في صدمة جديدة لسوق العمل الأميركية، أعلنت وزارة العمل الخميس الماضي إضافة 5.2 ملايين شخص أميركي إلى قائمة من تقدموا إليها للحصول على تأمينات البطالة، للمرة الأولى، ليصل إجمالي العدد إلى أكثر من 22 مليون عامل ممن فقدوا وظائفهم خلال الشهر الأخير.
ويترافق هذا المؤشر مع صدمة أخرى، ترتبط بتوقف الإنتاج في أغلب المصانع، فيما أغلقت المحال والمطاعم والمقاهي والبارات والملاعب الرياضية ودور السينما والمسارح أبوابها.
كذا أُجبر أكثر من ثلاثة أرباع الأميركيين على البقاء في منازلهم، للحد من انتشار فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)، الذي أصاب أكثر من 750 ألفاً، وقتل نحو أربعين ألف أميركي حتى الآن.
وفي الوقت الذي شعر فيه بعضهم بالقلق من ارتفاع نسبة “المتعطلين الجدد” عن العمل، والتي تصل بنسبة البطالة إلى ما يقرب من 13%، بعد شهور من الاستقرار حول 3.5%، وهو أدنى مستوى لها خلال العقود الخمسة الأخيرة، اعتبر بعضهم أن الرقم المعلن يوم الخميس، والذي كان أقل من الأسبوعين السابقين، هو علامة على تجاوز الأزمة في الولايات المتحدة أعلى مستوياتها، انتظاراً لما يمكن أن يحدث في المستقبل القريب. و
رغم توقع أغلب الاقتصاديين في البنوك الأميركية وصول معدل البطالة إلى 15%، رجّح بنك جي بي مورغان ألا تقل نسبة المتعطلين عن 20%.
وبعد الإعلان عن أرقام طلبات إعانات البطالة، كتب الاقتصادي المصري الأميركي محمد العريان إن “التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاع البطالة في الولايات المتحدة إلى مستويات قياسية، قبل أن ينعكس الأمر لتعود البطالة إلى مستوياتها المنخفضة مرة أخرى، ولكن سيستغرق ذلك بعض الوقت”.
ومع توقع، أو تمني، أغلب المحللين أن يؤدي التغلب على الفيروس، وتخفيف إجراءات التباعد الاجتماعي، إلى عودة الاقتصاد الأميركي للانطلاق، لا يبدو أن كل قطاعات الأعمال ستكون مستعدة لاستئناف نشاطها بنفس السرعة. وشرحت سيمونا ميكوتا، كبيرة الاقتصاديين في شركة الاستشارات المالية State Street Global Advisors، لشبكة “سي أن أن”: “لا أتوقع أن نستعيد كامل النشاط قبل العام المقبل”.
وكما قال الاقتصادي المصري محمود محيي الدين “الأزمات عادة تسرع من التغيرات التي كانت ستحدث، حتى لو لم تأت الأزمة”، إذ أكدت ميكوتا أن “أزمة الفيروس سرعت فقط من التحولات التي كانت منتظرة، ومنها التحول نحو التسوق الإلكتروني، عوضاً عن التبضّع في الأسواق والمراكز التجارية”، وهو ما يعني من وجهة نظرها أن بعض الوظائف في مبيعات التجزئة ربما لن تعود أبداً، “وهو ما قد يؤثر أيضاً في سوق العقارات التجارية” وفقاً لميكوتا.
وبينما تشير التوقعات إلى استعادة أغلب وظائف العاملين في المطاعم والمقاهي والبارات عند استئناف العمل، كما استعادة أغلب الوظائف في سوق المباريات الرياضية وحفلات الغناء والمسارح، وهي السوق التي تعمل في أكثر من 15 مليار دولار شهرياً، لا يسري الأمر نفسه على بعض قطاعات الأعمال الأخرى.
والأسبوع الماضي، قال آرون أندرسون، نائب مدير الأبحاث بشركة فيشر إنفستمنتز، التي تدير أصولاً تتجاوز قيمتها مائة مليار دولار، لشبكة سي أن أن: “فقدنا جزءاً من النشاط الاقتصادي، وقد يدفع ذلك الشركات لتقليل التعيينات لبعض الوقت”.
ولا يتوقف الأمر عند رغبة الشركات وحدها، إذ رأى المحللون أن المستهلكين الذين اعتادوا تجنب المطاعم والبارات والمقاهي على مدار الأشهر الثلاثة الماضية، ربما لا يكونون على استعداد للتخلي عن حذرهم، وعن عادات المباعدة الاجتماعية التي اكتسبوها سريعاً، وقد يستغرق الأمر شهوراً قبل عودتهم إلى السلوكيات التي عاشوا عليها من قبل.
وفي نفس الوقت، فإن آلاف العمال في المصانع، سيجدون أنفسهم في تنافس كبير مع الإنسان الآلي (الروبوتات)، الذي لا يصاب بفيروس، ولا يحصل على إجازات مرضية، الأمر الذي سيسرع من إحلال العمالة البشرية بالآلية في وقت أقرب مما كانت عليه التوقعات من قبل.
والعام الماضي، توقع مركز الأبحاث الشهير أكسفورد إيكونوميكس أن تستولي الروبوتات على 20 مليون وظيفة صناعية حول العالم قبل عام 2030.
وترتبط أزمة سوق العمل بقطاع التصنيع في الولايات المتحدة بصورة واضحة، حيث يؤثران في بعضهما بعضاً، وفي أغلب الأحوال لا ينتعش أحدهما إلا بمساعدة الآخر.
وبعد أن لُسعت الولايات المتحدة مؤخراً، كما أغلب دول العالم، من أزمة المستلزمات الطبية الصينية، التي اختفت تماماً عند الاحتياج إليها مع تسارع أزمة انتشار الفيروس، تفكر الشركات الأميركية حالياً ألف مرة قبل أن تستأنف تناولها لمعدات التصنيع الصينية، خوفاً من تكرار أزمة الاختفاء، بعد عودة الاقتصاد إلى العمل من جديد.
ومع انخفاض تكلفة العمالة في الصين، وارتفاع قدرتها على تحقيق وفورات النطاق، بالإضافة إلى الحوافز الضريبية التي تمنحها للمُصَنِّعين، تحوّل إنتاج أكبر الشركات في العالم إلى الصين، لتفقد الولايات المتحدة مكانتها، التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عقود، كأكبر مصنع في العالم.
وفي السنوات الأخيرة، تراجع مكوّن التصنيع من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي ليصل إلى أقل من 11%، بعد أن كان 40% في عام 1945، بينما وصلت النسبة نفسها في الصين إلى ما يقرب من 60% خلال السنوات الأخيرة.
شريف عثمان
العربي الجديد