازنة البنتاجون؛ لذلك فإن أبرز الخطوط الرئيسية لسياسة “أوباما” هي جعل دول المنطقة تتحمل الجزء الأكبر من تكاليف أي جهد عسكري واقع أو محتمل، مثل مواجهة تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات المتطرفة.
ومن الأسباب الكامنة وراء إعادة واشنطن النظر في كثافة وجودها بمنطقة الشرق الأوسط، هي تراجع اعتمادها على نفط المنطقة، في ظل إنتاجها النفط الصخري. ومن ثم فقد أدركت دول المنطقة -وفي مقدمتها دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى رأسها السعودية- هذه التغيرات في السياسة الأمريكية، وهو ما دفعها إلى تشكيل تحالفات إقليمية مُوسعة لحماية أمنها القومي حال تهديدها، خاصةً من إيران، ويمكن اعتبار “عاصفة الحزم” نموذجًا على ذلك.
4- التمدد الإيراني (الشيعي) في المنطقة: تُشكل إيران تهديدًا لدول المنطقة في ظل السياسة التي تنتهجها بتدخلها المباشر والعلني في العراق وسوريا واليمن ولبنان، ودعمها الأحزاب والجماعات الشيعية بهذه الدول؛ حيث أسهمت بتدخلها في انهيار هذه الدول وانفراط عقدها.
وتسود المخاوف دول مجلس التعاون الخليجي بعد الإعلان مؤخرًا عن قرب التوصل إلى تسوية بين إيران والغرب بشأن ملفها النووي، وهذه المخاوف مردها احتمالية إبرام صفقات (سرية) بين طهران ومجموعة (5+1) تحصل بموجبها الجمهورية الإسلامية على حوافز في إطار طموحاتها التوسعية بالمنطقة على حساب باقي الدول الإقليمية.
ومن ثم فهذه التحولات الاستراتيجية والتهديدات التي يفرضها المد الإيراني وموقف الغرب الغامض منها، تمثل دافعًا لدول المنطقة -وفي مقدمتها السعودية- إلى إعادة النظر في تحالفاتها الإقليمية من حين إلى آخر، مع محاولة إزالة الخلافات بين الدول السنية في سبيل تكوين جبهة موحدة في مواجهة هذا الخطر الشيعي.
5- الاضطرابات الأمنية في عدد من دول الإقليم: أدت الاضطرابات الأمنية في بعض دول المنطقة، مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، إلى تشكيل تحالفات إقليمية جديدة أو إعادة النظر في تحالفات قائمة بالفعل. ومثال ذلك، تكوين تحالف عسكري عربي بقيادة سعودية وبدعم قوى إقليمية ودولية أخرى، لمواجهة الانقلاب “الحوثي” المدعوم من إيران في اليمن. وفي سوريا، أدت حالة الفوضى على خلفية المواجهات بين نظام “بشار الأسد” ومعارضيه، إلى تحول كل من قطر وتركيا وحماس عن الابتعاد عما كان يسمى “محور الممانعة”.
كذلك، فإن مواجهة تنامي خطر “داعش” وغيره من التنظيمات المتطرفة، كان يقتضي أن تُنحي بعض دول المنطقة خلافاتها في ملفات أخرى جانبًا، وأن تتعاون معًا للتصدي لهذا “السرطان” المتفشي في الجسد العربي. وفي هذا الصدد، تردد وجود تنسيق خفي بين واشنطن وطهران للاستفادة من نفوذ إيران في سوريا والعراق في التصدي لهذا التنظيم المتطرف وغيره من الجماعات المتشددة.
مستقبل توازنات القوى الإقليمية
تشير مجريات الأحداث الراهنة والقراءة المستقبلية لتطورات الأوضاع الإقليمية، إلى أن حالة “عدم الجمود” ستظل مسيطرة على خريطة التحالفات في المنطقة، على الأقل في الجبهة المناوئة للمحور الإيراني الشيعي.
وبناءً عليه، من المرجح أن يظل المحور الإيراني محتفظًا بتركيبته الحالية، مُتضمنًا كلاًّ من إيران وسوريا والعراق، وفاعلين من غير الدول “حزب الله، والحوثيين”.
وفي الناحية المقابلة، ستظل المساعي السعودية مستمرة لتشكيل تحالف “سني” مُوسع، يضم القوى السنية الرئيسية في المنطقة، وهي (تركيا، ومصر، والأردن، والمغرب، والسودان، وباكستان، ودول مجلس التعاون الخليجي، عدا عمان التي تفضل الوقوف على الحياد)؛ حيث تستهدف المملكة من وراء هذا التحالف مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وإضعاف دور اللاعب “غير الدولة” الذي يعتبر بمنزلة أداة المشروع التوسعي الإيراني في الدول الهشة، فضلاً عن توفير ضمانات أمنية لحماية المنطقة، وتحديدًا دول مجلس التعاون، في حال تخلي واشنطن عنها وإبرامها صفقة مع طهران على خلفية الملف النووي الإيراني، وهو ما يعكس وجود حالة من التشكك في جدية المظلة الأمنية الأمريكية لدول الخليج.
غير أن عقبات عدة تقف في طريق إتمام هذا التحالف السني المُستهدف؛ منها أن ثمة اختلافًا في الرؤى والتوجهات السياسية للدول المكونة للتحالف، وخاصةً في السياسات القطرية – السعودية، نحو العديد من الملفات الإقليمية، وأهمها موقفهما من الأحداث في مصر، وكذلك العلاقات التركية – السعودية التي تشهد اختلافًا في بعض القضايا، أبرزها الموقف من جماعة الإخوان المسلمين التي وضعتها الرياض على قوائم المنظمات الإرهابية، ناهيك عن الجفاء الدبلوماسي والفجوة الكبيرة التي تتسع يومًا بعد آخر بين القاهرة من ناحية وأنقرة والدوحة من ناحية، على خلفية الموقفين التركي والقطري الداعم لجماعة الإخوان في مصر، وعدم اعتراف “أردوغان” بشرعية ثورة 30 يونيو وما لحقها من استحقاقات سياسية، فضلاً عن تباين المواقف بين مصر والسعودية فيما يتعلق بكيفية حل الأزمة السورية.
وفي السياق ذاته، لا يمكن تجاهل ارتباط تركيا بعلاقات اقتصادية قوية مع إيران، وهو ما يمثل عائقًا أمام دخول أنقرة في تحالف مضاد لطهران. ويضاف إلى ذلك، التحديات السياسية الداخلية في باكستان؛ حيث تمر إسلام أباد بوضع أمني حرج للغاية يؤثر سلبًا في موقف باكستان إزاء القضايا الخارجية.
الخلاصة، في ضوء تلك العقبات المختلفة، تظل فكرة “التحالف السني” مجرد طموح حتى يتم تنقية الأجواء وإتمام المصالحات بين الدول المستهدف انضمامها إلى هذا التحالف. وفي حالة فشل السعودية وباقي دول هذا التحالف في الاتفاق على رؤية مُوحدة وتصفية الخلافات فيما بينها، ستبقى المسارات المحتملة لخريطة التحالفات في هذه المنطقة، كالتالي:
1- محور شيعي “صلب” تقوده إيران ومعها سوريا والعراق وحزب الله والحوثيون.
2- محور سني “مفتت”، ومن المرجح أن يكون “تحالفات مؤقتة، سواء ثنائية أو متعددة الأطراف”؛ حيث ستلجأ بعض الدول -مثل السعودية وباقي دول الخليج ومعها مصر وتركيا والأردن والمغرب والسودان- إلى الدخول في تحالفات “قطاعية غير دائمة”، أي تنتهي بانتهاء المصلحة أو الضرورة؛ حيث سيقتصر التعاون في هذه الحالة بين الدول المتحالفة على الملفات والمصالح الآنية موضع تلاقي وجهات النظر، واتباع نهج تعاون يمكن تسميته “حالة بحالة” (case by case)، فيما يخص هذه الملفات.
أحمد عاطف
المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية