يخوض مصطفى الكاظمي من موقعه في رئاسة الوزراء معركةً صعبةً بمقدار ما هي مفصلية: معركة الوطنية العراقية في مواجهة قوى ضدها في الداخل والخارج… معركة دولة لتطويع دويلات نهبت واحداً من أغنى البلدان العربية ومُصرَّة على التحكُّم به. بعضها من أجل مشاريع أصغر منه، وبعضها الآخر من أجل مشروع أكبر منه. وليست المعركة سوى صورة في مشهد عربي مُثقل بمشقة الغزو الأميركي وما بعده و”الربيع العربي”، وما انتهى إليه من “شتاء إسلاموي”. وعن هذا المشهد صدر أخيراً كتابان في أميركا؛ كتاب أستاذ القانون في جامعة هارفارد، مهندس دستور العراق نوح فيلدمان، بعنوان “الشتاء العربي: تراجيديا”. وكتاب الباحثَين ديفيد ومارينا أوتاوي “قصة أربعة عوالم: المنطقة العربية بعد الانتفاضات”.
جسر عبور
فيلدمان خائب الأمل من “الربيع العربي”، ويرى أن “الخطاب البطولي مهَّد الطريق لظاهرة أكثر ظُلمة، ولم يحقق منافع كثيرة”، لكنه يُحاول إبقاء الشعلة وإنقاذ الوضع من “الخطاب العدمي”، مؤكداً أن “الديمقراطية لم تمُت، لكنها مؤجلة وتحتاج إلى جيل آخر”. وهذا ما يدعونا إلى أن نطرح على أنفسنا سُؤالَين: هل المُتظاهرون في العراق هم الجيل الآخر الذي يحمل الشعلة؟ أم إنهم والكاظمي “جسر” إلى ذلك الجيل؟
ديفيد ومارينا أوتاوي يريان أربعة أنواع من الكيانات في المنطقة، الأول هو “اللا دول: العراق وسوريا ولبنان وليبيا”، والثاني هو “مصر السلطوية”، والثالث هو “الخليج المنطلِق بقيادة سعودية”، أما الرابع فهو “الجزائر والمغرب وتونس”، حيث الابتعاد عن العالم العربي في اتجاه أفريقيا وأوروبا. وفي رأي الباحثَين، فإن “الخلافات العربية والإقليمية” قادت إلى تدخل أميركا وروسيا وإيران وتركيا. كما أن “الانتفاضات عجَّلت في الدخول الواسع للمنظمات الإسلاموية في اللعبة”. أما الطريق إلى “الانفتاح الليبرالي السياسي”، فإن محطته الإجبارية هي “مرحلة سلطوية في بناء الدولة”.
الواقع هو أن “الربيع العربي” لم يفشل بالصدفة أو بسبب نقص الأفكار والتنظيم وارتكاب الأخطاء بمقدار ما فشل بفعل القوى التي قاومته والقوى التي وظفته في خدمة مصالحها… “أميركا أوباما” وظفته مع “تركيا أردوغان” في دعم سيطرة “الإخوان المسلمين”، ولا تزال أنقرة تكمل في ليبيا وسوريا والعراق اللعبة التي خرجت منها أميركا بعدما أسقط الجيش والشعب في مصر حكم “الإخوان”. إيران تحدَّثت في البدء عن تأثر “الربيع العربي” بالثورة الإسلامية الخمينية، وعن “أربع إيرانات” في العالم العربي قبل أن تندفع ضد “الربيع العربي” من سوريا وتُقاتل دفاعاً عن النظام، ومن أجل الإمساك بالعراق ولبنان وسوريا واليمن. إسرائيل حاولت تخريب كل ما هو ممكن. روسيا تدخلت في سوريا لحماية النظام وتبنَّت سياسة الحفاظ على الستاتيكو ضد أي تغيير في العالم العربي. أميركا ضربت “داعش” في العراق وسوريا وتحمي الكرد في سوريا وتشارك إيران في العراق. و”داعش” الذي أقام في العراق وسوريا “دولة الخلافة”، وسعى إلى السيطرة على كل المنطقة بالإرهاب، ساهم قبل هزيمته الجغرافية، في تحويل “الربيع العربي” إلى “شتاء إسلاموي”.
وما نعيشه اليوم هو “الشتاء الإقليمي” بعد “الخريف الأميركي” في العراق والمنطقة. تركيا تُرسل نحو 30 ألفاً من المُرتزقة إلى ليبيا للقتال إلى جانب حكومة الوفاق التي هي مظلة لـ”الإخوان المسلمين”. إيران تسلح وتُموِّل “الحشد الشعبي” في العراق و”حزب الله” في لبنان والحوثيين في اليمن من أجل مشروعها الإقليمي. وإسرائيل مصممة على ضم الباقي من فلسطين بعدما ضمت الجولان السوري.
الحالة الجديدة
رئيس الحكومة العراقية السابق عادل عبد المهدي يختصر الوضع بالقول “تاريخياً، نحن، أي الشيعة، رابحون، ومشكلة السُّنَّة هي إدمان السلطة، وعليهم الآن التكيُّف مع الحال الجديدة”. ورئيس الحكومة العراقية الأسبق نوري المالكي رأى أن “هذا زمن الأخذ بالنسبة إلى الكرد، وزمن التعويض بالنسبة إلى الشيعة، وزمن الخسارة بالنسبة إلى السُّنة، لكن البلد واحد، وعلينا أن نتشارك فيه”.
ومَن يعمل بالفعل على مشروع البلد الواحد والدولة الديمقراطية القوية والوطنية العراقية هو مصطفى الكاظمي. والأمل مُعلَّق بحلول “ربيع عراقي” بعد “الشتاء الإقليمي”، وذلك “الشتاء الإسلاموي”.
رفيق خوري
اندبندت عربي