أربيل (العراق) – أرجعت مصادر سياسية في إقليم كردستان العراق، قرار الحكومة المركزية إيقاف دفع رواتب موظفي الإقليم إلى “أسباب سياسية وحزبية لا علاقة لها بقضية تسليم واردات النفط”.
وكانت حكومة تصريف الأعمال بقيادة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي قد نشرت في وقت سابق وثيقة صادرة عن مجلس الوزراء، تتضمن توجيها إلى وزارة المالية بوقف صرف المبالغ المقرّرة كرواتب لإقليم كردستان منذ يناير الماضي، معلّلة القرار بعدم التزام حكومة الإقليم بتسليم واردات بيع النفط للحكومة المركزية، وفق ما ينصّ عليه اتّفاق سابق بين حكومتي بغداد وأربيل.
ويتولّى منصب وزير المالية في الحكومة العراقية الحالية فؤاد حسين المنتمي إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني بقيادة مسعود البارزاني، وقد ظهر اسمه مجدّدا ضمن قائمة مسرّبة للتشكيلة الوزارية الجديدة التي يعكف رئيس الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي على استكمالها استعدادا لعرضها على البرلمان.
ولم تستبعد ذات المصادر أن يكون ذلك أحد أسباب قرار وقف الرواتب، مرجّحة وقوف أحزاب شيعية نافذة وراء صدور هذا القرار المؤلم في هذا التوقيت الحرج ليكون بمثابة إجراء عقابي للحزبين الكرديين الرئيسيين، حزب الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني لتأييدهما تكليف الكاظمي تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصا وأن الأخير أصبح مرفوضا من قبل جهات سياسية عراقية كانت قد وافقت على تكليفه بادئ الأمر.
وتستدلّ تلك المصادر بتفجير “قضيّة فساد” في وجه فؤاد حسين بشكل مفاجئ حيث طالب خمسة وعشرون نائبا في البرلمان، القضاء بالتحقيق مع الوزير بدعوى “استغلال منصبه وتعمّد هدر المال العام بصرفه مبالغ لحكومة إقليم كردستان تجاوزت نحو 5 مليارات دولار”.
ولفتت المصادر إلى أنّ علاقات متوتّرة كانت قد جمعت بين فؤاد حسين وعدد من ممثّلي الأحزاب في وزارته بسبب صراعات على قضايا مالية.
وقال أحد المصادر إنّ بعض الأحزاب تريد “استرجاع” حقيبة المالية من الأكراد نظرا لما تنطوي عليه من منافع مادّية كبرى للجهة التي تتحكّم بها.
ورغم أنّ العراق مصنّف ضمن أكثر بلدان العالم فسادا، بعد أن تداولت حكوماته المتعاقبة منذ سبعة عشر عاما على هدر مئات المليارات من الدولارات من عوائد النفط، إلاّ أنّ فتح ملفات الفساد لا يأتي عادة إلاّ في إطار صراعات الأحزاب المشاركة في الحكم على المغانم والمكاسب المالية، حيث تتم مساءلة الوزراء غالبا في إطار كيدي وكثيرا ما يعاد إقفال الملفات بتسويات سياسية ومالية.
وتدفع بغداد شهريا نحو 380 مليون دولار كرواتب لموظفي إقليم كردستان، وستكون لوقف دفع المبلغ في الظروف الحالية الصعبة تبعات اجتماعية كبيرة، علما أن تأخّر دفع الرواتب سبق أن فجّر في السنوات القريبة الماضية اضطرابات واحتاجاجات عارمة في الإقليم.
ظهور اسم فؤاد حسين ضمن التشكيلة المحتملة لحكومة الكاظمي أغضب الأحزاب الساعية إلى “استرجاع” وزارة المالية
وكثيرا ما تبرز الخلافات حول حصّة الإقليم في الموازنة الاتحادية والتي تبلغ 17 في المئة عند استشراء الصراع بين بغداد وأربيل على غرار ما حدث بعد إجراء أكراد العراق استفتاء على استقلالهم سنة 2017 وتصدّت له الحكومة العراقية بحزم واتخذت إجراءات عقابية ضدّ أربيل.
ونهاية 2019 قال وزير النفط العراقي ثامر الغضبان إن اتفاقا تم مع حكومة أربيل يقضي بتسليم الإقليم نفطه إلى شركة “سومو” الحكومية اعتبارا من مطلع 2020 بواقع 250 ألف برميل يوميا من أصل 450 ألفا منتجة حاليا مقابل تفاهمات تسمح بوضع حصة للإقليم في موازنة البلاد.
وفي مارس الماضي أكد الغضبان أن الإقليم لم يسلم نفطه وفقا للاتفاق فيما أوضح وزير البلديات في الحكومة الاتحادية بنكين ريكاني صعوبة توفير رواتب الموظفين للشهر المقبل بسبب تراجع أسعار بيع النفط عالميا.
وخلال اجتماع عقده الأحد نائب رئيس وزراء إقليم كردستان قوباد الطالباني مع وفد الإقليم للتفاوض مع الحكومة العراقية أشار مشاركون في الاجتماع إلى وجود ضغوط سياسية تمارس بهدف إفشال التفاهم الموجود سابقا بين أربيل وبغداد.
وقال الطالباني إنّ أولوية حكومة الإقليم تتمثل حاليا في توفير رواتب الموظفين متوعّدا بـ”التصدي وإفشال كل المحاولات الرامية إلى مصادرة الحقوق والمستحقات المالية لمواطني إقليم كردستان”. ومن جهته أعلن وزير التخطيط في الإقليم دارا رشيد عن استعداد أربيل لتسليم بغداد الملف النفطي بالكامل، بشرط صرف المستحقات المالية للإقليم.
ولدى إطلاق مشاورات تشكيل حكومة مصطفى الكاظمي نشط حزبا الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني بشكل لافت لمفاوضة رئيس الوزراء المكلّف على حصّتهما وحصّة إقليم كردستان ككل في الحكومة الجديدة.
وتثير توجّهات الكاظمي بشأن تحقيق التوازن في العلاقات الخارجية للعراق توجّس الأحزاب الشيعية الحليفة لإيران والحريصة على عدم المساس بنفوذها في العراق.
ويرى عدد من قادة ورموز تلك الأحزاب أنّ الموقف من إيران والولايات المتّحدة الأميركية ربّما يكون نقطة وفاق بين الكاظمي وقيادة إقليم كردستان التي سبق لها أن عبّرت بوضوح عن رفضها تنفيذ القرار الصادر عن البرلمان العراقي والقاضي بإخراج القوات الأميركية من العراق لخوفها من اختلال توازن النفوذ بشكل كامل لإيران ما سيعني بالنتيجة تمكّن حلفاء طهران العراقيين بشكل أكبر من مقاليد إدارة الدولة العراقية.
وأصبحت حكومة الكاظمي المرتقبة أمام مصير مجهول بعد إعلان القوى المنضوية ضمن تحالف الفتح أبرز ممثّل سياسي للأحزاب والميليشيات الشيعية عدم نيّتها منحها الثقة لدى عرضها على البرلمان.
العرب