ترامب: إلى أين أخذ تهوّر الرئيس الأمريكي العالم؟

ترامب: إلى أين أخذ تهوّر الرئيس الأمريكي العالم؟

قبل يومين فقط من إعلان إصابته أمس الجمعة بفيروس كورونا، سخر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من خصمه المرشح للانتخابات الرئاسية عن الحزب الديمقراطي جو بايدن لارتدائه الكمامة باستمرار في الأماكن العامة قائلا: «أنا لا أرتدي الكمامات مثله. في كل مرة نراه يرتدي كمامة» وكان ترامب سافر مع طاقمه الانتخابي الخميس إلى نيوجيرزي لحضور حفل تبرعات في نادي الغولف الخاص به، حيث كان على مقربة من عشرات الأشخاص من دون ارتداء كمامة لا في الفعالية ولا في الطائرة التي أقلته.
تمثّل الواقعة الأخيرة التي أدت إلى إصابة ترامب أسلوب تفكير شخصي وعامّ، لأنه أصرّ منذ بدء حملته على حضور فعاليات كبيرة، والترويج لأشكال من العلاج المزيف، والكذب على الجمهور بخصوص خطورة الوباء ونهر المسؤولين لدفعهم لإعادة فتح المدارس، وهو ما يعكس، حسب صحيفة «واشنطن بوست» في عمود رأي أمس «عجزه المطلق عن الإحساس بالآخرين، وعدم استطاعته التفكير في حياة أحد غير نفسه».
والحقيقة أن موقف ترامب حول كورونا يمكن تعميمه على كل شيء امتدّت إليه سياساته الطائشة، سواء في أمريكا نفسها، التي حصد الوباء فيها حياة أكثر من 207 آلاف شخص، أو في العالم، وخصوصا في منطقتنا العربية، التي شهدت غطرسة هائلة لحلفائه في المنطقة، حيث أطلق يديّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ضد الفلسطينيين، ووضعت إدارته، عبر صهره جاريد كوشنر، وسفيره المتطرف في إسرائيل ديفيد فريدمان، ووزير خارجيته مايك بومبيو، كل ثقلها لتمرير «صفقة القرن» وللضغط على الدول العربية للتطبيع مع إسرائيل.
تابعنا أيضا، خلال السنوات الماضية، كيف أفلت ترامب يد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان لممارسة سياساته القمعية، التي استذكر العالم أحد علاماتها البارزة قبل أيام في ذكرى اغتيال جمال خاشقجي، وكيف تعامل مع سياسات عبد الفتاح السيسي «ديكتاتوره المفضل» كما سمّاه، وكيف رعى اتفاق التطبيع مع البحرين، ومع الإمارات، التي انفلتت بدورها في تشكيل الميليشيات وتأسيس السجون، في اليمن وليبيا، وفي استئجار المرتزقة والقتلة الدوليين لتأدية مهام الاغتيال والخطف.
تعكس آراء ترامب، في الحقيقة، مواقف تيّار عريض ومتنفذ في أغلب جهات الأرض، وهي مواقف تحتقر العلم، وتسخر من المنادين بالحفاظ على البيئة وكوكب الأرض، وتؤسس اتجاهاتها الشعبوية على كره الأغلبيات للأقليات، والأقوياء للضعفاء، والأغنياء للفقراء، من دون أدنى تفكّر بأن هذه السياسات ستؤثر على الجميع، وأن الوصول الانتهازي لكراسي الحكم لا يحصّن هؤلاء من أثر الطبيعة والأرض التي نعيشها، ولا يجعلهم أقوى من الأوبئة، ولا يجعل بلدانهم قويّة كما يعتقدون، فالاستقطابات الحادّة هي وصفات جاهزة للحروب الأهلية.

القدس العربي