استيقظ الأميركيون والعالم صباح أمس على خبر إصابة الرئيس الأميركي دونالد ترمب وزوجته ميلانيا بفيروس «كورونا»، قبل شهر من موعد الانتخابات الرئاسية.
وفي حين أكد البيت الأبيض أن أعراض الرئيس والسيدة الأولى «خفيفة»، وأنه يواصل ممارسة مهامه من البيت الأبيض، حيث يقضي فترة الحجر، أثار خبر إصابته سلسلة تساؤلات حول صحته، وقدرته على الاستمرار في القيام بأعماله الرئاسية، واحتمال إصابة أعضاء إدارته من الوزراء والمساعدين وكبار المسؤولين. ولعل أكثر ما يشغل الرأي العام الأميركي هو مصير الحملات الانتخابية، وتأثير الإصابة على حظوظ ترمب، خاصة في ظل تقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن في استطلاعات الرأي. وكان مستشارو حملة ترمب يأملون في تكثيف الحملة الانتخابية في الأسابيع المقبلة، لتحسين حظوظ ترمب في استطلاعات الرأي، مع جدول سفر صارم، ورسالة مفادها أن جائحة «كوفيد-19» قد انتهت إلى حد كبير.
– إصابة المستشارة
أعلن ترمب، فجر الجمعة، عبر حسابه على «تويتر»، خبر إصابته وزوجته بفيروس «كورونا»، وذلك بعد ساعات من تأكد إصابة مساعدته هوب هيكس التي سافرت معه على متن الطائرة الرئاسية. وقد صاحبت هيكس الرئيس ترمب، يوم الثلاثاء، إلى كليفلاند، بولاية أوهايو، لحضور المناظرة التي جمعته مع بايدن، وأيضاً يوم الأربعاء إلى ولاية مينيسوتا، ثم الخميس إلى ولاية نيوجيرسي، حيث شارك الرئيس في حفل لجمع التبرعات في ناديه للغولف في مدينة بيدمينستر، وكان على اتصال وثيق بالعشرات من الأشخاص.
وقال ترمب، عقب إعلان إصابة هيكس، إنها «تعمل بجهد. غالباً ما تضع قناعاً، لكن نتيجة اختبارها جاءت إيجابية»، مشيراً إلى أنه يقضي «وقتاً طويلاً مع هوب». وأشار إلى أن مستشارته ربما أصيبت بالفيروس من خلال الاتصال بالجنود أو مسؤولي إنفاذ القانون. وتابع: «وجودك بين عناصر من الجيش أو الشرطة صعب جداً، إذ يتهافتون عليك لتقبيلك لأننا قمنا بعمل جيد لهم حقاً… إنها تعلم أن في الأمر مخاطر، لكنها شابة».
وانضمت هوب هيكس إلى فريق حملة ترمب في أوائل عام 2016، وهي جزء من دائرة المقربين له. وبعدما شغلت منصب مديرة الاتصالات في البيت الأبيض، تركت منصبها للانضمام إلى مجموعة «فوكس» التي تشمل قناة «فوكس نيوز» الإخبارية، قبل أن تعود للعمل في مقر الرئاسة الأميركية. ولم تكن هذه العارضة السابقة التي عملت مع إيفانكا ترمب في نيويورك تظهر كثيراً في وسائل الإعلام، لكنها كانت مؤثرة جداً في الكواليس، وكان يأخذ برأيها، كما أنه لم يبدِ أي تحفظ تجاهها، كما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية.
وبعد ساعات من تأكيد إصابة هيكس، قال ترمب عبر «تويتر»: «الليلة، ثبتت إصابتي أنا والسيدة الأولى بـ(كوفيد-19)، وسنبدأ عملية الحجر الصحي والتعافي على الفور، وسوف نتجاوز هذا معاً». ونشر البيت الأبيض تقرير الطبيب الخاص بالرئيس بعد دقائق، مؤكداً أن ترمب وزوجته «كلاهما في حالة جيدة في الوقت الحالي، ويخططان للبقاء داخل البيت الأبيض خلال فترة نقاهتهما». وأضاف الطبيب شون كونلي: «اطمئنوا، أتوقع أن يواصل الرئيس أداء مهامه دون انقطاع في أثناء التعافي، وسأطلعكم على أي تطورات مستقبلية». وتوقع كونلي أن الرئيس «سيتغلب على هذه الفيروس، وأن الأعراض الحالية هي أعراض خفيفة».
وكان التشخيص بمثابة صدمة للشارع الأميركي والأسواق في جميع أنحاء العالم، ومثل أسوأ «مفاجأة أكتوبر (تشرين الأول)» التي تشهدها الانتخابات الرئاسية الأميركية تقليدياً، قبل شهر من عملية التصويت.
– أعراض الرئيس
أبدى أطباء أميركيون ومعلقون قلقاً من تدهور وضع الرئيس الأميركي، رغم عدم معاناته حتى وقت كتابة هذا التقرير من أي أعراض خطيرة، وذلك بصفته من فئة المصابين «عالية المخاطر» بسبب سنه ووزنه.
ووفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، فإن الرئيس البالغ من العمر 74 عاماً هو أكثر عرضة 5 مرات لدخول المستشفى، وأكثر عرضة للوفاة من «كوفيد-19»، بالمقارنة من شخص يتراوح عمره بين 18 و29 عاماً. كما أنه وزنه يتجاوز الحد الموصى به، مما يضاعف خطر دخول المستشفى 3 مرات بسبب العدوى.
وفي حين قال الخبراء إنه بينما يواجه ترمب كثيراً من عوامل الخطر المرتبطة بأشكال حادة من «كوفيد-19» لأنّه كبير في السن، ويعاني من زيادة في الوزن، فإنه من الصعب تحديد كيفية تأثير المرض عليه.
وبهذا الصدد، قال أستاذ طب التمثيل الغذائي في جامعة غلاسكو، نافيد ستار، إنّ «خطر الإصابة بأمراض خطيرة والموت يعتمد على كثير من العوامل، بعضها غير قابل للقياس، لذلك هناك دائماً عدم يقين، وليس من السهل استخلاص استنتاجات من شخص أو اثنين فقط». وتابع أنّ المخاطر قد تتم «موازنتها» من خلال عوامل أخرى، بما في ذلك ما إذا كان ترمب لا يعاني من أمراض مزمنة، ونشط بشكل معقول، مشيراً إلى حب الرئيس الأميركي لممارسة الغولف. وفي أحدث فحص طبي له، نُشر في يونيو (حزيران)، كان وزن ترمب 110.67 كلغ. وبالنسبة لطوله البالغ 1.91 متراً، فهذا يعني أنه تجاوز العتبة الرسمية للسمنة للعام الثاني توالياً.
ومن جهتها، قالت ميلانيا ترمب، على «تويتر»، إنها تعاني من أعراض خفيفة، لكنها على ما يرام، مشيرة إلى أنها تتطلع إلى تعافٍ سريعٍ.
– مصير الحملة الانتخابية
لم يحدد البيت الأبيض فترة حجر الرئيس، بينما تحدثت تقارير إخبارية، نقلاً عن مقربين منه، عن أن رحلاته وأنشطة حملته الانتخابية ستتوقّف 10 أيام على الأقل. وأعلنت حملة إعادة انتخاب ترمب إلغاء خطط السفر كافة إلى فلوريدا لحضور تجمع انتخابي، كما أُلغيت رحلته إلى ولاية ويسكونسن السبت، وإلى ولاية أريزونا الإثنين. وجاءت إصابة الرئيس بمثابة ضربة للحملة الانتخابية التي تميّزت بعقد عدة تجمعات لحشد الناخبين. ولم توضح الحملة الموقف فيما يتعلق بالمناظرة الرئاسية الثانية بين ترمب وبايدن، المقرر إجراؤها في 15 أكتوبر (تشرين الأول) في ميامي بولاية فلوريدا.
ومن جهتها، نقلت وكالة «أسوشيتد برس» وصحيفة «نيويورك تايمز» عن مسؤول بالبيت الأبيض قوله إن الرئيس الأميركي يعاني من «أعراض خفيفة» لمرض «كوفيد-19». وقال مصدران مطلعان على حالته للصحيفة إنها تشبه أعراض البرد. وتابع مسؤول كبير بالبيت الأبيض أن الرئيس «ليس عاجزاً» عن أداء مهامه، مضيفاً أنه يباشر عمله بالفعل من المقر.
– تداعيات سياسية
وعمل موظفو البيت الأبيض ومستشارو الرئيس وكبار قادة الحزب الجمهوري على طمأنة الأميركيين والأسواق. وفي هذا السياق، أكد البيت الأبيض أن نائب الرئيس مايك بنس وزوجته خضعا لاختبار «كوفيد-19»، وجاءت النتائج سلبية. كما جاءت النتائج سلبية لكل من إيفانكا ترمب، وزوجها جاريد كوشنر، ونجل الرئيس الأصغر. وتوالت تصريحات المسؤولين الحكوميين وأعضاء الكونغرس بالتمنيات بالشفاء العاجل للرئيس. وأصدر المرشح الديمقراطي الذي جاءت نتائج فحصه سلبية كذلك بياناً، أعرب فيه عن تمنياته بالشفاء للرئيس ترمب وزوجته. وقال بايدن في تغريدة: «نواصل الصلاة من أجل صحة وسلامة الرئيس وعائلته».
وعد محللون أن إصابة ترمب ستكون لها تداعيات واسعة على مستوى السياسية الداخلية والأمن القومي، وأيضاً على السياسة الخارجية. وتعتمد درجة التداعيات الاقتصادية والجيوسياسية بشكل كبير على شدة مرض الرئيس، خاصة حول ما إذا كان ترمب نفسه قد أصبح عاجزاً. وعلى المدى القصير، قد يستفيد سياسياً من موجة التعاطف العام، كما استفاد منها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بعد إصابته بالفيروس. كما يمكن أن تقلل من حدة الانتقادات التي تم توجيهها إلى الرئيس ترمب فيما يتعلق بسجله الضريبي، وقيامه بدفع 750 دولاراً فقط ضرائب عن الدخل الفيدرالي لعامي 2016 و2017.
ولطالما خفف الرئيس ترمب من خطورة جائحة «كورونا». وقبل ساعات من إعلان إصابته بالفيروس، صرح بأن نهاية جائحة «كوفيد-19» باتت وشيكة، فيما اتهمه بايدن، على «تويتر»، بمحاولة جذب الانتباه بعيداً عن «تعامل فاشل مع (كوفيد-19)» أدى لوفاة أكثر من مائة ألف أميركي بالمرض. ونادراً ما يضع الرئيس كمامة، حتى أنه سخر ممن يفعلون ذلك، ومن بينهم منافسه الديمقراطي بايدن، كما نقلت وكالة «رويترز». وحضر الرئيس بنفسه مؤتمرات انتخابية مع أنصاره الذين يرفضون بشكل أساسي وضع كمامات، وكان آخر تجمع انتخابي له مع عشرات المتبرعين في نيوجيرسي.
هبه القدسي
الشرق الأوسط