بارزاني في بغداد: تسوية شاملة للخلافات أم انحناءة مؤقتة

بارزاني في بغداد: تسوية شاملة للخلافات أم انحناءة مؤقتة

بغداد – شدت زيارة مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى بغداد الأنظار لكونها تأتي بعد ست سنوات من الجفاء مع الطبقة السياسية الحاكمة في العراق، ما أوحى بأن تطورا لافتا قد حصل في علاقة إقليم كردستان العراق مع الحكومة المركزية.

وتعتقد أوساط سياسية عراقية متابعة للزيارة بأن الهدف منها هو تتويج التفاهمات الجزئية، التي حصلت في الفترة الأخيرة وطالت ملفات متعددة، بتسوية شاملة بين الإقليم والمركز.

ويهدف حضور بارزاني كشخصية كردية اعتبارية إلى إضفاء مشروعية على التسوية والرفع من قيمتها حتى تبدو حدثا مهما وليست مجرد لقاء عابر، وهو ما تحتاجه الحكومة المركزية لتأكيد قدرتها على جلب قادة الإقليم إلى مربعها في ما تخفف التسوية من الضغوط الداخلية عن مسؤولي الإقليم خاصة إذا نجح في تأمين السلاسة في دفع الرواتب باستمرار.

وكان لافتا أن مختلف القيادات الحكومية والحزبية قد التقت ببارزاني خلال زيارته إلى بغداد بدءا برئيس الحكومة محمد شياع السوداني وصولا إلى قادة الفصائل الشيعية ووجوه الإطار التنسيقي الحاكم في العراق.

وتهدف القوى الشيعية، التي مكنت بارزاني من حضور اجتماع داخلي للإطار التنسيقي، إلى جر القيادة الكردية إلى مربع التسوية عن طريق تنفيذ تعهدات قديمة وبمستوى الحد الأدنى، وهي تعرف أن الإقليم لم يعد قادرا على التحرك بمفرده خاصة بعد نجاح الحكومة المركزية في منعه عن طريق القضاء من تصدير النفط والاستئثار بعائداته دون رقيب ولا حسيب.

وتراهن الحكومة المركزية والأطراف المتحكمة فيها على أن الإقليم ليس لديه من حل سوى القبول بعرضها الخاص بالموازنة وكيفية إدارة ملف النفط تحت رقابة حكومة السوداني، وأن وجود مسعود بارزاني في بغداد سيسهل التسوية لكونه صاحب القرار الأخير في إقليم كردستان، وما يقبل منه لا يقبل من غيره، إذ لا يمكن لرئيس الإقليم الحالي نيجرفان بارزاني ولا لرئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني المغامرة بالتصديق على تسوية غير عادلة.

وبدا مسعود بارزاني حريصا خلال الزيارة على مدح حكومة السوداني وعملها، وقال في تصريحات عقب لقائهما “السوداني يقود دولة بنوايا أوصلتنا إلى هذا الوضع المريح، وحوارنا كان بنّاء وسنواصل التنسيق والتعاون”.

ويعتقد العارفون بشخصية بارزاني، الذي يتقن المناورة، أن موقفه الحالي لا يعدو أن يكون انحناءة مؤقتة تهدف إلى إخراج الإقليم من الحصار المالي المفروض عليه بعد توقف النفط وتلكؤ بغداد في تحويل الموازنة ودفع الرواتب، ما قاد إلى توتر كبير في الإقليم يمكن أن يتحول إلى احتجاجات عاصفة.

وجود مسعود بارزاني في بغداد يسهل التسوية لكونه صاحب القرار الأخير في إقليم كردستان، وما يقبل منه لا يقبل من غيره

وكانت لإقليم كردستان مصادر تمويل مستقلة عن بغداد لسنوات متأتية من صادراته النفطية عبر تركيا، والتي كان يقوم بها دون موافقة الحكومة المركزية.

لكن منذ مارس 2023 توقفت تلك الصادرات جراء قرار هيئة التحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس التي حكمت لصالح العراق في نزاعه مع تركيا بهذا الشأن. ووافقت أربيل لاحقا على أن تمر مبيعات نفط الإقليم عبر بغداد، مقابل الحصول على نسبة من الموازنة الاتحادية. لكن الاتفاق لم ينفذ بعد.

وتوقيت الزيارة مدروس من بارزاني، وأن الهدف منه الإيحاء بانفراجة مالية قبل الانتخابات التشريعية في الإقليم التي قد يخسر فيها الحزب الديمقراطي الكردستاني مواقع مهمة لفائدة خصمه الاتحاد الوطني أو الأحزاب الصغيرة المختلفة التي استفادت شعبيا من فشل سياسات قيادة الإقليم. وعبّر السوداني، خلال استقباله رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني عن “الترحيب بزيارة بارزاني”.

وذكر بيان للحكومة العراقية أن الجانبين بحثا جملة من المواضيع على الصعيد الوطني وسير تنفيذ الحكومة لبرنامجها الخدمي والاقتصادي والإصلاحي، والمضي في استكمال البناء المؤسساتي للدولة وفق الدستور والقانون، وإرساء المزيد من التنظيم في الملفات الإدارية والتنفيذية بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان العراق، في مختلف المجالات والملفات.

كما تم بحث التعاون لضمان وصول الخدمات إلى المواطنين في كل ربوع العراق والتباحث في التطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة وانعكاس هذه التداعيات على الأمن والاستقرار الإقليميين.

ووصفت تقارير محلية الزيارة بأنها تتويج نهائي لانتهاء جميع النقاشات الفنية والقانونية لمجمل الملفات الآنية المتمثلة بالرواتب والأزمة السياسية، مع تقريب المواقف في ملفات أخرى مثل قانون النفط والغاز وملف استئناف تصدير نفط الإقليم.

وقال عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني إن “زيارة بارزاني تهدف إلى بحث ملفات كثيرة عالقة بين الإقليم وبغداد، خاصة بعد دخول الحزب لائتلاف إدارة الدولة لتنفيذ بعض النقاط والاتفاقات الدستورية والقانونية التي لم تنفذ حتى الآن”.

وأشار إلى أن “الملف الأمني والاقتصادي والنفطي من المواضيع الأساسية للزيارة”، التي “ستكون لها نتائج مثمرة جدا على الصعيد العراقي وصعيد إقليم كردستان”.

ويشعر قادة الإقليم بأن حكومة السوداني ليست هي صاحبة القرار. وفي ما تعلن الحكومة الاتحادية عن التزامها بدفع الرواتب، تتحرك جهات أخرى لعرقلة التفاهمات وخلط الأوراق، ولذلك حرص مسعود بارزاني على لقاء مختلف القيادات الحزبية الشيعية المؤثرة.

وفي فبراير الماضي ألزمت المحكمة الاتحادية العليا، أعلى هيئة قضائية في العراق، بغداد بدفع رواتب الموظفين الحكوميين في الإقليم بشكل مباشر بدلا من المرور عبر السلطات المحلية التي طالما تأخرت في صرفها.

لكن القرار القضائي لم يتم تنفيذه بشكل منتظم، حيث لم تتسلم أغلبية القوات الأمنية في إقليم كردستان رواتب شهر أبريل الماضي، ولم تحصل حكومة الإقليم على أيّ تأكيد بشأن موعد تنزيل الرواتب، ما دفع رئيس حكومة الإقليم إلى الذهاب إلى بغداد.

وفي ما تقول الحكومة الاتحادية إن وزارة مالية الإقليم لم ترسل قوائم البيشمركة ومختلف الأجهزة الأمنية إلى الحكومة، يقول بارزاني إنه تم “تزويد بغداد بالمعلومات اللازمة من قبل الجهات المعنية”.

العرب