الجريمة النكراء التي ارتكبتها عصابات المستوطنين ضد عائلة الدوابشة الفلسطينية في قرية دوما جنوب نابلس فجر يوم الجمعة 31 /7 /2015، ونتج عنها استشهاد الطفل علي الدوابشة حرقاً، هزَّت المشاعر الإنسانية وولَّدت موجة استنكار عارمة، داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وخارجها، وعلى المستوى العربي والدولي، وقد أصدر مجلس الأمن الدولي بيان استنكار للجريمة، معتبراً أنها تمسُّ الإنسانية جمعاء.
عصابات المستوطنين «اليهود» الذين أقدموا على مهاجمة منازل دوما وإحراقها، يحظون بتغطية من سلطات الاحتلال، ومدعومون من هذه السلطات. استنكار رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو لفعلتهم ذرّ للرماد في العيون.. ذلك أن انتقال هؤلاء في الظلام من مستوطناتهم إلى القرى الفلسطينية، لا يمكن أن يحصل من دون معرفة قوات الاحتلال، خصوصاً أن جرائم هؤلاء تكررت عشر مرات في شهر يوليو/تموز من دون محاسبة. سبق ذلك جرائم ذهبت من دون عقاب ارتكبتها العصابات الصهيونية ضد الفلسطينيين، منها على سبيل المثال ضد الفتى زكريا جولاني الذي فقد عينيه، ودهس الفتى إيناس شوكت بالسيارة، وإحراق الفتى إيمان حجو خلال انتفاضة الأقصى، ومن قبل، قتل الشاب محمد الدرة بالرصاص الحي أمام أعيُن كاميرات التصوير من مختلف أنحاء العالم.
اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، تحدثت عن مسؤولية سلطات الاحتلال عن أمن المدنيين، بما في ذلك منع أي تعرُّض لهم. مسؤولية تفرض تغريماً جنائياً لقادة قوات الاحتلال وجنودهم، الذين لا يمكن لهم وفقاً لأحكام بنود الاتفاقية الدولية، التحلُّل من المسؤولية. كما أن الجرائم المُنظمة التي يرتكبها المستوطنون المحميون من سلطات الاحتلال، تُعتبر جرائم حرب، لكونها تستهدف مجموعات أصلية من السكان المدنيين، على أساس انتمائهم الديني، أو القومي، بهدف اقتلاعهم من أرضهم.
في سياق استنكاره لجريمة حرق الرضيع علي الدوابشة، هدد الرئيس الفلسطيني محمود عباس باللجوء لمحكمة الجنايات الدولية الدائمة في لاهاي، للاقتصاص من القتلة، وبالتالي محاكمة قادة العدو «الإسرائيلي» بسبب حمايتهم لعصابات القتل الصهيونية، ولتخليهم عن المسؤولية الدولية التي تفرض عليهم حماية المواطنين العُزَّل الواقعين تحت الاحتلال.
السلطة الفلسطينية أصبحت عضواً في «إعلان روما للعام 1998» الذي انبثقت عنه المحكمة الجنائية الدولية، وبالتالي أصبح للحكومة الفلسطينية الحق بالادعاء أمام المحكمة، باعتبار أن نظام المحكمة، لا يقبل الادعاء إلا من دولة عضو، أو من قبل مجلس الأمن الدولي، أو المدعي العام لدى المحكمة، والمجلس والمدعي العام، لم يقوما بواجباتهما قبل يناير/كانون الثاني 2015، ولم يحيلا أياً من الجرائم الدولية التي ارتكبتها قوات الاحتلال «الإسرائيلي» بحق الفلسطينيين، بسبب التهديد بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن، وبسبب الضغوط الدولية على مُدعي عام المحكمة. وقد اكتفى مجلس الأمن الدولي بتشكيل لجنة تحقيق في الجرائم التي ارتُكبت في مخيم جنين عام 2001، وفي الجرائم التي وقعت في قطاع غزة عام 2009، من دون أن يكون لتقارير هذه اللجان التي دانت جيش الاحتلال، أي تأثيرات فعلية، وكانت عبارة عن توصيات أدبية، لا تكترث لها «إسرائيل».
بصرف النظر عن قدرة المحكمة الجنائية الدولية على تنفيذ أحكامها التي قد تطال قادة العدو «الإسرائيلي» من جراء مسؤوليتهم عن الجرائم التي تُرتكب بحق الفلسطينيين، إلا أن دور الأحكام القضائية شيء، وإصدار بيانات الإدانة شيءٌ آخر.
طالما أن المسؤولية الجزائية على قادة العدو ثابتة، يعني ذلك أن صدور الأحكام القضائية الدولية، بحق هؤلاء سيُربِك حركة تنقلاتهم الدولية على أقل تقدير، لأن سلطات الدول الأعضاء في معاهدة روما للعام 1998، مُلزمة بتنفيذ الأحكام الصادرة عن المحكمة الدولية، وبالتالي توقيف الأشخاص المطلوبين للمحكمة، مهما كان موقعهم الوظيفي في دولهم، بما في ذلك رؤساء الدول، حيث إن المحكمة الدولية لا تتقيد بأي حصانة، يمكن أن تمنحها السلطات المحلية لقادتها.
الرأي العام العربي، وبعض الرأي العام في العالم، يرى أنه حان الوقت لوضع حد لتفلُّت مُجرمي الحروب من العقاب. ولا يمكن لهؤلاء المُجرمين الاعتداد بالارتكابات الخطرة التي تقوم بها بعض المنظمات الإرهابية والقوات النظامية في كل من العراق وسوريا على وجه التحديد، لأن الحساب لا بد أن يأتي لهؤلاء، برُغم غياب الجهة التي قد تدَّعي عليهم أمام المحكمة الدولية، لكون الحكومتين في كل من سوريا والعراق ليستا أعضاء في المحكمة، ولكون مجلس الأمن الدولي امتنع عن إحالة جرائم الحرب والإبادة التي تقع في سوريا إلى المحكمة، بسبب الفيتو الروسي.
إن جريمة الحرق التي تعرَّض لها الطفل دوابشة في دوما النابلسية، إدانة واضحة لقادة «إسرائيل» ولأفراد عصابات المستوطنين المحميين من قوات الاحتلال. هي جريمة ضد الإنسانية جمعاء، تمَّ تنفيذها بدمٍ بارد، وفي تحدٍ واضح للشرعية الدولية، ولأحكام القانون الدولي العام. وقادةُ «إسرائيل» المُجرمون، ليسوا أفضل من الرئيس اليوغسلافي السابق ميلوسوفيتش، الذي توفيَ في سجون لاهاي، ويستحقون ذات المصير الذي يُلاقيه الرئيس الليبيري الأسبق تشارلز تايلر خلف قضبان المحكمة الدولية.
د. ناصر زيدان
الخليج