استقبل العراقيون شهر رمضان المبارك هذا العام مع المخاوف من تفشي كورونا، فانعدمت تقريبا حركة العوائل وزياراتها المتبادلة، وسكنت أصوات المناطق الشعبية الصاخبة، واختفت موائد الإفطار الجماعي وصلاة الجماعة في المساجد، لكن المعتصمين في ساحة التحرير وسط العاصمة لم تمنعهم كل تلك المتغيرات والمحاذير من عيش أجواء رمضان وطقوسه كما جرت العادة كل عام، مع الإبقاء على جذوة الاحتجاجات.
وبعد سبعة أشهر من الاحتجاج في ساحة التحرير وانخفاض وتيرة المظاهرات بالتزامن مع تفشي كورونا أصر بعض المعتصمين في الخيام وسط التحرير ومحيطها على البقاء رغم تفشي كورونا من باب الإصرار على موقفهم الاحتجاجي حتى تحقيق الأهداف وحتى لا تضيع دماء من قضوا في المظاهرات حسبما يقولون.
وخلال الشهر الفضيل يبدأ المعتصمون من العصر بالإعداد لوجبة الإفطار الجماعي يوميا، وعندما يقترب موعد الإفطار يتجمعون عند الخيمة التي تدعو لتناول الطعام كما يقول المتظاهر مهمين علي.
ويضيف علي للجزيرة نت أن المعتصمين -الذين ما زالوا في التحرير- قسموا الخيام منذ اليوم الأول من رمضان على شكل فريقين أو أكثر، حيث تجمع المواد الغذائية التي تصل من الميسورين والتجار، ويجري إعداد الإفطار لعشرات الصائمين وغيرهم.
ضيف عزيز
وتقول أم باسم -التي تعد الطعام في خيمتها منذ الأسابيع الأولى للمظاهرات- إن “الشهر الفضيل أشبه بالضيف العزيز الذي يأتي مرة في السنة ولا يمكن تجاهله، ولا بد من إعطائه حقه”.
وتشير أم باسم (60 عاما) إلى أنها تفضل البقاء مع أبنائها الثلاثة في ساحة التحرير، خاصة بعد تراجع فعاليات رمضان في مدينة الصدر شرق بغداد حيث تسكن بفعل حظر التجول والخوف من الإصابة بفيروس كورونا.
ومع حلول المساء وعلى الرغم من التحذيرات الحكومية خوفا من كورونا تبدأ سلسلة من الفعاليات التي اعتاد العراقيون تأديتها خلال رمضان، من طقوس عبادية إلى الألعاب الشعبية الخاصة بالشهر.
بعض المعتصمين يوقدون الشموع ويبدؤون بتلاوة القرآن والأذكار، فيما لا تخلو هذه الممارسة من رفع صور أصدقائهم الذين قضوا خلال الاحتجاجات الدامية.
ويتجمع آخرون في زاوية أخرى من الساحة استعدادا لممارسة لعبة “المحيبس” أشهر الألعاب الشعبية العراقية في رمضان، والتي أعلن رئيس لجنتها في العراق جاسم الأسود في وقت سابق تأجيل البطولة السنوية للعبة، لكن المعتصمين يلعبونها بصراخها الحماسي وما يرافقها من أغان وقرع طبول.
و”المحيبس” تصغير كلمة “محبس” أي “الخاتم”، وهي لعبة تراثية تعتمد على الفراسة، وعلى إمكانية “الطاير”، وهو لقب الرجل الذي يحاول كشف مكان الخاتم وإعادته لفريقه.
استمرار الاحتجاج
ويقول الإعلامي عبد الرحمن الغزالي إن المرابطين في ساحات الاحتجاج -وعلى الرغم من التهديدات الأمنية والصحية التي تحيط بهم- استمروا في نشاطاتهم من أجل الحفاظ على صوت المظاهرات المؤثر، مع التزام واضح بالإجراءات الصحية، والذي انعكس بعدم تسجيل أي إصابة بالفيروس بين صفوفهم لحذرهم الشديد وندرة خروجهم من التحرير مع التعقيم اليومي.
ومنذ أسبوع، تسجل وزارة الصحة العراقية أرقاما مرتفعة مقارنة بالأسابيع الأولى على أول إصابة بفيروس كورونا في العراق، وتجاوز مجموع المصابين بالفيروس في العراق 2431، والوفيات 104 حالات.
وبسبب مخاوف انتشار كورونا تراجع عدد المعتصمين في التحرير بشكل كبير، وفيما لم تتخذ السلطات قرارات بإخلاء الساحة بالقوة فضل أغلب النشطاء ملازمة البيوت للضرورة الصحية بعد مناشدات من قبل كثيرين، بينهم ممثل الصحة العالمية في العراق.
وأضاف الغزالي للجزيرة نت أن المعتصمين -إضافة إلى ممارسة الطقوس الرمضانية المعتادة- يتفاعلون مع المستجدات التي تطرأ على الساحة، أبرزها التضامن مع القوات الأمنية التي تعرضت لعدة هجمات مؤخرا، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على وعي كبير انطلق الشارع من أجل ترسيخه، على أمل تجدد المظاهرات بشكل أكبر في الوقت المناسب.
ومع انخفاض وتيرة الاحتجاج وانحسارها ببعض الخيام في عدد من الساحات تنشغل الحكومة العراقية بفيروس كورونا وتداعياته، إضافة إلى الأزمة المالية بعد انهيار أسعار النفط عالميا وتأثيرها على البلاد بشكل كبير، فضلا عن عودة نشاط تنظيم الدولة الإسلامية في عدة مناطق، وليس انتهاء بالغموض الذي يكتنف مصير حكومة رئيس الوزراء المكلف الحكومة مصطفى الكاظمي.
ويحاول المتظاهرون مؤخرا عبر حملة على فيسبوك بعنوان “وعد ترجع الثورة” جمع شتاتهم مرة أخرى والاحتجاج رفضا لما يصفوه بالمماطلة في عملية حسم الحكومة الجديدة والتمهيد لإجراء انتخابات مبكرة في البلاد.
المصدر : الجزيرة