البطالة والفقر يزيدان الجرائم المنظمة في العراق

البطالة والفقر يزيدان الجرائم المنظمة في العراق

منذ سنوات طويلة والعراق في حالة من انعدام الاستقرار والحروب ما أدى إلى ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة بين الشباب. واقع يدفع كثيرين إلى الانخراط في عصابات منظمة وارتكاب جرائم بهدف جني المال

تُسجّل الجريمة المنظّمة في العراق أرقاماً قياسيّة، بحسب مسؤول أمني في وزارة الداخلية. ويؤكد أن ضحايا الجرائم المنظمة الناتجة عن السرقة والسطو المسلح والخطف وتجارة المخدرات والابتزاز والنزاعات العشائرية وغيرها باتت تتجاوز ضحايا العمليات الإرهابية في مناطق كثيرة من البلاد. ويؤكد لـ “العربي الجديد” أن ضبط السلاح المتفلت لم يعد شعاراً سياسياً أو محاولة لفرض هيبة الدولة بقدر ما هو ضرورة لحماية المجتمع وأرواح المواطنين. ويعزو السبب إلى ارتفاع نسبة البطالة في البلاد بشكل كبير، وقد وصلت إلى 40 في المائة، إضافة إلى انخفاض معدلات الدخل ما يدفع الشباب إلى الهجرة أو البحث عن وسائل غير شرعية للحصول على المال.

وتسلّط وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي الضوء باستمرار على جرائم القتل والسرقة وترويج المخدرات، ما يشير إلى ارتفاع عدد المنخرطين في الجرائم المنظمة. ويقول باحثون اجتماعيون وخبراء في هذا المجال إن الفقر هو الدافع الأول للانخراط في عصابات منظمة، علماً أن غالبية عناصرها شباب ومراهقون.
وتكثر جرائم الخطف من أجل الابتزاز، وتعدّ الأكثر انتشاراً في العراق. وفي ظل ارتفاع نسبة الخطف، خصوصاً خطف الأطفال، يشدد الأهالي من الرقابة على أبنائهم وبناتهم.
في هذا الإطار، يتحدث مظفر جواد (51 عاماً)، الذي يعمل في مجال تجارة العقارات ويعد من ميسوري الحال، عن “أزمة أمان” تشهدها البلاد اليوم، في ظل ارتفاع نسبتي الفقر والبطالة. من هنا، وضع أربع كاميرات مراقبة في محيط منزله تمكنه من التعرف على الشخص القادم إلى منزله وتوثق أي حركة مريبة قد تستهدف بيته أو أسرته. لكنه وضع تلك الكاميرات بعدما خاض تجربة قاسية خسر على إثرها أربعين ألف دولار لإنقاذ طفله الصغير.
يقول جواد إنه لجأ إلى هذا الخيار بعدما اختطفت عصابة ابنه (سبعة أعوام). ويوضح لـ “العربي الجديد” أنّ هذه الجريمة وقعت عند الظهيرة، حين كان ولده يلهو في حديقة المنزل. يضيف: “تمكّن أحدهم من فتح الباب الخارجي وخطف ولدي، ثم جرت مساومة عبر الهاتف ودفعت للعصابة المبلغ الذي طلبوه قبل أن يفرجوا عن ابني”. وعلى الرغم من أنه لم يتمكن من التعرّف على أي فرد من أفراد العصابة التي خطفت ولده وساومته على حياته، يقول إنه واثق من إنهم شباب في مقتبل العمر. يضيف أن “العديد من العصابات التي اعتقلتها القوى الأمنية تتألف من شباب لا تتجاوز أعمارهم العشرين عاماً”.
ولا تستهدف جرائم الخطف ميسوري الحال فقط، بل إن عدداً كبيراً من تلك الجرائم كان أصحابها يجبرون أولياء الأمور على الاستدانة من أقاربهم أو بيع مجوهراتهم أو سياراتهم أو أي شيء ثمين يملكونه، كما يقول ضابط في وزارة الداخلية طلب عدم ذكر إسمه، لـ “العربي الجديد”. ويقول إن عدد الجرائم المنظمة ارتفع إلى درجة كبيرة، وغالبية أفرادها هم شباب في العشرينيات من العمر، إضافة إلى مراهقين يرتكبون جرائم القتل والخطف والسرقة والاتجار بالمخدرات وحبوب الهلوسة.
ويؤكّد أنّ “الفقر والبطالة عاملان رئيسيان يدفعان هؤلاء إلى ارتكاب مثل تلك الجرائم، ويستمرّون بممارستها كونهم يستسهلون الحصول على المال بهذه الوسائل”. ويشير إلى أن “تجارة المخدرات زادت بشكل كبير خلال السنوات الخمس الأخيرة كون العاملين فيها يجنون ربحاً سريعاً خلال وقت قصير. إلا أن نهايتها كارثية، وتصل عقوبتها إلى السجن المؤبّد إضافة إلى غرامة مالية كبيرة”.
وتعتمد العصابات على وسائل كثيرة لاصطياد ضحاياها، من بينها التخطيط للإيقاع بشخص ما ومعرفة مواعيد عمله وأوقات تحركاته والأماكن التي يذهب إليها. وعادة ما تستغل أوقاتاً معينة من النهار، كما يقول محمد هلال الذي نجا من فخ كاد أن يكلفه حياته.
هلال الذي يعمل في توصيل الطلبات من خلال سيارته الخاصة، يقول إن الأزقة في الأحياء التجارية تكون خطرة بعد العصر، بعدما تصبح الحركة فيها شبه معدومة، ما يسهل عمل العصابات في رصد ضحاياها. يروي إنه سلك أزقة تجارية في حي السعدون في وسط بغداد ليختصر الطريق إلى منزله، فأوقفته مجموعة من الشباب الملثمين، وأجبروه على إعطائهم ما في حوزته من مال وهاتفه النقال والحاسوب المحمول ثم لاذوا بالفرار. يضيف لـ “العربي الجديد”: “كانوا ستة أشخاص بينهم ثلاثة ربما لا تتجاوز أعمارهم السابعة عشر، لكنهم مسلحين. كاد أحدهم يقتلني بعدما رفضت الانصياع لهم، وقد أطلق رصاصة إلى جانب رأسي واخترقت الزجاج الجانبي لسيارتي”. وعلى الرغم من تأكيده أنه لم يعرف أياً منهم، لكنه استنتج من لهجتهم أنهم ينتمون إلى عائلات فقيرة.
وما من إحصائيات دقيقة حول عدد العاطلين من العمل في العراق. لكن بحسب تقارير رسمية، فإنها تصل إلى نحو 40 في المائة، خصوصاً المناطق البعيدة عن مراكز المدن وتلك الريفية.
وتفيد تقارير رسمية بأن ارتفاع نسبة الفقر والبطالة كان أحد أبرز أسباب انتشار تعاطي وتجارة المخدرات، كما تقول تقارير رسمية محلية. وتعمل شبكات مروجي المخدرات على بيع بعض أنواع المخدرات، كالكريستال الذي يعتبره متخصصون شديد الخطورة، كونه يؤدي إلى الإدمان بسرعة.
وتجارة المخدرات هي إحدى الجرائم المنظمة التي باتت تنتشر بشكل كبير في العراق. يقول موفق السعيدي الذي يعمل في تجارة الأدوية لـ “العربي الجديد”، إنّ من بين وسائل بيع المخدرات والمتاجرة بها وترويجها وتوزيعها هي تعبئتها في علب أدوية. ويتابع أن “من بين وسائل الربح السريع التي يتخذها العاطلون من العمل هي بيع المهدئات بعد تهريبها، وخصوصاً من قبل العاملين في مجال الأدوية والمستشفيات”. يضيف أن “تلك العقاقير تباع بسعر زهيد نسبياً، لكن هناك زيادة في عدد المدمنين عليها، وهو ما يدركه جيداً جميع العاملين في قطاع الأدوية بشكل عام”.

ويبقى الفقر “السبب الأول في تفشي تعاطي المخدرات في العراق”، كما يقول الباحث الاجتماعي سعد العيساوي لـ “العربي الجديد”. ويؤكد أن “نسبة الإدمان إلى ارتفاع، والسبب هو زيادة نسبة الفقر وارتفاع عدد العاطلين من العمل”. ويرى أن “هذه نتيجة طبيعية وحتمية، وخصوصاً أن الدولة عاجزة عن إيجاد حلول للنهوض بالاقتصاد واحتضان الطاقات الشابة، وإيجاد بدائل ناجحة لسد فراغ المراهقين والشباب من خلال مراكز رياضية وعلمية وثقافية ينصح بها المتخصصون من أجل تحقيق مجتمع صحي”.

كرم سعدي

العربي الجديد