جدل العطل الرسمية في العراق يفتح على متاهة قومية وطائفية جديدة

جدل العطل الرسمية في العراق يفتح على متاهة قومية وطائفية جديدة

سرعة تحوّل موضوع العطل الرسمية في العراق إلى مدار للجدل على خلفيات طائفية وعرقية تكشف مجدّدا حاجة القوى السياسية العراقية إلى دغدغة مشاعر جمهورها بإثارة قضايا ذات أبعاد رمزية واعتبارية، في ظل افتقارها إلى البرامج والمخططات العملية للارتقاء بواقع البلد وتحسين ظروف سكانه ومواطنيه.

بغداد – دخلت الاعتبارات العرقية والقومية على خطّ النقاش الدائر في العراق بشأن تعديل قانون العطل الرسمية، بعد أن كان قد اكتسى سمة طائفية شيعية – سنّية. وطالب ممثلون عن المكونين الكردي والتركماني بإقرار عطل رسمية تخلّد أحداثا ذات بعد رمزي لكلّ من المكونين، بينما عمّق ممثلون عن المكوّن الشيعي الخلاف مع المكوّن السني بشأن قضية العطل وذلك بمطالبتهم بإقرار عطلة رسمية في الثالث عشر من شهر يونيو من كل عام إحياء لذكرى إصدار المرجع الشيعي العراقي الأعلى علي السيستاني سنة 2014 لفتوى الجهاد الكفائي التي تأسس بموجبها الحشد الشعبي، المشكل أساسا من ميليشيات شيعية، لمواجهة تنظيم داعش.

وكان الجدل قد انطلق أساسا من مطالبة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بجعل ذكرى يوم الغدير، الذي يحتفل به الشيعة في الثامن عشر من شهر ذي الحجة وفق التقويم الهجري باعتباره اليوم الذي أوصى فيه النبي محمد بالخلافة لعلي بن أبي طالب بحسب الرواية الشيعية، عطلة رسمية في عموم العراق.

واحتدم الجدل عندما تحوّل المقترح إلى عنصر ضمن مشروع قانون معروض للنقاش أمام البرلمان العراقي، في ظل رفض سني له وصل إلى حدّ تلويح جهات دينية سنية بالمطالبة بإقرار ذكرى يوم السقيفة، الذي آلت فيه الخلافة بعد وفاة النبي محمّد سنة 11 للهجرة إلى الصحابي أبي بكر الصدّيق، عطلة رسمية في العراق.

وتعكس مسارعة ممثلي المكونات العرقية والطائفية العراقية إلى تلك المطالبات المتقاطعة حرص الممثلين وخصوصا السياسيين منهم على دغدغة المشاعر القومية والعقائدية لجمهورهم وتضخيم القضايا ذات البعد الاعتباري والرمزي، في ظل افتقار أحزابهم وكتلهم السياسية إلى البرامج والمخططات الكفيلة بتغيير فعلي في واقع ذلك الجمهور الذي يواجه في أغلبه مصاعب حياتية كثيرة من فقر وبطالة وصعوبة في الحصول على الخدمات العامّة.

وكشفت اللجنة القانونية النيابية الأربعاء عن مقترح يوم عطلة جديد. ونقلت وسائل إعلام محلية عراقية عن عضو اللجنة النائب محمد الخفاجي قوله إن هناك مقترحا لإضافة يوم الثالث عشر من يونيو إلى قائمة العطل الرسمية تخليدا للفتوى التي أنشئ بموجبها الحشد الشعبي.

ومن جهته أعلن النائب أرشد الصالحي رئيس الكتلة التركمانية في مجلس النواب العراقي عن الشروع في جمع تواقيع نيابية لإدراج مقترح اعتبار يوم “الشهيد التركماني” كعطلة ضمن مشروع قانون العطلات الرسمية. ودعا الصالحي باقي الكتل السياسية في البرلمان إلى دعم حقوق المكون التركماني والمساهمة في تمرير المقترح.

ويحيي تركمان العراق في السادس عشر من شهر يناير من كل عام ذكرى قيام النظام العراقي السابق بإعدام عدد من القيادات التركمانية سنة 1980. وفي السياق ذاته قدمت كتلة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني طلبا إلى مجلس النواب العراقي بجعل ذكرى قصف مدينة حلبجة بالأسلحة الكيمياوية وذكرى الأنفال من كل عام عطلة رسمية.

و”الأنفال” هي التسمية التي أطلقها نظام الرئيس الأسبق صدّام حسين على حملة عسكرية واسعة النطاق كان قد نفذها خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات في مناطق كردية بشمال العراق على خلفية اتهام سكانها بالتمرّد عليه.

وقالت كتلة الاتحاد في رسالتها الموجهة إلى المجلس بشأن مقترح العطلة الجديدة “استنادا إلى المادة الحادية والستين من الدستور العراقي الدائم وبالنظر إلى ما قدمه الشعب الكردي من تضحيات وتعرضه لأبشع الجرائم والاضطهادات (نطلب) تفضلكم بالموافقة على إضافة فقرة إلى قانون العطلات الرسمية يُقضى بموجبها بجعل يوم 16 مارس يوم قصف حلبجة بالأسلحة الكيمياوية ويوم 14 أبريل ذكرى انطلاق عمليات الأنفال والإبادة الجماعية من كل سنة عطلة رسمية في جميع أنحاء العراق”.

ورغم الطابع العملي الذي اتّخذه المقترحان التركماني والكردي بإقرار عطل رسمية تخلّد أحداثا رمزية للمكونين، فقد شكّك مصدر نيابي في جدية المطالبتين.

وقال عضو بمجلس النواب طلب عدم الإفصاح عن هويته إنّ قادة المكونين يعلمان صعوبة تمرير المقترحين بالنظر إلى افتقار كل من الأكراد والتركمان إلى التمثيل النيابي الكافي لذلك، مرجحا أن يكون المقترحان لمجرّد تسجيل موقف من مطالبة الكتل الشيعية بإقرار عطل رسمية ذات بعد طائفي وتخصّ مكونها دون غيره من المكونات العراقية.

وسبق السُنّةُ العراقيون الأكرادَ والتركمانَ إلى هذا التكتيك في مواجهة المطالبة الشيعية بإقرار عطلة يوم الغدير عندما لوّحوا بالمطالبة بإقرار عطلة يوم السقيفة.

◙ الصدر كان معارضا لفكرة إقرار عطلة عيد الغدير لكنه عاد وتبناها تمهيدا للتراجع عن قراره بمقاطعة الحياة السياسية

والجمعة الماضية حذّر عبدالوهاب السامرائي إمام وخطيب جامع أبي حنيفة في بغداد من إثارة الفتنة الطائفية مرة أخرى في البلاد من خلال المطالبة بإعلان عيد الغدير عطلة رسمية، ملمحا إلى أن أهل السُنة سيطالبون بعطلة ليوم سقيفة بني ساعدة التي شهدت تنصيب أبي بكر خليفة وعطلة أخرى لذكرى تنصيب عمر بن الخطاب خليفة في حال المضي في تشريع قانون عطلة الغدير من قبل البرلمان العراقي.

وقال السامرائي في خطبته “نأمل أن يكون هناك موقف من الحكومة والبرلمان يحدد هوية البلاد، إما أن تكون هوية وطنية عراقية وهذا ما نريده، وإما أن تُحفظ جميع الحقوق والهويات”، مضيفا “سنرفع الصوت عاليا ليسمع العالم الإسلامي ولتسمع مكة والقاهرة وكل العالم أن العراق إما أن يكون بلدا لكل المواطنين وإما أن تُحفظ الهويات جميعا ولا تُطمس هوية من الهويات”.

وتابع السامرائي قوله “لن نقبل ولن نرضى.. أما أن تكون هوية لكل العراقيين هوية مواطنة وأن تُحترم كلُّ الهويات فتكون عطلة ليوم الغدير وعطلة ليوم السقيفة وعطلة لتنصيب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فليرض من يرضى، وليسخطْ من يسخط، فديني أهم من المجاملات إذا لم تحترم هويتي”.

وجاء كلام السامرائي بينما كان الخطباء الشيعة في عدد من المدن العراقية يتلون خطبة واحدة في إطار صلاة جُمعة موحّدة دعا إليها مقتدى الصدر زعيم التيار الصدري لمساندة مقترح عطلة يوم الغدير. ودعا حازم الأعرجي خطيب صلاة الجمعة الموحّدة في بغداد أتباع التيار إلى مساندة مطلب زعيمهم بإقرار العطلة المذكورة عبر الهُتاف “لبيك يا علي”.

وقالت مصادر عراقية إنّ مقترح الصدر ذو خلفيات سياسية مرتبطة باستعداداته للتراجع عن قراره السابق بمقاطعة الحياة السياسية وتهيئة جمهوره للمشاركة في الانتخابات البرلمانية القادمة. وفي إطار تلك الاستعدادات أعلن مقتدى الصدر عن تغيير مسمّى تياره من التيار الصدري إلى “التيار الوطني الشيعي”.

وأكّد حيدر الملاّ القيادي في تحالف العزم (سنّي) في وقت سابق أنّ التيار الصدري صاحب الدعوة لإقرار عطلة عيد الغدير كان قد رفض الدعوة ذاتها عندما صدرت عن منافسين له من داخل العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها، ودعا إلى تجنّبها لما تثيره من نعرات طائفية. وتساءل الملا عما تغيّر اليوم حتى يتبنّى التيار الدعوة التي رفضها من قبل، وقال إنّ الصدر أثار الطائفية بتسمية تياره بالوطني الشيعي وأشعلها بالمطالبة بعيد الغدير.

العرب