تتفاوض المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي على صفقة تجارية يجب إبرامها في موعد أقصاه نهاية العام. وما لم يتفقا على شيء بحلول 1 يناير (كانون الثاني)، ستخرج المملكة المتحدة خروجاً صاعقاً من السوق الموحدة من دون صفقة.
وهذا ما سيحصل ما لم تُمدد مرحلة بريكست الانتقالية التي تتمتع بها بريطانيا حالياً. قد يبدو الأمر بسيطاً، لكن ثمة فخ: فالاتفاق على تمديد كهذا يجب أن يُعقد في غضون شهر فقط.
وكانت المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي، اللذان عانيا من قرارات اللحظة الأخيرة التي ميزت المرحلة الأولى من محادثات بريكست، قد اتفقا أن يكون الموعد النهائي لتمديد المرحلة الانتقالية قبل ستة أشهر من الانفصال الفعلي، تجنباً لانقطاع مفاجئ ولإعطاء الدول والأعمال الوقت الكافي للإعداد للانفصال من دون اتفاق.
وانطوى الأمر على نية حسنة. فهل هذا يكفي لتبديد الغموض؟ لكن قد يؤدي في نهاية المطاف إلى العكس تماماً. فلطالما تعرضت نهاية يونيو (حزيران) باعتبارها الموعد النهائي للاتفاق على التمديد أو عدمه، إلى التشكيك.
بالطبع، ينص قانون الاتحاد الأوروبي على أن هذا التمديد للمرحلة الانتقالية سيكون قطعاً الأخير. وتشدد المملكة المتحدة على أنها لن تمدد المرحلة لأي سبب كان، مثلما فعلت في كل مرة سابقاً حتى اللحظة الأخيرة.
ومن الواضح أيضاً أن المادة 50، التي تتضمن الأحكام التي وُضِعت بموجبها الصفقة السابقة، أصبحت غير صالحة الآن لإخراج بريطانيا من هذا الوضع، فهي لا تنطبق إلا على الدول الأعضاء في مرحلة انسحابها من الاتحاد، وهذه لم تعد حال المملكة المتحدة.
لكن حيث تتوافر إرادة، تتوافر عادة طريقة. وينص تقرير جديد وضعه خبراء في “معهد الحكومات” Institute for Government على أربع طرق يمكن من خلالها للمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي تمديد المرحلة الانتقالية فور تجاوز الموعد النهائي في يونيو.
تغيير التاريخ في اتفاقية الانسحاب
تتمثل إحدى الطرق التي اقترحها تقرير المعهد ببساطة في تغيير التاريخ المحدد في اتفاقية الانسحاب التي تنص على أن أي تمديد يجب أن يُتّفَق عليه بحلول 30 يونيو. فتغيير التاريخ إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) يحل المشكلة.
لكن الباحثين يحذّرون من أن “هذا الخيار أبعد ما يكون عن المباشرة”. ففي حين تتمتع حكومة المملكة المتحدة بالسلطة القانونية لتغيير الاتفاقية من طرفها، ليس من الواضح إن كان لدى الاتحاد الأوروبي سلطة مماثلة.
فسلطة الاتحاد الأوروبي مستمدة من المعاهدات، وفي حين يمكن تعديل الاتفاقية بغرض “تصويب الأخطاء ومعالجة الإغفالات أو النواقص الأخرى”، ليس من الواضح إن كان تعديل التاريخ يقع ضمن هذا النطاق. وقد يتطلب الأمر حكماً من محكمة العدل الأوروبية، ما يجعل الاعتماد على هذا المسار “مقامرة كبرى”.
وضع مرحلة انتقالية جديدة تبدأ في 1 يناير 2021
إذا تعذر تمديد المرحلة الانتقالية، فلماذا لا تُوضع واحدة جديدة؟ يقترح المعهد التفاوض على “معاهدة منفصلة” من شأنها “أن تبدأ حيث تنتهي المعاهدة السابقة” عند الساعة 11 بعد الظهر بتوقيت غرينتش يوم 31 أكتوبر (تشرين الأول)، وهو وقت انتهاء المرحلة الحالية، ما يؤدي إلى تفادي الانفصال من دون اتفاق.
وسيكون ثمة أساس قانوني لذلك: ففي حين لن يمكن استخدام المادة 50، يستطيع الاتحاد الأوروبي استعمال الأدوات نفسها الموجودة تحت تصرفه والتي يستخدمها في التفاوض على المعاهدة الحالية.
ومن عيوب هذا النهج أنه يجبر المفاوضين على وقف محادثاتهم في شأن العلاقة المستقبلية بغرض وضع هذه المعاهدة الجديدة، لمجرد تمديد الوقت المتوافر لهم للمحادثات حول العلاقة المستقبلية – وهذا ليس حلاً مثالياً تماماً. ويفيد المعهد أيضاً بوجود “مخاطر سياسية وقانونية كبيرة”.
وضع مرحلة التنفيذ في المعاهدة المتعلقة بالعلاقة المستقبلية
كذلك يمكن للجانبين الاتفاق على إدراج “مرحلة تنفيذ” في المعاهدة المتعلقة بالعلاقات المستقبلية. ومن الواضح أن هذا لن يكون مفيداً إذا لم يُتّفَق على معاهدة حول العلاقات المستقبلية، لكنه سيوفر مزيداً من الوقت في الختام إذا وصل المفاوضون إلى النهاية مع تحقيق تقدم ما.
وهذا السيناريو ليس مستبعداً تماماً كما يبدو، ولعلكم تذكرون الوضع في أكتوبر 2019 حين كانت ثمة حاجة إلى التمديد على رغم الاتفاق على الصفقة. وهذا ما أتاح للبرلمانين البريطاني والأوروبي الوقت للتصديق على المعاهدة.
ويشير المعهد إلى أن مرحلة التنفيذ يمكن أن تكون مماثلة للمرحلة الحالية، أو أن تغطي أشياء مختلفة. وسيكون الهدف هو توفير الوقت اللازم للإعداد للمعاهدة المقبلة.
ويتيح هذا النهج أيضاً إمكانية الاتفاق على معاهدة أساسية حول العلاقات المستقبلية تكون ذات إطار ضعيف جداً مع ترك المسائل الصعبة إلى مراحل أخرى. والأمر الحاسم أن من شأن هذا النهج أن يسمح للمفاوضين بأن يعلنوا النصر إلى حد ما، في حين أنهم لم يعالجوا أصعب المسائل.
إعداد مرحلة التنفيذ تحسباً للانفصال من دون اتفاق
لا يساعد هذا النهج على تجنب الانفصال من دون اتفاق، لكنه يمكن أن يخفف بعض الصدمات. فلو بدا أن كل شيء ضاع، يمكن لكلا الجانبين خلق “مرحلة تنازلية” تعطي الشركات مزيداً من الوقت للإعداد للانقطاع المفاجئ.
وسيكون ذلك مفيداً بسبب عدم اليقين الذي تنطوي عليه الحالة الراهنة. وأشارت استطلاعات سابقة للرأي إلى وجود مستوى محدود من التأهب بين الشركات لأن العديد منها لا يزال يأمل في التوصل إلى اتفاق ولا يريد إهدار الموارد استعداداً لشيء قد لا يحدث.
ويفيد “معهد الحكومات” بأن “المفاوضات يمكن أن تفشل تماماً”، مشيراً إلى أن “المحادثات التجارية تفشل في الأغلب”.
ويوضح التقرير أن “إخبار الشركات بالاستعداد لأسوأ الاحتمالات لن يفيد: فإذا اتخذت شركة استعدادات فعلية مكلفة لعدم التوصل إلى اتفاق، فإنها تغامر بأن تخسر أمام منافسين أقل اجتهاداً إذا جرى التوصل إلى اتفاق في اللحظة الأخيرة… ويمكن لتخصيص فترة زمنية محددة تركز خلالها الحكومة والشركات حصراً على الإعداد لسيناريو عدم التوصل إلى اتفاق، أن يقلل من فرص حدوث خسائر كهذه”.
لكن العمل السياسي الخاص بهذا الوضع قد يكون صعباً. ويقول المؤلفون “من الصعب رؤية المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي يعترفان بانهيار المفاوضات في شكل لا رجعة فيه قبل الخريف”.
وإذا فعلاً، فلن يكون ذلك الوقت هو الأكثر ملاءمة للشروع في مفاوضات جديدة ومعقدة من الناحية الفنية في شأن مرحلة التنفيذ”.
جون ستون
اندبندت عربي