شهدت الأوساط السياسية التركية جدلاً واسعاً مع بدء انتشار فيروس كورونا في البلاد، حيث شكلت الإجراءات التي اتخذتها الحكومة مادة للسجال والتجاذب السياسيين بين أحزاب المعارضة وحزب العدالة والتنمية (الحاكم) وحليفه حزب الحركة القومية، منذ الإعلان عن أول إصابة بالفيروس في التاسع من الشهر الماضي (مارس/ آذار). وبدلاً من التكاتف والوحدة في مواجهة الجائحة، لجأت القوى الحزبية إلى الاستقطاب وتسجيل النقاط على الآخرين، ووصل الأمر إلى حدّ التشكيك بالمعطيات وجدوى إجراءات تطويق انتشار الفيروس، واتهامات للحكومة بعدم الشفافية والتستر على عدد الإصابات والوفيات بسبب الفيروس وسوى ذلك.
وطاول التوظيف السياسي لانتشار كورونا في تركيا خصوصا التدابير الاقتصادية والإجراءات الاحترازية، ونشأ جدال بشأن ما إذا كانت السلطات تخفي عدد من قضوا جراء إصاباتهم بالفيروس، ولكن أحدا لم يستطع الزعم أن الأعداد الحقيقية أُخفيت، إذ يرى المشككون أنه ربما لم يتم تسجيل في خانة كورونا من تُوفي قبل تشخيص حالته، أو قبل الحصول على نتيجة فحصه. بينما قال أعضاء المجلس العلمي الاستشاري إنهم يطبقون الخطوات التي تُطبق في العالم، وإنهم اتخذوا تدابير استثنائية، شملت حظر التجوال لمن أعمارهم فوق 65 عاماً والمصابين بأمراض مزمنة، ثم فرضت الحكومة حظراً جزئياً للتجول على الشباب الذين تقل أعمارهم عن 20 عاماً، مع استثناءات. كما شملت الإجراءات تقديم الكمّامات مجاناً للمواطنين عبر الصيدليات ومؤسسة البريد وفي محطات المواصلات والمحال التجارية، وبات ارتداء الكمّامة إلزامياً في الأماكن العامة، وفي وسائل النقل العام، والأسواق والمحال التجارية.
وتأخذ المعارضة التركية على حزب العدالة والتنمية (الحاكم) ممارسة سياسات حزبية ضيقة، تقوم على استبعاد المعارضة، خصوصا في ما يتعلق بعدم دعم الحكومة البلديات التي يرأسها أعضاء من أحزاب المعارضة، مثل بلدية إسطنبول التي يرأسها أكرم إمام أوغلو، ومنعهم من تنظيم حملات تبرّع لمساعدة العائلات الفقيرة المتضرّرة بسبب الإجراءات الاحترازية، بينما أطلق الرئيس أردوغان حملة وطنية لجمع التبرّعات، تعرّضت لانتقادات من المعارضة التي اعتبرت حصيلتها هزيلة، كونها لم تتجاوز المليار ونصف ليرة تركية.
وبرزت أزمة سياسية حادّة على خلفية قرار وزير الداخلية التركي، سليمان صويلو، فرض حظر تجول مفاجئ يومي 11 و12 إبريل/ نيسان الجاري، جرى الإعلان عنه قبل ساعتين فقط من دخوله حيز التنفيذ، وأثار موجة من الهلع لشراء السلع في البلاد، وأدّى إلى حالة من الفوضى والارتباك في الشارع التركي، ما دفع الوزير إلى تقديم استقالته التي رفضها الرئيس
“تأخذ المعارضة التركية على حزب العدالة والتنمية (الحاكم) ممارسة سياسات حزبية ضيقة، تقوم على استبعاد المعارضة”أردوغان، فاختلفت التفسيرات بشأن أسباب تقديمه استقالته، حيث اعتبرتها أوساط من المعارضة التركية مسرحية ذات غايات سياسية، فيما اعتبرها بعضهم جزءاً من الصراع بين الوزير وصهر الرئيس ووزير المالية التركية بيرات البيرق، ورآها آخرون محاولة لإنقاذ الرئيس من الانتقادات التي وجهت له بسبب أزمة انتشار وباء فيروس كورونا في البلاد.
وبعد أزمة استقالة الوزير، جاءت موافقة البرلمان التركي على قانونٍ للعفو، يسمح بإطلاق سراح عشرات آلاف من السجناء، إجراء للسلامة لمواجهة انتشار كورونا، لتثير موجةً من الانتقادات للقانون، على الرغم من الإعلان الرسمي أن 17 سجيناً أصيبوا بالفيروس، وتوفي ثلاثة منهم، إلا أن منظمات حقوق الإنسان انتقدت القانون الجديد، لأنه لا يشمل السياسيين المحتجزين الذين اتهموا بناء على قوانين مكافحة الإرهاب المثيرة للجدل، فيما أوضحت الحكومة أن القانون يشمل الحوامل، وكبار السن المرضى، ويستبعد القتلة، ومرتكبي الجرائم الجنسية، وجرائم المخدّرات، ويتضمن خفض شرط العفو المبكر للذين قضوا 65% من مدة عقوبتهم، بدلاً من 75% المعمول بها، وتخفيف عقوبة السجن على جرائم القتل العمد وقضايا “الإرهاب” التي طاولت المعارضين، بمن فيهم المعتقلون بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة التابعة للداعية فتح الله غولن، والتي تعتبرها الحكومة مسؤولة عن تدبير محاولة الانقلاب الفاشلة في منتصف يوليو/ تموز عام 2016. في المقابل، اعتبرت شخصيات في المعارضة التركية أن معظم المشمولين بقانون العفو هم من القتلة واللصوص والمرتشين وأعضاء المافيات، وأنه يشمل مرتكبي جرائم الاغتصاب والتحرّش الجنسي، بل إن رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كليجدار أوغلو، اعتبره قانوناً ظالماً.
ويجادل المسؤولون الأتراك بأنهم يواجهون أزمة كورونا بخطوات مدروسة، ومستعدون لمواجهة كل الاحتمالات، بفضل الجهاز الطبي القوي في البلاد، بل إن وزير الصحة، فخر الدين خوجة، أكد نجاح إجراءات التصدّي لانتشار كورونا، وفي إيقاف الزيادة في عدد الاصابات بالفيروس في زمن قياسي لم يتعدَّ أربعة أسابيع.
وعلى الرغم من مواصلة الإجراءات ضد فيروس كورونا داخل تركيا، وإرسال الحكومة أجهزة ومعدّات طبية إلى دول أخرى، إلا أن السجال السياسي ما بين المعارضة والحكومة لن يتوقف، لأن المشكلة الحقيقية تكمن في مكان آخر، حيث المعارضة وأنصارها لا يثقون بما تقوم به الحكومة، ويجدون صعوبة في تصديق ما تقوله، وكل شيء يخضع للاستقطاب والتوظيف السياسي.
عمر كوش
العربي الجديد