على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد -الذي نتج عنه حتى نهاية يوم الأحد 3 مايو/أيار الجاري إصابة مليون و160 ألف شخص ووفاة 68 ألفا آخرين- توقفت مظاهر الحياة في الولايات المتحدة.
مظاهر ترتبط في معظمها باستهلاك الطاقة، خاصة النفط، فالسيارات لا تنطلق في الشوارع، والطائرات لا تحلق في السماء، وأغلب المصانع أغلقت أبوابها إلى حين، وبدأ خام غرب تكساس عام 2020 وسعره 63 دولارا ووصل يوم 29 أبريل/نيسان الماضي إلى 14 دولار فقط، وارتفع أول أمس الاثنين ليصل إلى 25 دولارا للبرميل.
كل ذلك يطرح تساؤلات تتعلق بمستقبل صناعة النفط الصخري الأميركي، وهل سيكتب لها الاستمرار، أم أن دورة حياتها تقترب من النهاية.
الجزيرة نت تحاول الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها..
لماذا انخفضت أسعار النفط خلال الأشهر الأخيرة؟
شهدت الأشهر الأخيرة انخفاضا غير مسبوق وغير متوقع في الطلب على النفط نتاج تداعيات فيروس كورونا المستجد الذي أجبر عدة مليارات من الأشخاص على البقاء في منازلهم، وأوقف قيادة السيارات وركوب الطائرات وتعطيل التصنيع، وهو ما أدى إلى انخفاض كبير في استيراد النفط من مستهلكين كبار، كالصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية.
وصاحب ذلك ارتفاع كبير في العرض نتيجة حرب أسعار بين روسيا والسعودية دفعتهما لزيادة كبيرة في حجم إنتاجهما عقب انهيار اتفاق أوبك بلس، وسبق ذلك كله زيادة إنتاج شركات النفط الصخري الأميركي.
وخلال العقد الأخير نجح قطاع النفط الصخري الأميركي في كسر احتكار دول أوبك تحديد أسعار وكميات النفط المتاحة في الأسواق العالمية، ودفع ذلك الولايات المتحدة لتتصدر دول العالم المنتجة للبترول قبل السعودية وروسيا، وانخفضت أسعار النفط لتصل إلى نصف مستواها خلال العقد الماضي.
كيف أثر ذلك على صناعة النفط الصخري الأميركي؟
انهيار الطلب العالمي إلى أدنى معدلاته العالمية أدى لانهيار تلقائي في أسعار النفط الصخري الأميركي مع عدم وجود أماكن كافية للتخزين، وفقدت أسعار النفط العالمية نحو ثلثي قيمتها هذا العام ليصل سعر خام برنت إلى عشرين دولارا للبرميل، وانخفضت أسعار خام غرب تكساس لتصل لأسعار سلبية بلغت (-37 دولارا) يوم العشرين من الشهر الماضي، قبل أن تعود وتتعافى قليلا.
وأدى امتلاء أماكن التخزين الأميركية إلى مضاعفة المخاوف والتسرع للتخلص من عقود الشراء المستقبلية المتعلقة بشهر مايو/أيار الجاري والتي كان يجب بيعها قبل منتصف يوم 21 أبريل/نيسان الماضي.
ما الاختلاف بين خام غرب تكساس وخام برنت؟
يعد خام غرب تكساس هو المؤشر للنفط الأميركي، ويتميز بخفته وزيادة الشوائب فيه، وتزيد تكلفة استخراجه لتتراوح بين 40 و90 دولارا للبرميل، ويصعّب ذلك وجود جدوى اقتصادية لاستخراجه إلا إذا بلغ سعر بيع النفط معدلات تزيد على 60 دولارا للبرميل كحد أدنى في أغلب مناطق إنتاجه.
أما خام برنت فهو المؤشر للنفط المستخرج من روسيا ودول الخليج وأغلب مناطق أفريقيا وآسيا، ويتميز هذا الخام بأنه ثقيل، مما يمكن معه اشتقاق الكثير من المنتجات البترولية منه، ويتميز كذلك بانخفاض تكلفة استخراجه لتصل في بعض الحالات إلى أقل من عشرة دولارات للبرميل، وهو ما يجعله قادرا على مواجهة تذبذبات السوق وتغير الأسعار.
ما العلاقة بين سعري خام غرب تكساس وخام برنت؟
تتأثر أسعار كل منهما بالآخر، فحين يرتفع سعر خام غرب تكساس يزداد سعر خام برنت والعكس صحيح، وعادة يزيد خام سعر خام برنت بمتوسط عشرة دولارات للبرميل مقارنة بخام غرب تكساس.
ما حجم هذه الصناعة في الولايات المتحدة؟
يبلغ عدد العاملين المباشرين في صناعة النفط الصخري ما يقارب 350 ألف شخص ينتشرون بين 300 ألف بئر، وتنتشر الآبار في 21 ولاية أميركية.
وترتبط بصناعة النفط الصخري دائرة من أنشطة اقتصادية يعمل فيها ما يقارب 1.7 مليون شخص، وبلغ متوسط ما يستخرج من النفط الصخري الأميركي يوميا خلال يناير/كانون الثاني الماضي 4.3 ملايين برميل، وسمح ذلك لتصبح الولايات المتحدة أكبر منج للنفط في العالم.
ويبلغ متوسط أجر العامل في شركات النفط الصخري 48 دولارا في الساعة الواحدة، وهو رقم كبير يبلغ معه متوسط أجر العامل سنويا مئة ألف دولار، وهو ما يزيد بنسبة 40% عن متوسط الدخل السنوي للمواطن الأميركي.
هل تواطأت روسيا والسعودية ضد منتجي النفط الصخري الأميركي؟
يرى الكثير من الجمهوريين أن السعودية وروسيا استغلتا تداعيات أزمة فيروس كورونا المستجد وقررتا التخلص من المنافس الرئيسي لهما في تجارة النفط العالمية والذي دفع دخوله السوق بقوة خلال العقد الماضي لانخفاض كبير في أسعار الطاقة حول العالم.
وتستطيع السعودية وروسيا استيعاب انخفاض كبير ولفترة أطول في أسعار النفط نظرا لانخفاض قيمة الإنتاج، على العكس من منتجي النفط الصخري الأميركي.
كيف رد البيت الأبيض والكونغرس على هذه التطورات؟
تدخل الرئيس ترامب فاتصل بقادة السعودية وروسيا، في محاولة لإنهاء حرب أسعار النفط، وبعد فشل المحاولات الأميركية طالب الكثير من أعضاء الكونغرس بالاستعداد لاتخاذ إجراءات عقابية ضد السعودية.
وتشير وكالة رويترز إلى أن الرئيس ترامب أنذر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بخصوص الأزمة خلال مكالمة هاتفية بأنه ما لم تبدأ منظمة دول أوبك في خفض الإنتاج فإنه سيكون عاجزا عن منع المشرعين الأميركيين من تمرير تشريع لسحب القوات الأميركية من المملكة السعودية.
وهدد ترامب كذلك وبعض أعضاء الكونغرس بفرض رسوم على الواردات النفطية السعودية حال استمرار سياسة إغراق الأسواق.
هل يدعم الكونغرس صناعة النفط الصخري؟
يطالب العديد من أعضاء مجلسي النواب والشيوخ الولايات المتأثرة بانخفاض سعر النفط الصخري بضرورة دعم وزارة الطاقة بثلاثة مليارات من الدولارات لشراء النفط الصخري بأسعار منخفضة لملء الاحتياطي الإستراتيجي الأميركي.
ويعارض الديمقراطيون هذه الخطوة بسبب أجندتهم الواسعة التي تركز على مصادر الطاقة النقية والمتجددة وتحاول تقليل الاعتماد على البترول والغاز لأسباب تتعلق بأجندتهم المتعلقة بالبيئة، ويرى آخرون أن هناك بالفعل الكثير من المزايا الضريبية التي تتمتع بها الشركات العاملة في مجال النفط الصخري.
كيف يمكن أن يؤثر تدهور صناعة النفط الصخري على انتخابات الرئاسة المقبلة؟
يصاحب الانهيار في صناعة النفط الصخري ارتفاع تاريخي في عدد الأميركيين المتقدمين لطلب إعانات البطالة، إذ بلغ عدد الطلبات أكثر من 30 مليون طلب خلال الأسبوع الأخير.
ودفعت حرب الأسعار بين السعودية وروسيا إلى اتباع شركات الحفر الصخري إجراءات تقشفية صارمة خسر معها العمال جزءا كبيرا من مرتباتهم، وتم الاستغناء على آلاف منهم، ويتوقع أن يصل عدد من تم تسريحهم بحلول يوليو/تموز المقبل إلى 140 ألف عامل أو ما نسبته 40% من الأيدي العاملة فيها، وهو ما يعد خبرا سيئا للرئيس ترامب، إذ تتركز صناعة النفط الصخري في ولايات تصوت عادة للحزب الجمهوري مثل مونتانا وتكساس وأوهايو وأوكلاهوما.
ماذا يحمل المستقبل لصناعة النفط الصخري؟
ذكرت دراسة لمؤسسة ريستاد لأبحاث الطاقة “انه حتى مع وصول أسعار النفط الأميركي إلى 20 دولارا ستعلن 533 شركة استخراج نفط صخري أميركي إفلاسها بنهاية العام المقبل، وسيصل عدد الشركات المفلسة إلى 1100 شركة إذا وصلت أسعار النفط إلى عشرة دولارات للبرميل الواحد”.
وتوقع الكثير من الخبراء انهيارا بطيئا للصناعة خلال السنوات الخمس المقبلة، حيث يتم شراء الشركات الصغرى من كبار المنتجين، وإعلان الكثير من الشركات إفلاسها، وبدلا من وجود 60 شركة حاليا في البورصة الأميركية يتوقع أن يصل عدد الشركات إلى 10 فقط بعد خمس سنوات.
المصدر : الجزيرة