تناول موقع ميدل إيست آي البريطاني الانقسام داخل هيئة الحشد الشعبي في العراق جراء انفصال الفصائل الموالية لمرجعية النجف عنها، بعد فشل الجهود الرامية لانتزاع السيطرة من القادة الذين تدعمهم إيران.
وقالت الكاتبة سعاد الصالحي -في تقرير نشره الموقع- إن محاولة المرجع الأعلى بالعراق علي السيستاني الرامية إلى انتزاع السيطرة على قوات الحشد الشعبي من الفصائل العراقية المدعومة من إيران انتهت بإعطاء الضوء الأخضر لحلّ التحالف الذي كان قائما بين هذه الفصائل، بحسب قادة ومسؤولين عسكريين.
وبدأ هذا الانقسام الأسبوع الماضي عندما انفصلت عن الحشد الشعبي أربعة فصائل مسلحة تعود إلى العتبات الدينية في النجف، وهي كتائب الإمام علي، وكتائب علي الأكبر، وفرقة العباس القتالية، ولواء أنصار المرجعية.
حدث مهم
وأوردت الكاتبة أن انسحاب هذه الفصائل حدث مهم لأن هيئة الحشد أسست من قبل رئيس الوزراء آنذاك نوري المالكي في يونيو/حزيران 2014 استجابة لفتوى صادرة عن السيستاني تدعو العراقيين للانضمام إلى القتال ضد تنظيم الدولة الإسلامية بعد اجتياحه أجزاء واسعة شمال وشمال غرب البلاد.
كانت فتوى السيستاني واضحة حيث نصت على وجوب مقاتلة تنظيم الدولة تحت قيادة قوات الأمن العراقية فقط. لكن المالكي أثار جدلاً من خلال إنشاء هيئة الحشد الشعبي بدلاً من ذلك، وإعطاء مسؤولية قيادتها إلى مستشار الأمن القومي فالح الفياض، وتعيين أبو مهدي المهندس (مؤسس معظم الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران) نائبا لرئيسها.
في الظاهر، بدت خطوة المالكي منطقية من الناحية التكتيكية حيث أصبحت الفصائل المدعومة من إيران -على غرار “منظمة بدر”- الركيزة الرئيسية للحشد الشعبي لأنها كانت منظمة للغاية ومسلحة بشكل جيد.
وبدلا من العمل كقوة عسكرية نظامية مسؤولة عن تقديم التقارير لقادة الجيش على النحو الذي يقتضيه قانون هيئة الحشد الشعبي، كانت معظم الفصائل تتلقى الأوامر من قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني. وقد حاولت السلطات الدينية في النجف ورئيس الوزراء حيدر العبادي -الذي خلف المالكي- استعادة السيطرة على هيئة الحشد الشعبي على مدى الأعوام الأربعة التالية، لكن المخاوف بشأن اندلاع مواجهة بين الطرفين قوضت هذه الجهود.
وبحسب الكاتبة، كانت آخر محاولة للنجف للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي قبل ستة أشهر، وذلك عندما دعت إلى استبدال معظم القادة والمسؤولين المرتبطين بإيران بقادة مستقلين تحت إشراف إدارة السيستاني. ولكن رفض القادة المدعومين من إيران التخلي عن مواقعهم وإصرارهم على إدامة سيطرة البلد الجار على هيئة الحشد الشعبي أدى إلى وصول المفاوضات إلى طريق مسدود.
وأشارت إلى أن عدد المقاتلين المسجلين الذين انفصلوا عن هيئة الحشد لا يتجاوز حتى الآن 12 ألف مقاتل، لكن القادة والمسؤولين أخبروا الموقع البريطاني بأنه من المتوقع أن يحذو آلاف آخرون حذوهم إذا وافقت رئاسة الوزراء على السماح بتنقل المقاتلين بين الفصائل. وتمتلك هيئة الحشد الشعبي حاليًا حوالي 150 ألف مقاتل.
فتوى السيستاني
بحلول أوائل عام 2014، تزايدت قوة تنظيم الدولة وشرع في شن عمليات جريئة ضد قوات الأمن العراقية. وسعيا للاتفاق حول أفضل السبل لتأمين بغداد، عقد المالكي -الذي فقد الثقة في قدرة القوات الأمنية على مواجهة تنظيم الدولة- اجتماعا في بغداد في مارس/آذار 2014 مع حلفائه من الفصائل الشيعية البارزة.
وأشارت الكاتبة إلى أنه بحلول يونيو/حزيران 2014، استحوذ تنظيم الدولة على حوالي ثلث الأراضي العراقية. كانت فتوى السيستاني -التي كان الهدف منها التصدي لانهيار المؤسسة العسكرية ومنع تنظيم الدولة من الاستيلاء على بغداد- بمثابة طوق النجاة الذي أمسك به المالكي لتشريع أنشطة حلفائه من الفصائل من خلال إنشاء هيئة الحشد الشعبي.
وبحسب المحلل السياسي عبد الواحد توما، بمجرد تأسيس هيئة الحشد الشعبي، كانت لدى المالكي أسباب وجيهة لتسليم مسؤولية قيادتها إلى حلفائه المدعومين من إيران. ورغم أن فصائل مثل كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق كانت قوات قتالية فعالة، فإنها كانت قليلة العدد، وعملت كوحدات النخبة. وهدد ذلك بمنع الإيرانيين من تولي السيطرة الكاملة على هيئة الحشد الشعبي، وأطلق الشرارة الأولى للنزاع.
وأشارت الكاتبة إلى أن إيران بدأت في توفير رواتب منتظمة لعشرات الآلاف من المتطوعين وسلحتهم وجهزتهم بسخاء. في المقابل، كان على المقاتلين المسلحين الذين اعتمدوا على بغداد الانتظار حتى يونيو/حزيران 2015 لكي يتقاضوا رواتبهم.
وفي يوليو/تموز 2016، كشفت السلطات الدينية في النجف مخاوفها للمسؤولين في بغداد وطهران بشأن سلوك القوات المدعومة من إيران، مشيرة إلى تورطها في انتهاكات حقوق الإنسان والاستيلاء على الموارد في المناطق التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة.
وفي مارس/آذار 2018، أصدر رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي مرسوما يأمر بإعادة هيكلة قوات الحشد الشعبي، لكن الفصائل المدعومة من إيران تجاهلت القرار بالكامل.
قمع المتظاهرين
وصلت التوترات بين السلطات الدينية في النجف وإيران حول قوات الحشد الشعبي إلى ذروتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما وجهت اتهامات لبعض قادة الحشد بشكل مباشر في تنفيذ حملة قمع وحشية استهدفت المتظاهرين المناهضين للحكومة، حيث قُتل المئات وجُرح الآلاف منهم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أرسل القادة المناصرون للسلطات الدينية في النجف اقتراحا لرئيس الحكومة عادل عبد المهدي لإصلاح هيئة الحشد الشعبي والحد من سطوة إيران على قيادتها.
وفقاً لمسؤولين وقادة مطلعين على المفاوضات، استندت الإصلاحات المقترحة على ثلاث خطوات أولية، أولا تحديد المناصب والمديريات والقادة التي تمثل مفاتيح السيطرة على هيئة الحشد الشعبي، وثانيا إقالة من شغلوا تلك المناصب واستبدالهم بقادة جدد تحت إشراف السلطات الدينية في النجف، وثالثًا استبعاد جميع القادة المشاركين في قمع المتظاهرين. ولكن هذا الاقتراح لم يحظ بأي دعم.
فوضى عقب الاغتيال
وأشارت الكاتبة إلى اغتيال المهندس وسليماني مطلع يناير/كانون الثاني الماضي في غارة أميركية قرب مطار بغداد تسبب بفوضى تمخضت عنها إطلاق قادة مؤيدين للسيستاني محاولة جديدة للضغط على عبد المهدي لإصلاح هيئة الحشد.
بعد ذلك بوقت قصير، التقى عبد المهدي قادة الفصائل الأربعة في مكتبه ببغداد مع فالح الفياض. وقد أكد أحد الحضور لـ “ميدل إيست آي” أن الشيخ عبد المهدي الكربلائي وسيد أحمد الصافي ممثلي المرجعية الدينية العليا انضموا إلى الاجتماع عبر الهاتف.
ويبدو أن الفصائل المدعومة من إيران استشعرت خطورة جهود النجف الأخيرة للسيطرة على هيئة الحشد الشعبي، فهرعت لتسمية عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) -وهو زعيم بارز في كتائب حزب الله- خلفًا لأبي مهدي المهندس.
في المقابل، رفض القادة الموالون لمرجعية النجف تعيين أبو فدك وهددوا بالانسحاب من الهيئة إذا لم تؤخذ مطالبهم على محمل الجد. ولتخفيف حدة التوتر ومحاولة إقناع الفصائل الأربعة بعدم الانسحاب، أرسل عبد المهدي وفدا عسكريا للقاء الكربلائي في محاولة لإيجاد تسوية ترضي الطرفين، لكن الأخير رفض الخوض في التفاصيل.
بعد عدة مفاوضات، وصلت المحادثات في مكتب عبد المهدي في بغداد خلال الشهر الماضي إلى طريق مسدود، وذلك عندما انسحبت الفصائل الموالية للسيستاني بعد أن علمت أن القادة المدعومين من إيران يصرون على تعيين أبو فدك خلفا للمهندس.
لم يتغير شيء
ولا يزال من غير الواضح كيف يتم دمج الفصائل الأربعة المنفصلة عن الحشد ضمن قوات الأمن العراقية النظامية.
وقالت الكاتبة إنه حسب أحد المشاريع المقترحة، الذي تم تقديمه لأول مرة إلى العبادي قبل بضع سنوات، يمكن تشكيل مديرية جديدة مماثلة لمديرية حماية المنشآت، المسؤولة عن أمن المباني الحكومية العراقية. وحسب هذا الاقتراح، فإن مهمتهم ستقتصر على تأمين الأضرحة الدينية. وإذا حدث ذلك، ستكون مهمتهم تقديم تقارير إلى وزارة الداخلية.
حيال هذا الشأن، أوضح مهند العقابي مدير إعلام هيئة الحشد الشعبي أن جميع قوات الحشد مرتبطة بالقوات المسلحة العراقية إداريا وعمليا مما يعني أن هذا القرار “لن يغير شيئا ولن يؤثر على ميزانية أو تحركات أي من الفصائل المتبقية”.
المصدر : ميدل إيست آي