أن تخرج مبادرة للحل السياسي من إيران، الداعم الرئيسي للنظام السوري وصمام أمنه، فهذا يعني أنها مبادرة ليست لإيجاد حل حقيقي ينهي الأزمة في البلاد، بقدر ما هي محاولة لتثبيت دعائم النظام على حساب الثورة، تحت عنوان أولوية محاربة الإرهاب ووقف العنف. جاءت المبادرة أكثر وضوحا في جانبها العسكري، وفضفاضة في مضمونها السياسي، كما هو الحال مع مبادرتها الأولى عام 2012، والتي عرفت بالنقاط الست (الوقف الفوري للعنف، تقديم المساعدات الإنسانية، متابعة موضوع الحوار الوطني الذي يمهد لمصالحة ثم حكومة انتقالية، الإفراج عن المعتقلين، وقف بث الأخبار غير الصحيحة، لجنة لتقييم الخسائر وإعادة الإعمار)، وكما الحال مع مبادرتها الثانية التي طرحت في مارس/آذار 2014، الأصل للمبادرة الحالية (وقف إطلاق النار، السيطرة على الحدود ومنع دخول المقاتلين الأجانب والسلاح، فتح الأبواب أمام المساعدات، الحكومة الانتقالية). ماذا تعني المبادرة الإيرانية الحالية (وقف إطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إعادة كتابة الدستور السوري، إجراء انتخابات بإشراف دولي)، وما الذي تخفيه؟ أولاً، تستبعد المبادرة رؤية المعارضة السورية للحل التي تدعو إلى تزامن المسارين، العسكري والسياسي، معا (الورقة التي قدمها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في “جنيف 2″) وتتبنى طهران بدلا من ذلك رؤية النظام كاملة، وهي المتعلقة بوقف إطلاق النار أولاً، قبل الانتقال إلى البعد السياسي، أي أن أساس الحل في سورية عسكري في المقام الأول، وليس سياسيا كما تحاول إيران أن تظهر. ومع تحول الساحة السورية إلى صراع مكشوف على المستوى الدولي، وكثرة الفاعلين فيها، فإن التركيز على وقف إطلاق النار، أولاً، يعني استمرار الصراع سنوات أخرى. ويعني ثانيا محاولة تغير الواقع الميداني، تحت غطاء دولي، قبيل الشروع في المسار السياسي، فوقف العنف يتطلب وقف إمداد السلاح للمعارضة، وبالتالي تجريدها من قوتها، في وقت يستمر حلفاء النظام بإمداده بكل ما يحتاجه من بشر وسلاح، بحجة محاربة الإرهاب، ما قد يجعل من نظام الأسد شريكا للمجتمع الدولي.
ثالثاً، البند الأخطر في المبادرة الإيرانية، تعديل الدستور بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية، فهو يهدف إلى تطمين الأقليات من النظام لا من المعارضة. بمعنى آخر، تسعى المبادرة إلى بناء تحالف طائفي ـ إثني في مواجهة السنة السياسية، بتطمين الأكراد بحقهم في تشكيل حكم ذاتي، وتطمين الأقليات الطائفية بوجود محاصصة سياسية، على غرار لبنان والعراق.
وبناء على ذلك، يتشكل حلف عابر للأقليات في مواجهة السنة السياسية، تكون الأقلية العلوية في قلبها، للحيلولة دون تشكل كتلة تاريخية سنية، من شأنها أن تمارس هيمنة في المستقبل.
رابعاً، أما الانتخابات، فجاءت مبهمة أيضا في المبادرة الإيرانية التي لم تحدد نوعيتها، أهي انتخابات برلمانية أم رئاسية، أو كلتاهما معا؟ وأين مصير الأسد منها؟ وهل تقبل نتائج الانتخابات الرئاسية التي حصلت العام الماضي أم لا؟
الغموض الذي يلف المستوى السياسي في المبادرة، وهذا البند خصوصا، مقصود بحيث يترك تفسيره لمرحلة لاحقة، تبعا لتطورات الأوضاع في سورية. وباختصار، لا ترقى المبادرة الإيرانية إلى مستوى وصفها بالمبادرة، وأهميتها ودلالتها في توقيتها، لا في مضمونها:
-إدراك إيران تهاوي النظام السوري، ودخوله عنق الزجاجة، وعدم قدرته على اجتراح حلول عسكرية لصالحه، على الرغم من الدعم الكبير المقدم له.
-مخاوف إيران من حدوث تحول في الموقف الروسي حيال سورية بدت ملامحه في الظهور منذ فترة، وتوج في مباحثات الدوحة الثلاثية، وموافقة موسكو على تمرير قرار مجلس الأمن 2235 حول سورية، والذي كانت إيران على علم مسبق به.
مخاوف إيران من التطورات التي قد تحصل في شمالي سورية، بعيد الاتفاق التركي ـ الأميركي وتأثيره المباشر على معادلة الصراع في سورية.