للمرة الثالثة، سيّرت القوات التركية دورية عسكرية على طريق M4 في إدلب، منفردة، من دون مشاركة الروس، الذين كانوا قد اتفقوا سابقا مع أنقرة على المشاركة في دوريات هذا الطريق الذي يربط حلب باللاذقية.
ويبدو أن العزوف الروسي عن المشاركة في الدوريات العسكرية مع الأتراك، هو مؤشر على نوايا موسكو المقبلة بتجديد الهجوم العسكري على إدلب، استكمالا لهدفها المعلن في تمكين دمشق من استعادة أراضيها الخارجة عن سيطرتها، خاصة أن موازين القوى الإقليمية والمحلية، لا تزال لصالح النظام السوري وحليفه الإيراني، فهناك محور ما زال يكابد ثمن تمدده من طهران إلى دمشق فبيروت، مدعوما من موسكو، مقابل معارضة سورية انفض عنها داعموها وحلفاؤها، مشتتة في الداخل السوري، مجتمعة في جيب إدلب الحدودي الصغير شمال البلاد، فالتوارنات العسكرية المختلة بين الطرفين، تشجع موسكو على المضي قدما في إكمال ما بدأته في عام 2015، في دعم الأسد لاستعادة أراضيه، وهو ما تم على مراحل طويلة، كان منها اتفاقية المناطق الآمنة وخفض التصعيد، التي ساهمت بشكل، أو بآخر في الاستفراد بالمناطق المعارضة، واحدة تلو الأخرى والتهامها، بينما يفترض أنها محمية من التصعيد العسكري، وهذا ما حصل أخيرا في إدلب، إذ شن النظام وحلفاؤه هجومه عليها على مراحل.
ترك شريط حدودي سوري تركي للمخيمات من الممكن أن يكون حلا لتبديد مخاوف تركيا وربما نشهد ولادة غزة جديدة في سوريا!
ووفق ما تسرب من معلومات، فإن المرحلة المقبلة من هجوم النظام، ستستهدف استعادة الطريق M4 والجيب الجنوبي المحاذي له، أي أن جبل الزاوية، أحد أهم معاقل المعارضة في إدلب مهدد بالسقوط، ويريد النظام تأمين الطريق شمالا، لذلك يخطط للتمدد أيضا لبضعة كيلومترات شمال الطريق، أي أن جسر الشغور، سيكون ضمن المناطق المهددة أيضا، وبالنظر لهذه الخطة، فإنها إن تمت، ستعني اتمام سيطرة النظام على معظم أراضي محافظة إدلب، وبقاء مدينة إدلب محاصرة، ضمن مثلث أو شريط حدودي يمتد من دارة عزة لإدلب المدينة، حتى دركوش، وقد تترك هذه المنطقة المكتظة بخيام اللاجئين كشريط آمن حدودي، لتتحول ربما لغزة أخرى في سوريا. ولا يبدو أن أنقرة تمانع عودة النظام السوري للسيطرة على إدلب، إذا تم ضمان أمرين يخصان المصالح التركية:
*الأول هو مواصلة تحجيم الكيان الكردي شمالا، وسيكون ذلك ممكنا من خلال تواجد سلطة دمشق التي تشترك هي الأخرى مع أنقرة في التوجس من الميول الانفصالية الكردية.
*والأمر الثاني الذي يهم تركيا في الشمال السوري وفي إدلب خصوصا، هو مسألة اللاجئين، فتركيا التي شيدت أسوارا بينها وبين سوريا، لمنع تدفق المزيد من اللاجئين، وباتت تضع خططا لترحيل مئات الآلاف من النازحين السوريين إلى خارج أراضيها، لا تريد أن تتسبب الحرب المقبلة في إدلب بإعادة عقارب الساعة إلى عام 2011، و2012، عندما تدفق نحو مليوني لاجئ على أراضيها، إذ بات هذا الملف حساسا وحاسما حتى بالنسبة لحزب العدالة الحاكم، بعد أن كان مقتصرا على المعارضة التركية.
وهنا سيكون من اللافت الانتباه مجددا للتصريح التالي من الرئيس التركي، إذ قال مؤخرا، إن «تركيا ليست باقية في الأراضي السورية إلى الأبد، وسننهي تواجدنا فيها بمجرد إيجاد حل دائم للأزمة هناك»، لكن ما هو الحل الدائم الذي يعنيه؟ لا يبدو أنه أكثر من الصيغة التي ارتضتها أنقرة في اتفاقية «سوتشي» بمشاركة حليفتي الأسد، إيران وروسيا، الاتفاقية التي تنص على ضرورة الحفاظ على سيادة الدولة السورية على أراضيها، ما هي الدولة السورية؟ لا يبدو أن أحدا غير نظام الأسد ينطبق عليه هذا الوصف في سوريا اليوم في نظر أنقرة، خصوصا إذا أضفنا تصريحا آخر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يتحدث فيه صراحة عن أن النظام السوري هو صاحب أرض الدولة السورية، عندما قال في أعقاب تقدم النظام شمالا، إن «هذه في النهاية أرضهم»، لذلك فإن إرضاء الجانب التركي بترك شريط سوري حدودي للمخيمات، قد يمتد من دار عزة إلى دركوش، من الممكن أن يكون حلا لتبديد مخاوف تركيا، بخصوص تدفق اللاجئين، وربما نشهد ولادة غزة جديدة في سوريا!
القدس العربي
وائل عصام