فاقم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني من دوره السياسي المؤثر على مستقبل العراق بعد إصدار بيان يحث فيه العراقيين على المشاركة في الانتخابات، بينما يرى أغلب العراقيين أن تشجيع السيستاني يمثل دعما غير مباشر للقوى والأحزاب الفاسدة المسيطرة على البلاد.
بغداد – زاد بيان المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاتي، الذي حث فيه العراقيين على المشاركة في الانتخابات، من رصيد الأحزاب والقوى السياسية والطائفية التي استحوذت على الحكم منذ عام 2003 والمتهمة بالفشل والفساد.
وبينما أجمع قادة القوى والأحزاب والكتل الانتخابية على ترحيبهم ببيان المرجع الشيعي، رأى النشطاء المطالبون بالتغيير أنه نوع من الدعم الواضح للنظام السياسي القائم والذي خرج الملايين من العراقيين في انتفاضة تشرين لإسقاطه.
وتأتي الانتخابات المبكرة المؤمل إجراؤها في العاشر من أكتوبر الجاري نتيجة لمطالب انتفاضة تشرين التي قادها الملايين من العراقيين الرافضين للطبقة السياسية والأحزاب الحاكمة.
وحثّ السيستاني العراقيين على المشاركة في الانتخابات المقبلة من أجل “إحداث تغيير حقيقي”، معتبرا أن الانتخابات هي الطريق الأسلم للعبور بالبلد إلى مستقبل يرجى أن يكون أفضل مما مضى، وسط توقعات بأن تكون نسبة المشاركة ضئيلة.
وتمثل الانتخابات التشريعية المبكرة، التي حددت تحت ضغط مطالبة متظاهرين بها خلال احتجاجات أكتوبر 2019 بدلا من موعدها في عام 2022، القليل من التنازلات التي قدمتها السلطات إلى المحتجين الذين خرجوا ضد الفساد المستشري ونقص الخدمات العامة في العراق.
لكن حماسة الناخبين الـ25 مليوناً تجاهها ضعيفة في بلد يقبع نحو ثلث سكانه في الفقر، وفق الأمم المتحدة.
مارسين الشمري: الأمر المهم أن السيستاني قال إن الناخبين يملكون الخيار بالتصويت من عدمه
وبعد الاجتياح الأميركي للعراق في 2003 كان السيستاني وراء إرسال الملايين من العراقيين إلى الشوارع وإلى صناديق التصويت للدستور الذي ساهم الحاكم الأميركي بول بريمر في إقراره والقتال خلال المعارك ضد تنظيم داعش في العام 2014، وتأسيس الحشد الشعبي من الميليشيات الطائفية.
وبينما تواجه الكتل الشيعية تنافسا فيما بينها للحصول على المقاعد البرلمانية التي تؤهلها لتشكيل الحكومة المقبلة، جاء بيان السيستاني بمثابة نوع غير مباشر من الدعم للنظام السياسي الذي هو من دعاته ومن أكبر المستفيدين من استمراره. ذلك ما يُلقي بظلال من الريبة على الدور السياسي الذي يلعبه المرجع الديني.
وصارت الأحزاب المتهمة بالفساد والفشل السياسي على يقين من أن حجم المقاطعة الشعبية سيشكل حجر عثرة يحول دون الوصول إلى ما تنشده من تحول جذري في أسلوب الحكم في المرحلة المقبلة.
ويرى سياسيون ومعلقون عراقيون أن تلك الأحزاب لجأت إلى السيستاني الذي لا يزال يملك سطوة على البسطاء من أجل حثهم على المشاركة في الاقتراع. وهي دعوة لا تُخفي طابعها الديني وإن كان الغرض المبيت منها طائفيا.
وقال أستاذ جامعي عراقي فضل عدم الكشف عن اسمه في تعليق على بيان السيستاني السياسي أكثر منه الديني “المرجعية باعتبارها مؤسسة لا تنتعش إلا في ظل نظام سياسي طائفي يميل أفراده إلى تغليب الطابع الديني على الطابع المدني. لذلك جاء حث المرجع الأعلى على التصويت لتعزيز دور الحشد الشعبي كقوة طائفية لا لحماية النظام فحسب، بل وأيضا للقيام بدور قيادي فيه”.
ويُمثَّل الحشد الشعبي بكتلة انتخابية كبيرة يتزعمها رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وتضم غالبية الميليشيات المدعومة من إيران.
وقال الأستاذ الجامعي في تصريح لـ”العرب”، “صار واضحا أن التيارات الدينية والميليشيات تخطط لاقتسام السلطة في المرحلة المقبلة في محاولة للاستعداد لأي مواجهات يمكن أن تتسبب بها عودة الاحتجاجات الشعبية”.
واعتبر أن دعوة السيستاني للمشاركة في الانتخابات وعدم مقاطعتها تناقض دعواته السابقة للإصلاح، عندما يدعم الفاسدين الذين يعرف أنهم يملكون الأدوات التي تجعل النتائج محسومة لصالحهم منذ الآن.
غير أن الباحثة العراقية مارسين الشمري ترى أن “الأمر المهم الذي حصل في الانتخابات الماضية، هو أن السيستاني قال إن الناخبين يملكون الخيار بالتصويت من عدمه، وهو ما فسره الناس بإمكانية المقاطعة”.
إلا أن المعلق السياسي العراقي جبار المشهداني نوه إلى أن بيان السيستاني يحمل بين سطوره أكثر من رسالة، لكن الطبقة السياسية العراقية أرادت استثماره كداعم للمشاركة الواسعة للناخبين.
وقال المشهداني في تصريح لـ”العرب”، “بيان السيستاني حمل شرطا لاختيار مرشحين لم تتلطخ أيديهم بالفساد أو الفشل وكأن المرجع أراد إعادة تنشيط الذاكرة الشعبية بمقولة المجرب لا يجرب بإعادة صياغة جديدة”.
جبار المشهداني: رسالة السيستاني لن تعيد المقاطعين للانتخابات وفق قناعاتهم
واستبعد أن تحقق رسالة المرجع الشيعي هدفها المتمثل في توسيع مشاركة العراقيين الذين قرروا مقاطعة الانتخابات وفقا لقناعاتهم التي كانت حصيلة الفشل الذي رافق الأداء السياسي العام.
وأضاف “بيان المرجعية التي عرف عنها اعتدالها ووسطيتها توجيهي وليس فيه ما يلزم وإنما هي دعوة للمشاركة الواسعة دون أن تكون هناك عواقب لمن لا يشارك”.
واعتبر الباحث السياسي العراقي علي رسول الرّبيعي أن الشروط التي حددتها المرجعية، والمتمثلة في مرشحين غير متورطين في الفساد وعدم انتخاب جهات تعمل خارج إطار الدستور وإجراء انتخابات بعيدا عن التأثيرات الجانبية للمال أو السلاح غير القانوني أو التدخلات الخارجية، لا تتوفر في المرشحين وفي القوائم الانتخابية.
وتوقّع الربيعي ألا تنتج الانتخابات القادمةُ التغييرَ الذي ينشده العراقيون وينتظرونه للخلاص من حالة الانهيار على كافة أصعدة الدولة والحكم والاقتصاد.
وأجمعت القوى السياسية العراقية على ترحيبها ببيان المرجع الشيعي الأعلى. وأكد رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تلقيه بيان السيستاني بـ”مسؤولية كبيرة”، متعهداً بالتزام مؤسسات الدولة بحماية العملية الانتخابية.
وأشاد الرئيس العراقي برهم صالح بالموقف الوطني للمرجعية الشيعية بشأن الانتخابات المقبلة.
وقال صالح في تغريدة على حسابه في تويتر “إن التوجيهات الصادرة من المرجع الأعلى حول الانتخابات هي موقف وطني حريص يأتي في ظرف دقيق لحماية الوطن والانتصار للمواطن”.
واكتفى صالح محمد العراقي -المعروف بـ”وزير” زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر- في منشور من كلمتين أرفقه ببيان السيستاني، بقوله “ظهر الحق”.
وأعلن رئيس قيادة تحالف قوى الدولة الوطنية حيدر العبادي تأييده لتوصيات السيستاني بشأن الانتخابات، مشيرا إلى أنها تأكيد لمواقفه الوطنية الثابتة والمدافعة عن الدولة وهيبتها وسيادتها ومصالحها العليا.
واعتبر زعيم تحالف “قوى الدولة” عمار الحكيم أن بيان السيستاني ينم عن حرص أبوي مسؤول، ونظرة عميقة لمجريات الأمور وتحديات الحاضر والمستقبل، وشعور وطني يستدعي الوقفة الجادة والاستجابة الشاملة من قبل الشعب لتغيير الواقع.
العرب