رهان إيراني صعب على تنصيب محمد كوثراني خليفة لقاسم سليماني في العراق

رهان إيراني صعب على تنصيب محمد كوثراني خليفة لقاسم سليماني في العراق

رصدت الولايات المتحدة مكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل “أيّ معلومات عن نشاطات وشبكات وشركاء القيادي في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني”. وقد سلّط الإعلان الأميركي الأضواء على الكوثراني. وأثار جدلا حول الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا القيادي المخضرم في الساحة العراقية، وإلى أي مدى سيتمكّن من خلافة قاسم سليماني، خاصة مع تغيّر معطيات كثيرة في خارطة المشهد العراقي.

بغداد – يعمل السياسيون والعسكريون الموالون لإيران على تجميع صفوفهم في العراق للحفاظ على نفوذها السياسي والعسكري، وسط قلق من أن الأبوية التي كان يمارسها قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني على فصائل الميليشيات وعلى القادة الذين حاربوا في الحرب العراقية الإيرانية في تآكل، كما القلق من توجهات جيل عراقي صاعد أفرزته الاحتجاجات المستمرة منذ أكتوبر الماضي يكفر بكل النظام وأركانه وينظر لإيران كمحتل وأحد أسباب البلاء الذي حلّ ببلاده.

ومنذ تصفية قاسم سليماني في غارة أميركية لم تطرح أسماء كثيرة لخلافته، وحتى خليفته في قيادة فيلق القدس إسماعيل قاآني لم ينظر إليه على أنه النسخة الإيرانية الأخرى من سليماني رغم ظهوره على جبهات القتال خارج إيران.

في المقابل، تردد اسم القيادي في حزب الله اللبناني الشيخ محمد كوثراني باعتباره الشخصية المحورية التي تحرك عجلات السياسة في العراق بعد سليماني. وتردد اسم كوثراني كثيرا في الساحة العراقية منذ سنوات، لكن سليماني كان من يسرق الأضواء غالبا. ومؤخرا، تصدّر كوثراني الاهتمام بعد أن أعلنت الإدارة الأميركية عن رصد مكافأة تصل إلى عشرة ملايين دولار مقابل “أيّ معلومات عن نشاطات وشبكات وشركاء القيادي في حزب الله اللبناني”.

قناة التواصل الجديدة

قبل تصفية سليماني، كانت قوة فيلق القدس هي قناة الاتصال الأساسية بين إيران ووكلائها العراقيين. وبعد سليماني، تولت كتائب حزب الله مسؤولية التنسيق. وبصفته ممثل حزب الله في العراق ورفيقا مقرّبا من سليماني، تولّى كوثراني الدور بنفسه.

وجاء في الإعلان الأميركي أن كوثراني يلعب دورا في التنسيق السياسي للمجموعات العسكريّة الموالية لإيران. وسرت أخبار في وسائل إعلامية محلية عدة عن تواجد كوثراني في بغداد، مشيرة إلى أنه يقوم بمفاوضات حول الحكومة الجديدة في المنطقة الخضراء؛ كما تحدثت عن الدور الكبير الذي أنيط به بعد الضربة الأميركية، حتى أنّ مسؤولا عراقيّا وصفه بـ”النسخة الأخرى من سليماني”. ونقلت وكالة رويترز عن زعيم شيعي عراقي قوله إن سليماني كان يثق بكوثراني ويعتمد عليه في أوقات الأزمات.

وتعتبر واشنطن أنّ كوثراني “يُسهّل أنشطة مجموعات تعمل خارج سيطرة الحكومة العراقيّة من أجل قمع المتظاهرين بعنف” أو “مهاجمة بعثات دبلوماسيّة أجنبيّة”، ويشارك في “تدريب وتمويل وتقديم دعم سياسي-لوجستي لمجموعات شيعيّة عراقيّة متمردة”.

ابن البلد

أكدت مصادر سياسية عدّة مقرّبة من دوائر القرار في العاصمة العراقية أن كوثراني، وهو من مواليد آخر الخمسينات، كان يرافق سليماني في جولات المفاوضات مع القوى السياسية حول اختيار شخصية لرئاسة الحكومة.

ونقلت وكالة فرانس برس عن مصدر مقرّب من محيط كوثراني قوله إن الأخير “هو مسؤول الملفّ العراقي المرتبط مباشرة بأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصرالله منذ العام 2003”. ويشير مسؤولون يعرفون كوثراني عن قرب إلى أنه شخصية تمتلك “خبرة كبيرة جدا، ولعله الأجنبي الوحيد بعد سليماني العارف بتفاصيل المشهد العراقي”.

و”الشيخ” كما يصطلح على تسميته بسبب عمامته البيضاء، هو من القيادات التي تربّت في العراق، ويحمل الجنسية العراقية، بحسب شخصية إسلامية في بيروت. ويقول المصدر إن كوثراني “من الجيل الأول في حزب الله. هو من عائلة علمانية وعلمية معروفة في لبنان، وكان من الذين رشحهم حزب الله للمجلس النيابي في العام 1996”.

درس كوثراني الفقه في شبابه في حوزة النجف حيث ولد بجنوب العراق أين كان يقيم والداه اللبنانيان، وهو متزوج من عراقية ولهما أربعة أولاد، ويتكلم بلهجة البلد، بحسب مقرّبين. وهي ليست المرة الأولى التي يدرج فيها اسم كوثراني في لوائح سوداء أميركية.

في العام 2013، وضعت وزارة الخزانة الأميركية كوثراني على لائحة الإرهاب مع ثلاثة لبنانيين آخرين بتهمة مجموعات متطرفة في العراق، وتقديم دعم مالي لفصائل مختلفة في اليمن ولقادة عسكريين مسؤولين عن أعمال إرهابية في كلّ من مصر والأردن وقبرص وإسرائيل.

وحسب الحكومة الأميركية، ساعد كوثراني في نقل المقاتلين من العراق إلى سوريا لدعم نظام الأسد. كما ساعد في عام 2012 في تأمين الإفراج عن القيادي البارز في حزب الله علي موسى، الذي قاد سلسلة من العمليات الدموية ضد القوات الغربية بالعراق في الفترة ما بين 2006-2007.

ويقول المحلّل السياسي والعسكري العراقي هشام الهاشمي إن “أهمية كوثراني خلال السنوات السبع الماضية باتت تكمن في أنه يلعب أكثر من دور”. ويضيف أن كوثراني اليوم هو “ضابط إيقاع البيت السياسي الشيعي الولائي”، أي الأحزاب السياسية الشيعية العراقية التي تعتبر مرشد الجمهورية الإيرانية آية الله علي خامنئي مرجعها الفقهي والعقائدي.

ويشير الهاشمي إلى أن كوثراني “عمل بعد العام 2014 على تيسير لقاءات ومصالحات بين العرب السنّة الذين كان لهم موقف ضد السلطة الشيعية في بغداد”، وأن “دوره تعاظم بعد اغتيال سليماني والمهندس، وأصبح منسّقا بين المكوّنات السياسية” من سنّة وشيعة وأكراد.

وتؤكد مصادر دبلوماسية عراقية عدة أن لكوثراني “مونة” على السياسيين العراقيين، لدرجة أنه “طلب مبلغا بملايين الدولارات من العراق لحلحلة الأزمة الاقتصادية في لبنان” قبل أشهر. وتمّ هذا الطلب خارج القنوات الرسمية بين البلدين، ولم يتضح ما إذا كانت تمت تلبيته، بحسب المصادر. إلا أن محيط كوثراني نفى هذا الموضوع تماما.

ويفسر كل هذا الدور المتعاظم القرار الأميركي الجديد حول كوثراني. ويقول المصدر المقرّب من دائرة كوثراني “طلب معلومات عنه الآن قد يكون مقدمة لعملية تصفية محتملة أو اعتقال”. ويرى أن “اغتيال قائد فيلق القدس الجديد إسماعيل قاآني غير وارد في حسابات واشنطن حاليا، لذلك توجهت إلى كوثراني لأنه حزبي لا يمثل دولة”، وبالتالي لا يترتب على ذلك أي تبعات دبلوماسية.

غراف

في المقابل، يقول مراقبون إن التركيز على كوثراني يأتي ضمن مسعى أميركي إلى منع استقواء كتائب حزب الله واستنساخ نموذج حزب الله اللبناني، خاصة وأن الأمر في العراق قد يكون أصعب مع تعدد الميليشيات والكتائب المسلحة ما قد يتسبب في صراع بينها، خاصة وأن بعض الأطراف ممن تخدم المشروع الإيراني قد لا تقبل بمركزية إيرانية متمثلة بكوثراني، اللبناني الأصل.

لذلك، يقول خبراء إن إشراف كوثراني على الميليشيات التي ترعاها إيران أمر مؤقت حتى تحدد طهران إستراتيجيتها في أعقاب وفاة سليماني، وعلى خلفية التطورات في المشهد العراقي، وفي انتظار أن يستقر المشهد الحكومي.

وفي كل الحالات، لا يبدو أن إيران ستجد خليفة سليماني، سواء كان كوثراني، أو غيره. كان لسليماني سمعة تتجاوز أي فرد آخر في إيران، ولعب دورا لا مثيل له في تصدير الثورة. في السنوات الأخيرة، مع تمدّد نفوذ إيران اعتبر سليماني نفسه في مأمن من الهجمات، مما جعله يسافر بحرية مع أحد كبار مساعديه العراقيين. ولم يتصوّر أن تتجرأ الولايات المتحدة على استهدافه. وأراد الآلاف من الشباب الإيرانيين والوكلاء أن يكونوا مثله، وأصبح العديد منهم مساعدين له. لكن، تغيّرت الحسابات بين عشية وضحاها.

العرب